الفصل الأول
اهتمامه بتعليم نفسه
كان نظام التعليم في جزيرة كورسيكا مختلًّا معتلًّا، فكان نصيبي من العلم على قدر اهتمامي بأمر نفسي وعنايتي بطلبه.
حبه للسبق
كنت أصرف سويعات الفراغ في العمل وكثيرًا ما قضيت الليالي في التفكير في دروسي؛ لأنني كنت أرمي إلى غرض واحد وهو الفوز على أقراني.
القوة والعلم
إنني وسيفي بجانبي وإلياذة هوميروس بين يديَّ أستطيع أن أخوض غمار الحياة وأفوز في معتركها.
حدة العظماء وواجب الأبناء
لا أستطيع أن أعالج نفسي من داء الحدة التي يشتد خطرها كلما تحققت عدل الأسباب التي تهيجها، وإنني لا أهتم بما أخسره من المنافع المادية والأدبية مهما كان مقدارها إذا كان نيل تلك المنافع موقوفًا على جرح عواطفي أو مس شرفي، ولست أحتمل أن أسمع بأذني إهانة والدي وهو رجل شريف، ولا أستطيع الصبر حتى أشكو أمري إلى رؤسائي؛ لأنني أعتقد بأنه ينبغي للولد البار أن ينتقم لأبيه.
(لما كان نابوليون طالبًا بمدرسة برين الحربية كان بعض أقرانه يحملون عليه ويعيرونه، وحدث أن أحدهم سبَّ أباه على مسمع منه، فطلبه إلى النزال ونال منه، وعوقب بعد ذلك بالحبس، فكتب هذا الكتاب إلى رئيس المدرسة فأمر بتسريحه لساعته.)
ذكرى الصِّبا
ما ألذ تذكارات الصِّبا التي تعاودني كلما خلا ذهني من التفكير في شئون السياسة، أو كلما استرحت من شتائم السجان (السير هدسون لو)، وكثيرًا ما أستعيد آرائي الأولى في الحياة. وقد يخطر ببالي وأنا أتأمل في ساعات السكينة والهدوء أنه لو قدِّر لي أن أكون ذا دخل قدره ٥٠٠ جنيه في العام وحولي زوجتي وأولادي وبقية أسرتي بداري في أجاكسيو أكون أسعد الناس حالًا، وأنت يامونتولون (صديقه في أسره) تذكر هذه الدار وجمال موقعها، وكثيرًا ما كنت تقطف عناقيد العنب من كرومها أنت وعشيقتك بولين، لله ما أسعد تلك الأيام الماضية! ولله ما أجمل ذكرى الصبا! إن مخيلتي تعرض عليَّ كل ما يتعلق بأول منزل رأيته ومرحت فيه، وإني أكاد أشم رائحة زهور الحديقة زهرة زهرة، بعد مضي كل تلك السنين الطويلة، وأوشك أن أضع قدمي في أول موضع وطئته في طفولتي.
وإني كذلك أذكر يومًا خرجت فيه ومعي خمسمائة من إخواني، وكلنا من أشراف جزيرة كورسيكا ونبلائها، وسرنا في ركاب باولي، وكنت أُسَرُّ كلما أدناني منه ودلني على مهامه الجزيرة ومفاوزها وسهولها وجبالها ووديانها. وذكر لي ما حدث فيها من الوقائع الحربية التي جاهد فيها أبناء وطننا جهاد الأبطال في سبيل تحرير بلادنا واستقلالها، ولا تزال الآلام والآمال التي تحركت في نفسي في ذلك اليوم تعود إليَّ كأنها بنت أمس الغابر.
