رحلةٌ إلى المجهول!
في تابلوه سيارتها … وجدَت «إلهام» جواز سفر باسم «نبيلة توفيق» … وبداخله صورتها … ومعه تذاكر السفر … وكيسًا جلديًّا وجدَت به ألفَي جنيهٍ إسترليني.
وكان معها في السيارة «أحمد» الذي أجَّل اجتماعه مع زملائه إلى المساء حتى يمكِنه اصطحابها إلى المطار … والتحدث معها في الطريق عن تفاصيل العملية … فالساعة كانت قد تجاوزَت السابعة والطائرة ستقوم في الثامنة مساء … وقد كان الطريق من ميدان الرماية ﺑ «الهرم» حتى المطار يسيرًا … لأنه اعتمد على الطرق الخارجية كالمحور وكوبري ٦ أكتوبر … كما اعتمد أيضًا على قدرات السيارة «البورش» التي يركبُها … وأخيرًا مهارته في القيادة.
ومع أن المسافة رغم طولها لم تستغرق منه سوى نصف الساعة … إلا أنه ناقش فيها مع «إلهام» كل التفاصيل المُهمَّة لما ستقوم به في «يوركشاير».
ولم يُنهِ حديثه معها إلا بعدما أنهت إجراءات السفر … وودَّعَته لتركب السيارة التي حملَتها إلى سُلم الطائرة.
وفي سيارتها «البورش» كان يجلس «أحمد» في جراج المطار … ولم يغادره إلا بعدما رأى الطائرة تغادر المطار.
وبينما كانت هي تحلِّق في السماء … كانت سيارتها «البورش» تنطلق عائدةً إلى المقر بدونها … ولكن بها «أحمد» … يراقب الطريق في يقظة وهو ينحني يمينًا ويسارًا … ليتفادى ما يقابله من سيارات.
وفي أقلَّ من نصف الساعة … كانت بوابة المقرِّ الخارجية تنفتح … وتمرُق منها السيارة «البورش» وتَعبُر الممرَّ إلى نهايته … لتنفتح بوابة أخرى … فتَعبُرها أيضًا وتسير في ممرٍّ مظلمٍ إلى أن يغمُرَها النور فتتوقف … ويغادرها «أحمد» إلى الجراج ومنه إلى المصعد الذي يحمله إلى حيث تُوجد قاعة الاجتماعات.
وعندما انفتح باب المصعد المجاور للقاعة … لاحظ أن نور الممرِّ شاحب … فتساءل عن سبب تخفيض الإضاءة في هذا الوقت … وغادر المصعد متوجهًا إلى القاعة … وهالَه حين نظر بداخلها … أنه لم يجد أحدًا من الزملاء بها … فقام بالاتصال ﺑ «عثمان» فوجد تليفونه مغلقًا … وحين همَّ بالاتصال ﺑ «ريما» شعر بوخزٍ في رُسغِه من ساعة يده … فضغط زرًّا أسفل الشاشة … وتلقَّى رسالةً تقول: لا تستعمل تليفونك المحمول، ولا تدخُل على شبكة الإنترنت … «عثمان».
أدهشَت الرسالة «أحمد» فدخل القاعة … وجلس على أقرب مقعدٍ قابلَه … واستدار يُواجه جهاز الكمبيوتر … ومدَّ يدَيه لتعبث أصابعه بأزرار لوحة المفاتيح … وشعَر بالعجز؛ لأنه لا يستطيع إدارته والدخول على شبكة الإنترنت. ذلك العالم الفسيح الذي يتيح له الاجتماع مع رقم «صفر» … والالتقاء بزملائه أينما كانوا … ووقتما شاء.
ودارت ألفُ فكرة في رأسه وألفُ تساؤل … وأخذ يحدِّث جهاز الكمبيوتر قائلًا: هل هذا معقول؟ … هل أتى الوقت الذي تتحوَّل فيه إلى آلةٍ صماء وقد كنت طبقنا الطائر الذي يحملنا إلى كل أنحاء الأرض؟ … حتى التليفون المحمول سيتحوَّل إلى آلة صماء.
