الْبَيَانُ
رَحيقُ النبيِّين،١ وإبريقُ العَبْقَرِيّين،٢ وحظُّ المرْزُوقين، ونصيبُ المُوفَّقين، وذَرَا الجمال،٣ وذُرَا الكمال،٤ والتوفيقُ الذي لا يُنال، بسلطانٍ ولا مال، والخُلْدُ٥ الذي يُؤخَذ باليمين وغيرُه يُؤخّذُ بالشِّمال؛ صديقُ البشَريَّة، وعَدُوُّ
الجَبَريَّة،٦ حادي الإنسانية، والسائِقُ بالمطيَّة، حتى تَبْلُغَ الطِّيَّة،٧ يمرُّ بها على الخير ورُبوعه، والبرِّ وَنْبُوعه، ويُقْبلُ بها على الحقِّ
وقبيلهِ،٨ ويَعدِلُها على العَدْل وسبيله، ويُلِمُّ بها على الجَمَالِ ومَغْنَاه، وغُرَف
لفْظِه تحتَ حول معناه،٩ ويلجُ بها على العَواطف، حنايا الضُّلوع اللَّواطف،١٠ وهو المَلِكُ على كلِّ اللُّغات، قد انتظمَ سُلطانُه أقطارَ البَلاغات؛ إذ
انتقلَ من لسان إلى لسان، في أمانةٍ من الناقل وإحسان، أسْرَعَ في مُضَاهاته،١١ وتمكَّنَ في جهاته، تمكُّنَ اللِّسانِ من لَهاتِه،١٢ فكأنه التغريدُ أو البغام،١٣ أو منطِقُ الأنْغام، ترجعُ له الأمم، وإن ذهَبتْ كلُّ أُمَّة بكلام.
١
الرحيق: الخمر، وقد شبه بها المؤلف بلاغة الأنبياء بجامع التأثير في كل؛ هذا في
العقول، وهذه في الأرواح.
٢
أي الإبريق الذي يشرب منه العبقريون فيمطرون الناس روائع الحكمة وفصل
الخطاب.
٣
الذَّرا: الملجأ.
٤
الذُّرا: جمع ذروة، وهي القمة.
٥
الخلد: دوام البقاء، والمقصود به هنا الذكر الخالد.
٦
الجبرية: الجبروت.
٧
الطية: الجهة التي إليها تطوى البلاد.
٨
القبيل: الجماعة من أقوام شتى.
٩
يقال: هذا البيت تحت ساكنه فلان، وعلى هذا القياس يكون اللفظ تحت معناه.
١٠
اللواطف من الأضلاع: ما دنا من الصدر.
١١
أي أسرع في مشاكله اللسان المنقول إليه.
١٢
اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.
١٣
البغام: صوت الظبية.