اشتغاله بتاريخ وطنه
إنني أشتغل الآن بالكتابة مع أنني لا أزال في الثامنة عشرة من عمري، وليس في ذلك غرابة؛ لأن هذا هو أوان الاشتغال بالعلوم وتحصيلها. هل تسخر من جسارتي؟ كلا، إذا كان الميل إلى الصفح دليل النبوغ، فلا بد أن يكون نصيبك منه وافرًا. أبعث إليك بفصلين من كتاب أؤلفه في تاريخ كورسيكا، والفصلان نموذج لبقية الفصول، فإذا راقك ما كتبت استمررتُ في العمل، وإلا ضربتُ عن الكتاب صفحًا.
صحة الجسم وصحة النفس
ليس لي ملجأ سوى العمل، إنني لا ألبس ثيابي الرسمية إلا مرة في كل أسبوع، ولا أنام بعد أن نقهت من المرض إلا قليلًا. وعادتي أني أدخل مخدعي في الساعة العاشرة وأنهض في الرابعة بعد نصف الليل، ولا آكل في اليوم إلا وجبة واحدة في الساعة الثالثة بعد الظهر، وهذا فيما أظن ينفع صحتي.
رأيه في الناس والحياة
كلٌّ يسعى لنيل أغراضه ويستعمل الكذب والافتراء ليرتقي بها في مدارج التقدم، فحياة الناس قائمة على الدسائس الدنيئة، وإني أشفق على كل من قسم لهم أن يمثلوا دورًا مهمًّا في الحياة، لا سيما إذا كانوا لا يستطيعون أن يتغلبوا على آمالهم، ولا ريب عندي في أن التمتع بحب الأسرة والاكتفاء بدخل يسير لا يزيد عن ٤٠٠٠ أو ٥٠٠٠ فرنك خير ما يرمي إليه العاقل. وخير أيام الحياة هو ما كان بين الخامسة والعشرين والأربعين؛ أي عندما تهدأ نفس الرجل وتخمد نار الشباب، فلا يعاني ما يعانيه الفتى من الاشتعال والغليان.
أوصيك يا أخي بالاعتدال في كل شيء، إذا أردت أن تكون سعيدًا في حياتك.
قوة نفسه
أشعر في نفسي على الدوام بأنني كالجندي قبيل موقعة كبرى، وأرى أنه ما دام الموت غاية كل حيٍّ، فمن العبث والجنون أن يشغل الإنسان نفسه به أو يخشى مجيئه، إنني أستطيع أن أقابل طوارئ الحدثان بشجاعة وثبات جأش، ولو لم تغيرني الأيام فسوف أقف في طريق الموت ولا أفر منه إذا مد لي يدًا.
أخلاق قواد الجيوش وقادة الأمم
أرغمني شبابي في إبان الحروب الإيطالية على الحذر في كل حركاتي وسكناتي، واستدعاني إلى التجمل بسائر الأخلاق الفاضلة، وكان هذا من الضرورة بمكان لأتمكن من بسط نفوذي على قوادي وجنودي، سيما وأن أغلبهم كانوا أكبر مني سنًّا وأقدم عهدًا بفنون الحرب، فكنت على الدوام متشددًا في أخلاقي لأكون نموذجًا لأتباعي ليسيروا على دربي وينسجوا على منوالي، وكانت أخلاقي لذلك العهد تقرب من أخلاق كاتون، فكان مَن حولي يحسبونني حكيمًا زاهدًا، وفيلسوفًا متعبدًا. وغني عن البيان أنه لو لم أتمكن من الظهور بمظهر الترفع عن الجميع ما استطعت أن أكون مسموع الكلمة أو نافذ الأمر في الجيش، ولو أنني في ذلك الحين استسلمت للضعف الكامن في نفوس البشر فقدت كل قوتي وبطشي.