وانتَبه في هذه اللحظة لكل هذا … وعاد يُحادِث نفسه همسًا بقوله: ما معنى ألا أستخدم شبكة الإنترنت أو التليفون المحمول … هل تم اختراق دفاعاتنا الإلكترونية، وهل حصل أحدهم على أرقام تليفوناتنا؟
هل يعني هذا أن المعركة بدأَت مبكرًا مع «سايبر سبيس»؟
ثم عاد يسأل نفسه قائلًا: ولماذا «سايبر سبيس» بالذات … هل لأن هذا أسلوبهم … ولأن المعركة بينهم لم تَنتَه؟
ومرةً أخرى … وخَزَته ساعتُه في رُسغِه فضغط زرًّا بها … واستقبل رسالةً تقول: سألقاك في غرفتك الآن … «عثمان».
ابتسم «أحمد» وهو يغادر قاعة الاجتماعات متوجهًا إلى غرفته. وقد اتسعَت ابتسامتُه عندما رأى بها «عثمان» جالسًا خلف مكتبه يعبث بأزرار الكمبيوتر فقال له: أين كنت يا صديقي؟
عثمان: كنت في الإدارة العملية للمقر.
أحمد: هل هناك جديد؟
عثمان: كانوا يقومون بمسح الشبكة والأجهزة … لتأمينها من الاختراق.
أحمد: وأجهزة المحمول أيضًا؟
عثمان: طبعًا … أليست على اتصال بالشبكة.
أحمد: الآن فهِمْت … ألهذا طلبتَ مني عدم استعمالهما؟
عثمان: هل كنت تظن شيئًا آخر؟
أحمد: أتعرف يا «عثمان» كم أصبح الكمبيوتر وشبكة الإنترنت مُهمَّين لحياتنا؟
عثمان: أنا لا أستطيع تخيُّل الدنيا بعد الآن بدونهما.
أحمد: لقد تخيَّلتُها في الدقائق القليلة الماضية يا «عثمان» … إنها لا تُطاق.
عثمان: ألم تتوصل إلى التشكيل الذي سيسافر إلى «دبي» غدًا؟
أحمد: لقد كنتُ أنوي إعلان ذلك في الاجتماع.
عثمان: لقد طلبَتْنا الإدارة العلمية للاطلاع على أحدث تكنولوجيا الاتصال والتنصُّت.
أحمد: أي إنكم لم تضيِّعوا الوقت؟
عثمان: وقد وصَلْنا إلى من يَصْلح للتشكيل المسافر إلى «دبي».
أحمد: قيس و«خالد» و«ريما»، أليس كذلك؟
عثمان: بلى يا «أحمد»؛ فـ «قيس» من السعودية، و«خالد» من الكويت … وهما يحملان ملامح ولهجة الخليج.
أحمد: أما «ريما» فرغم أنها من الأردن فإن لها أصولًا خليجية وتجيد اللهجة الخليجية.
عثمان: إذن اتفَقنا على التشكيل.
أحمد: هل يمكن الاتصال بهم للتحدث في التفاصيل؟
عثمان: بالطبع.
وأثناء اتصال «عثمان» ﺑ «قيس» و«خالد» و«ريما» … أعَدَّ «أحمد» ملفًّا كاملًا على الكمبيوتر، واستعان بصور للشياطين من أرشيف المقر فألبسهم الأزياء الخليجية، وما إن انتهى «عثمان» من اتصالاته حتى قال له «أحمد»: ها هو ملف عملية «دبي».
وأشار له على الطابعة … وأخذ «عثمان» يرقبها … حتى انتهت من طباعته كله، وهمَّ أن يمدَّ يده ليحصل عليه … إلا أن «أحمد» لم يُمهِله … ومدَّ له يده به … وتركه يتمعَّنه … وأعدَّ لكلَيهما كوب القهوة الفرنسية … التي يشتركان في حُبِّها ووضَعها أمامه على المكتب … فرفع «عثمان» عينَيه عن الأوراق ونظر لها بشغف وهو يقول: فرنسية … أليس كذلك؟
أحمد: هي كذلك يا صديقي.
عثمان: إن عملنا اليوم متعدِّد الجنسيات.
أحمد: كيف؟
عثمان: إلهام خطتها إنجليزية.
أحمد: و«قيس» و«خالد» و«ريما» خطتهم عربية.
عثمان: الآن قهوتك فرنسية. ألم أقُل لك؟