شَهَادَةُ الدِّرَاسَة وشَهَادَةُ الحيَاة
ما بالُ النَّاشِئ وَصَل اجتهادَه، حتى حَصَلَ على الشَّهادَة؛ فلما كَحَّلَ بِأحْرُفِها
عينَيْه، وظفِرَتُ بزُخرُفِها كِلتا يدَيْه؛ هَجَرَ العلمَ ورُبوعَه، وبَعََثَ إلى
معاهِدِهِ بأُقْطوعة؛١ طَوَى الدَّفاتِر، وتركَ المحابِر، وذهب يُخايِلُ٢ ويفاخِر، ويدَّعي عِلْمَ الأوَّلِ والآخر؟
فمن يُنْبيه،٣ بارَك اللهُ فيه لأَبيه، وجَزى سَعْي مُعلِّمِهِ ومُربِّيه: أن الشَّهادةَ
طَرَفُ السَّبَب،٤ وفاتِحهُ الطَّلب، والجواز٥ إلى أقطار العلمِ والأَدب، وأنَّ العلمَ لا يُمْلَكُ بالصُّكوكِ
والرِّقاع،٦ وأنَّ المعرفةَ عند الثِّقاتِ غيرُ وثائق الإقطاع.٧ ومن يقولُ له أرشدَهُ الله، إن شَهَادًةَ المَدْرسةِ غيرُ شهادةِ
الحياة؟
فيا ناشِئَ القَوْمِ بَلَغْتَ الشباب، ودَفعْتَ على الحياة الباب؛ فهل تأهَّبتَ
للمَعمَعة،٨ وجهَّزْتَ النفسَ للمَوْقِعَة، ووَطَّنْتَها٩ على الضيِّق بعد السَّعة، وعلى شظّفِ العيشِ بعد الدَّعة؟ دعت الحياةُ
نَزَال،١٠ فهلُمَّ اقتحِمِ المجال، وتوَرًَّد١١ القتال؛ أعانك الله على الحياة، إنها حَرْبُ فُجاءَات، وغدرٌ وبَيات،١٢ وخداعٌ من الناس ومن الحادثات؛ فطوبى١٣ لِمنً شهدَها كامل الأدوات، موفورَ المُعدَّات؛ سلاحُه، صَلاحُه؛ وتُرْسُه،
دَرْسه؟، ويَلَبُه،١٤ أدبُه؛ وصَمْصماتُه،١٥ استقامته؛ وكِنانتُه،١٦ أمانته؛ وحَرْبته، دُرْبَتُه.١٧
١
الأقطوعة: شيء تبعث به الجارية إلى الأخرى علامة المقاطعة والخصام.
٢
خايل زميله: باراه وفاخره.
٣
أي يخبره.
٤
السبب: هو الحبل، وطرف السبب يراد به مبدأ الحياة.
٥
الجواز: علامة المرور وصك المسافر.
٦
الصك: الكتاب، والجمع صكوك. والرقاع: جمع رقعة، وهي القطعة المكتوبة من
الورق.
٧
الإقطاع: أن يجعل الأمير غلة البلد للجند.
٨
المعمة: صوت الأبطال في الحرب.
٩
وطن نفسه على الأمر وله: مهدها لفعله وحملها عليه.
١٠
اسم فعل أمر بمعنى: انزل.
١١
تورد الماء: ورده.
١٢
البيات: الإيقاع بالعدو ليلاً.
١٣
شجرة في الجنة كما يقال. وهي الجنة عند الهنود.
١٤
اليلب: الدروع اليمانية.
١٥
الصمصام والصمصامة: السيف: السيف الذي لا ينثني.
١٦
الكنانة: جعبة السهام.
١٧
الدربة: الاختبار والتجربة.