نابوليون يخدع نفسه والناس
إن همومي التي تشغلني في وحدتي كثيرة؛ لأنه قد برح الخفاء وافتضح الأمر، وليس لي في الدنيا سواك، والعالم بأسره هيِّن عندي في جنب رضاك، ولو أنني فقدت صداقتك وإخلاصك وخانتني جوزفين في حبي، فقل على حياتي السلام، ولا غرابة إذا صرت بعد ذلك من أعداء الإنسانية الألداء، يا حبذا لو كان لي منزل في شمال فرنسا، أو في ضواحي باريس؛ لأنني في حاجة شديدة إلى الوحدة والخلوة، إن حب العظم يتعبني، بدأت أحس بأن المجد أمر تافه لا قيمة له. إنني في التاسعة والعشرين من عمري ولم يبقَ في ميدان المجد غرض إلا أصبته، فلم يبقَ لي إلا أن أعجب بنفسي وأتيه على العالم بأسره.
اقتداره على المشاق
أقطع في كل يوم خمسة وعشرين فرسخًا في العجلات، وعلى ظهور الجياد، وسيرًا على الأقدام، وأرقد في الساعة الثامنة وأنهض في منتصف الليل.
سر النجاح في بعد النظر
أشتغل دائمًا وأفكر كثيرًا، وأحل كل ما يعرض لي من المعضلات قبل حدوثها؛ لأنني أقضي زمنًا طويلًا في النظر في العواقب، فلا يحدث شيء لم يكن في حسباني، وليس في ذلك فضل للنبوغ، إنما الفضل كل الفضل لتأملي في المسائل وإمعاني فيها لحلها. إنني أشتغل دائمًا سواءً كنت في الفراش أو على المائدة أو في دار التمثيل.
صبره على العمل
خلقت للعمل، لقد عرفت الغاية التي تنتهي إليها قوة بدني ونظري، ولكنني لم أجد حتى الآن حدًّا لقوتي في العمل وصبري عليه.
ثقته بنفسه
إنني متفانٍ في الأعمال العقلية، ولست أدري مقدار ما يمكنني إنجازه مما يعرض لي؛ لأن قدرتي لا حد لها.
نشاطه
إني ضاعفت قوتي بالنشاط وحب العمل.
خضوعه للطبيعة
أعترف بأنني أشد الأسرى مذلة؛ لأن سيدي لا يعرف الرفق ولا يشفق عليَّ. وهذا السيد المستبد هو الطبيعة.
قيمة الخيال في نظره
إن هواجسي لا تخدعني.
وحدة الخلق في العظماء
دائمًا على حال واحدة؛ لأن أمثالي لا يتغيرون.
ثقته بنفسه
إن عظمتي لا تنتهي إلا بالموت.
أفكاره تسبق ألفاظه
لا يمكنني أن أكتب بجلاء ووضوح؛ لأن عقلي مشتغل بأمرين مختلفين؛ الأمر الأول ما يجول بخاطري من الآراء والمعاني، والثاني خط البنان، ولما كانت الآراء والمعاني تسبق الألفاظ فقُلْ على اعتدال الأسطر وأشكال الحروف السلام، إنني أفضل أن أملي على كاتب؛ لأن الإملاء أسهل لدي من الكتابة؛ لأنها كالمحادثة.
حضور ذهنه
يكون ذهني بعد نصف الليل حاضرًا حضورًا كاملًا، بحيث لو نهضت لحدوث أمر طارئ، كنت على أتم ما يكون من اليقظة والصحو، ولو رآني أحد وأنا ناهض من الفراش لا يستطيع أن يعلم متى نهضت من نومي، ولو أخذت أُملي على أحد كنت كعادتي نهارًا حاد الذهن حاضر البديهة.
حرصه على الزمن
اذكروا أن العالم لم يخلق إلا في ستة أيام، واطلبوا مني كل شيء غير الوقت، فهو الأمر الوحيد الذي ليس تحت سلطتي.
ثقته بنفسه
أشعر في نفسي بقوة غير محدودة.
ثقته بنفسه
قد منحني الله قوة تمكنني من التغلب على سائر العقبات.
ثقته بنفسه
أستطيع أن أقوم بكل ما أحتاج إليه، ولو فقدت من يصنع البارود أخذت في عمله بنفسي.
