المطاردة!
طلب «أحمد» من قائد السيارة أن يعطيه فرصةً لقيادتها … إلا أنه رفض بشدة … حتى بعدما عرض عليه أن يقوم بذلك نظير مائة دولار.
وقد كان ردُّ السائق عنيفًا وبعيدًا عن اللياقة عندما قال له: أنا لا آخذ رشوة … وليس من سلطتي أن أترك لك السيارة … ولو كان من سلطتي … فلن أتركها لك، ورأى «أحمد» أن هناك ردًّا مناسبًا لِمَا قاله السائق … يجب أن يُقال … فقال له: إذن أعِدْني إلى الفندق.
السائق: ألن تستكمل الجولة؟
ووجدَها «أحمد» فرصةً مناسبةً لرد إهانته … فقال له: لو أردتُ استكمالها … فلن أستكملها معك.
وشعر السائق أنه أخطأ بهذا الردِّ … فقال معتذرًا: أنا آسفٌ يا سيدي … ولكننا في ظروفٍ أمنيةٍ صعبةٍ … ونُعاني من رجال الأمن.
أحمد: لماذا؟
السائق: تُوجد بعض الأمور الغريبة والمُريبة التي تدور في المنطقة.
أحمد: أين بالتحديد؟
السائق: في الفندق الذي تُقيم فيه وفي المنطقة المحيطة به.
أحمد: ألم تُلاحِظ هذه السيارة التي تُراقبنا؟
السائق: لقد رأيتُها تسير خلفنا منذ غادرنا الفندق.
أحمد: إنك سائقٌ يَقِظ.
السائق: ولكنها أمورٌ تدعو للتوتر.
أحمد: أتمنى أن ينتهي كل ذلك على خير.
السائق: وسريعًا.
أحمد: وسريعًا.
عثمان: هل تكرَّرَت هذه المراقبة معك قبل ذلك؟
السائق: لم ألاحظها إلا اليوم.
استدار «عثمان» إلى حيث «أحمد» و«ريما» وتبادل معهما النظرات … إلا أنه أطال النظر ﻟ «ريما» التي فهمَت ما يقصده … وفهمَت السبب وراء كلِّ ما يقوم به «أحمد» … ورفضه للاتصال ﺑ «إلهام».
وبصوتٍ خافتٍ قال «أحمد» يسأل «عثمان»: هل تتوقع أنهم يعرفوننا؟
عثمان: لا أعتقد.
ريما: لماذا إذن يُراقبوننا نحن بالذات؟
أحمد: لأننا أول من تحرك من رُكاب الطائرة خارج الفندق.
وقطع السائق حديثَهما بقوله: لقد اختفت السيارة التي كانت تُراقبنا!
أحمد: أرى على وجهك علامات الارتياح.
السائق: ألا تشعُر بالتوتر إذا راقبك الآخرون؟
أحمد: بكل تأكيد … ولكني كثيرًا ما لا ألتفِت لهم.
السائق: هل أنت معتادٌ على ذلك؟
ضحك «أحمد» وهو يقول له: بالطبع لا.
وابتسمَت «ريما» وهي تقول لنفسها … من منا لا يعتاد على ذلك … إن كل عملياتنا في الوطن وخارج الوطن لم تخلُ من المطاردة أو المراقبة.
وكأنما كان «عثمان» يفهم ما يدُور برأسها … فنظر إليها سريعًا وهو يبتسم ابتسامةً ذات معنًى.
وفجأةً صاح السائق في نفاد صبر قائلًا: مرةً أخرى … مرةً أخرى!
ولم يفهَم «أحمد» ماذا يقصد السائق بما يقول … إلا عندما وجده مُنشغلًا بالمرايا الجانبية فقال له: أهي نفس السيارة؟
السائق: بل سيارةٌ أخرى.
ريما: وما أدراك أنها تُراقبنا؟
السائق: لأنها تسير خلفنا شارعًا بشارع … حتى إني حاولتُ الإفلات منها فلم أفلِح.
أحمد: ما رأيك لو توقفنا لتناوُل بعض المشروبات؟
السائق: تحت أمرك.
وبجوار ماكينة لبيع المشروبات … توقف السائق … ونزل معه الشياطين.
وعلى بُعدٍ شاهدوا السيارة التي تُراقِبهم … وقد توقفَت على جانب الطريق … وفتح سائقها غطاء المحرِّك … وانشغل في العبَث به.
واقتربَت رءوسُهم للحظات … ثم هَروَلوا وفي أيديهم عُلب المشروبات إلى أبواب السيارة … وفي لحظات كان «أحمد» خلف عجلات القيادة وبجواره جلس السائق … وفي الكنبة الخلفية جلس «عثمان» بجوار «ريما».
وانطلقَت السيارة وسط صُراخ فَرامِلها وزمجرة محرِّكها واختفت في لحظات، في الوقت الذي أغلَق فيه مُطارِدهم غطاء محرِّك سيارته، وانطلق يبحث عنهم.
ومن شارع إلى شارع … ومن ميدان إلى آخر … طار «أحمد» بالسيارة … والسائق يراقبه ويراقب الطريق في ذهول … ويحادث نفسه بصوتٍ خافتٍ قائلًا: إنك تحفظ الطرق جيدًا … وتسير بينها بمهارة … من أنت بالله عليك؟
واستطاع «أحمد» بالرغم من انشغاله بالطريق أن يسمع صوته الخافت … ويفسِّر ما يقول … فأجابه قائلًا: أنا من سينقذك من هذه الورطة.
السائق: أي ورطة؟
أحمد: ألستَ مُطاردًا طوال اليوم؟
السائق: لستُ أنا بل أنتم.
أحمد: نحن لم نصل إلا الآن … من الذي يعرفنا هنا ليُطاردنا في هذا الوقت؟
السائق: إذن ماذا يهمك أن تهرب منهم؟
أحمد: لأنهم يضايقوننا.
وعلى جانب الطريق توقف … وفتح باب السيارة … وغادرها … ثم فتح الباب المجاور للسائق … وطلب منه النزول والجلوس خلف عجلة القيادة … والعودة بهم إلى الفندق.
وفي قلقٍ نزل السائق مُنصاعًا لأوامره … وفتح الباب الآخر، ووضَع قدَمه داخل السيارة … وقبل أن يضَع الأخرى … انطلقَت دفعة رشَّاش سيارة مُسرعة … جعلته يترنَّح ويسقط خارج السيارة … في الوقت الذي نزل فيه بقية الشياطين ليختفوا في قاعها.