خطيبُ المَسَاجد
يا مُرشدَ العابد، ورادّ الهوَى الشَّارد: أعلمتَ أيَّ مقامٍ أُقِمْت، ولأيِّ بلاءٍ
قُدِّمْت؟ إنما نُدبتَ للوعظِ والإرشاد، وتعليم العِلْيةِ والسَّواد، أدبَ المعاش
والمعاد،١ وخلَفْت الخلفاءَ على تلك الأعواد؛٢ الآذانُ لك مُرْهِفَة، والأذهانُ إليك مُتَشَوِّفة، فماذا عندَكَ للأتْقياء، من
الأغنياء؛ ولكُلِّ مُموّل، في الصفِّ الأوَّل؛ من إشارةٍ إلى الذهب المدَّخَر، والقريبِ
الضّجِر، والوارث المنتظِر؛ وإلى الخيرِ وجمعيَّاتِه والبرِّ وقضيَّاته؟ وماذا أعددْت
للتاجر، من الوعظ الزَّاجر، تحضُّه فيه على الأمانة، وتُحَذِّرُه عواقبَ الخيانة، وتُوصيه
بسُمعتِه ضنًّا وصِيانة؟ أو الذي بذلْتَ للعامل والصانع، من لفظ رائع ووَعظٍ جامع، في
السُّلوكِ الحَسَن والدَّعوةِ إليه، وإتقانِ العمل والحضِّ عليه؟ وهل ذكرى للعامَّة أن
ضربَ
النِّسْوة، ضربٌ من القسوة؟ وأنَّ البغيَ بالطلاق، يمقتُه الدينُ والأخلاق؟ وأنَّ الطفلَ
مِن حقِّه أن يهذَّب، لا أن يُضرَبَ ويُعَذَّب، وأن يُكسَبَ عليه، لا أن يَكسِبَ هو على
أبويه؟،٣ وأن التَّيْسَ لو عَقَل ما اتَّخذَ نعجتين، فكيف يتزوّجُ الفقيرُ العاقل
اثنتين!؟ أم أنتَ كما زعموا ببَّغَاء لم تحفظْ غيرَ صوت تردِّدُه إلى الموت، كلماتٌ محفوظة،
في كلِّ مكتوبةٍ ملْفُوفة، سيفٌ من خشب، وخطوبٌ في صورة خُطَب؟
١
المعاد: الآخرة.
٢
الأعواد: الأخشاب، والمراد بها هنا المنابر.
٣
المراد بهذه الجملة: أن الآباء عليهم أن يعملوا؛ حتى يمهدوا لأبنائهم سبيل العيش
والحياة، لا أن ينتظروا السعي من أبنائهم وهم أطفال.