تدرجه في مراتب العلا
وصلت إلى العلا والظهور شيئًا فشيئًا.
القوة تحمي القوة
إن فتوحاتي هي التي رفعتني إلى درجتي الحالية، وبالفتوحات يمكنني أن أحفظ مركزي الحالي.
غريزة التكوين والتأسيس
لكل إنسان أفكار وآراء خاصة به، وشهوة يشتهيها وتفضل لديه عن غيرها، وشهوتي هي التأسيس والتجديد لا امتلاك القديم.
بُعد نظره
لا فضل لي في حل ما يعرض لي من المعضلات؛ لأنني أنظر في الأمور قبل وقوعها وأعد لكل مسألة حلًّا.
قوة إرادته
إذا سعيت إلى غرض فإنني أسير إليه بلا تردد، ولا رضوخ لما يعرض لي من العقبات.
الثبات والمواظبة
لا تبلغ الغايات ولا تصاب الأغراض إلا بالثبات والمواظبة على العمل.
قضاء الحاجة بالكتمان
إنني في أكثر الأحيان لا أقول شيئًا مما أعرف ولا أبوح مطلقًا بما أنا متحقق من حدوثه؛ لأن الفوز رهين الكتمان.
نابليون يؤيد وحدة خُلقه
نسبوا حسناتي إلى حظي، وغدًا ينسبون سيئاتي وما وقعت فيه إلى عيوبي، على أنني لو دونت تاريخ أعمالي ظهر للملأ أنني كنت في كل أطوار حياتي سليم العقل، قادرًا على العمل، سائرًا على خطة مرسومة، سواءٌ في أيام سعدي أو أيام نحسي.
ابتعاد زوجته عن السياسة
يعترف الإنكليز كما يعترف أفراد أسرة بوربون بأنني فعلت بعض الخير، ولكنهم يقولون أنني مدين في ذلك لجوزفين، مع أن زوجتي لم تتداخل قط في السياسة.
شخصيته
لا تظن أن ما أصبته من المجد والعظمة غيَّر عواطفي نحوك، إن قيمتي ليست في حمائل سيفي وقوائم عرشي؛ لأن هذه المظاهر كلها إنما هي لأجل الشعب، إنما قيمتي في شخصي.
ندمه على الماضي
أخشى أن أكون اقترفت بعض المظالم رغم إرادتي، ومنشأ هذا أنني كنت أعمل بمقتضى ما يبلغني من الأخبار لأول وهلة؛ خشية فوات فرصة العقاب، ولاشتغالي في كل لحظة بحيث لا يتيسر تحقيق ما يتصل بي منها، وكذلك أخشى أن أكون تركت كثيرين ممن أحسنوا إليَّ بدون أن أرد لهم إحسانهم. وإنه من سوء حظ الإنسان أن يكون عاجزًا عن القيام بكل ما يحتاج إليه (١٨١٥).
تأففه من الظواهر
أنت سعيد لأنك لست في حاجة إلى التزين والتبرج لتعرض نفسك على الأنظار، أما أنا فلا بد لي من الظهور بسائر مظاهر الأبهة والفخفخة؛ لأن ذلك يرضي الشعب ويسره.
انصرافه عن المظاهر
لم ألتمس قط تمجيد أهل باريس؛ لأنني لست من الملوك الميالين إلى التهليل والتكبير.
وضعه الصبر في محله
لم أعتدِ الإسراع في إنجاز أعمالي وتنفيذ خطتي؛ لأنني كنت أعتقد على الدوام بوجود الوقت الكافي لإتمام ما كنت عاقدًا النية على إتمامه، وكثيرًا ما قلت لأعضاء مجلس الدولة إنني أطلب عشرين عامًا للقيام بما أريد، ولكن لم يكن لي في ضمير الدهر إلا خمس عشرة سنة.
سوء عاقبة التساهل
إذا تساهلت اليوم في أمر فغدًا يُلتمس مني غيره، وبعد غد يُطلب مني سواه، فتذهب أعمالي في سبيل إرضاء ملك بروسيا.
شعوره بالمصائب بعد وقوعها
اعتدت سماع الأنباء المزعجة، فلا يريعني منها الآن شيء، ولكنني بعد ساعة من سماع نبأٍ مريع، أبدأ في التفكير في خطارة شأنه فأشعر بمصيبته.
تدبير الملك إجمالًا لا تفصيلًا
إذا سُمح لي أن أعود إلى الملك فلا أسير على النهج الذي سرت عليه في أول أمري، إنما أنظر إلى الأشياء جملة واحدة، ولا أشغل نفسي بدقائق الأشياء ومفصلاتها.
دوران في حياته
انتهيت من تمثيل دور القائد، وآن لي أن أمثل دور الملك.
ديمقراطيته
مع أنني صرت إمبراطورًا، فلا أزال فردًا من جماعة الشعب (١٨١٣).
أود أن أعيش بهدوء؛ لأن لي رغائب أخرى غير الحرب ولكن الواجب في نظري أرفع وأعظم من كل شيء، وقد فرطت طول حياتي في الراحة والطمأنينة والسعادة والمنافع ليتم لي ما كان مقدورًا عليَّ.
حرب روسيا
إن حروب روسيا هي التي أفنت جنودي وأتلفتني، على أن نظام حكومتي كان حسنًا إذا أُخذ جملة، ولو أُتيح لي الملك مرة ثانية اتبعته وسرت بمقتضاه.
تمسك الملوك بأوطانهم
إنني أفضل أن أموت تحت قوائم عرشي دون أن أسمح بضياع أملاك فرنسا، مما يعود عليَّ بالخزي والعار في نظر العالم بأسره (١٨١٢).
عيبنا فينا
إن نصيبي من الخذلان كان من إعجاب قوَّادي بأنفسهم ونكرانهم الجميل أوفر من نصيبي من معاكسة الأقدار.
أحقر فلاح أسعد من أكبر ملك
إنني أحسد أحقر أكَّار في إمبراطوريتي؛ فإن كان بلغ سني فقد قام بما يجب عليه نحو وطنه، واعتزل العمل ليقضي أيامه الباقية مع زوجته وأولاده، أما أنا فلا بد لي من قضاء أيامي في خيام المعسكر؛ تنفيذًا لإرادة القضاء والقدر (١٨١٣).
حياته في منفاه
لست ألقى شيئًا من الصعوبة في تعويد النفس على حياة العزلة والانفراد، لا سيما إذا أمكن مريد العزلة أن يشغل وقته بما ينفع، فإنني أقضي وقتًا طويلًا بين كتبي وأوراقي حتى إذا خرجت لا أضجر ولا أقلق، إنما أكون مشتاقًا لرؤية جنودي الأبطال.
الذكرى
إن ذكرى الماضي لا تؤلمني في هذه الجزيرة.
حسرته في منفاه
إنني ناقم من كل شيء، وأنا في حاجة شديدة إلى الراحة ولست مهتمًّا بما يكون لي في المستقبل.
وأحتمل مصائب الحياة بدون أن أعلل نفسي بالآمال الفارغة، إنني أحمل معي من فرنسا تذكارات تبهجني وتريعني منذ اليوم إلى آخر حياتي، وسوف يبقى الجرح الذي أصاب نفسي في الحوادث الأخيرة غير مندمل.
حسرة الملك المخلوع
إن من يرث عرشًا وتاجًا ويتولى الملك ثم يُعزل تكون مصيبته لا تقدر؛ لأنه يولد في النعيم ويدرَّج في حجر العز ويشب وكل من حوله من الخدم والحشم والأهل والأقارب والأصحاب والخلان والوزراء والحكام يسيرون بأمره وينفذون كلمته، فتصبح فخفخة السلطان من حاجاته التي لا غنى له عنها، فإذا فقدها جميعًا كان الموت لديه أهون؛ لأن سبيله أحلى من التخلي عن الملك وأسهل.
التيجان الثلاثة
لبست تاج فرنسا المصاغ من ذهب وتاج إيطاليا المصنوع من حديد، وقد ألبستني الآن إنكلترا تاجًا أعظم من كليهما، ألا وهو تاج الشوك الذي لبسه المسيح، وأنا أعتقد أن كل مسبة توجه نحوي وكل فظ يقصد إساءتي يضيف إلى مجدي مجدًا وإلى شرفي وسؤددي شرفًا وسؤددًا، وسوف تخلد إنكلترا ذكري بما تصبه على رأسي من جامِّ سخطها، وما ترشقني به من سهام غيظها وانتقامها.
جلال المصائب
إن للمصائب مجدًا، فقد تنزل بالرجل كارثة فترفعه إلى مقام الأبطال، ولو لم تصبني الكارثات لبقي تاريخ حياتي ناقصًا، فإذا مت وأنا على عرشي محاطًا بكل مظاهر البطش والقوة، عجز المؤرخون والمفكرون عن حل اللغز الذي كان يحيط بحياتي، أما الآن فقد حلت المصيبة التي أصابتني عقدة من ألسنة الناس، وأصبحوا في حل من التصريح بآرائهم وأفكارهم بدون تستر.
مقارنة عجيبة
كانت حياة النبي محمد كحياتي، فقد شب فرأى كل المعدات لتشييد سلطنة كبرى، وأنا كذلك نشأت فرأيت أن أوروبا سئمت الفوضى التي كانت سائدة فيها، وكان الكل يريد أن يخلصوا منها، فلو أنني لم أخلق نشأ غيري وقام بعملي وأنجز خطتي ومكَّن فرنسا من فتح العالم. إن الإنسان إنسان وقوته كقوة غيره من البشر، إلا إذا ساعدته الأحوال، وكان قومه يميلون إلى تشجيعه وتعضيده، أتظنون أن لوثر هو الذي قام وحده بإصلاح الكنيسة الكاثوليكية، كلا إن الرأي العام هو الذي أصلحها؛ لأنه كان مضادًّا لرجالها.
أتظنون أن هنري الثامن هو الذي انفصل عن رومة، كلا إن الرأي العام في إنكلترا هو الذي قام بهذا العمل.
سواه يهاب الموت
إنني لم أخشَ الموت في حياتي مطلقًا، ولا أظن أنني أخشاه على الإطلاق.
لكل أجل كتاب
لو مت في موسكو لتركت ورائي أعظم ذكرى للغزاة والفاتحين، يا حبذا لو أصابتني قنبلة في روسيا! ولو مت في بردينو لكنت كالإسكندر، ولو مت في واترلو لكان ذلك من حظي، ولو مت في درسدن لكان ذلك خيرًا لي، ولكن موت واترلو أفضل؛ فإن الشعب كان في ذلك العهد يحبني ويوجد عليَّ.
رأيه في واجب الوجود
لا يمكنني أن أعتقد بوجود إله منتقم مثيب؛ لأن الأخيار مصابون وأشرارهم سعداء، ألم ترَ رجلًا كتاليران يموت هادئ البال في سريره.
رأيه في الأنبياء
عبادة الشمس
إذا كان لي أن أختار لنفسي دينًا عبدت الشمس؛ لأن الطبيعة جعلت من الشمس كل شيء حي، فهي إله الأرض الحقيقي.
قل الروح من أمر ربي
إذا متنا فقد متنا، فأين الروح إذن؟ بل أين تذهب حال النوم وحال الجنون؟
الحب والزواج
لا يكون الزواج في كل الأحوال ثمرة الحب.
إذا مت ظمآنًا فلا نزل القطر
إذا سقط عرشي فإني دافن العالم تحت أنقاضه.