صفَةُ الأسَد
طاغيةُ الصحراء، وجَبَّار العراء، وأجرأ من وطِئَ الغبراء، عَرْشه غابته، وحجابه
مهابتُه،
والوحدة مجلسه وصحابته؛ ابنُ الصحراءِ البكر نحتت أجلادَه من صخرها، واستوقدت بأسَه من
حَرِّها، وطبعته على انقباضها وكبرها؛ وكأنَّ١ الصُّورَ حنجَرَته، وكأنَّ نفخة الصور زَمْجَرَتُه؛ إذا سُمِعت خفتت٢ العقائر،٣ ولاذت الهوامّ بالحفائر، وطار الواقع ووقع الطائر. وصَفْتُه فقلت: هامة من أضخم
القمم،٤ جلست على المنكب العمم،٥ ولبست تاج الشهرة في الأمم؛ وراءَ الهامة غفرة٦ كأنها اللامة،٧ هي اللبدة وهي عمامة أُسامة؛٨ دارت على وَجْهٍ كوجه الموت بادي الشِّرَّة، منقبِض الأسِرَّة؛ ذي جبهة مغبرة؛
كجبهة القتال مكفهرة؛ وكأنها صفحة السَّيف؛ تلقى الحتف دون الحَيْف؛ في الجبهة عيان كاللهب؛
في حجابين٩ كالحطب؛ بينهما أنف غليظ القصبة، منتشرُ الأرْنَبَة؛ كأنه الأفعوان افتَرش
الحَجَر؛ أو اضطجع في هشيم الشَّجَر؛ حول الأنف كلحة،١٠ كأنها خزانةُ أسلحة؛ إذا انطبقتْ فعلى كوامن الغيوب، وإذا انفتحت فعن القضاءِ
بارز النُّيُوب؛ ومن عجب الخلق رأسٌ كأنه صخرة، أو كأنه أرُومة يابسة نَخِرة؛ ينهض به
ساعد
جدْل،١١ لا هزيل ولا عبْل؛ كما تنهض أسطوانة الحديد على قلتها بالكثير الضخم من
البناءِ؛ وللأسد كفٌّ كأنها المدجج،١٢ أو كأنها الحجر المدمج: «إذا مَسَّت قفار الفرس قطعت نظمه، ونَثَرتْ لحمه
وعَظْمَه»١٣ كل ذلك في إهاب أغْبَر، وجلباب أكْدَر، كأنما صُنِعا من القَفْر، أو قُطِعا من
الصَّخْر، أو كأنما كُسِيا لون الصحراء كما تكسى البوارجُ لَوْنَ البحر، وإذا قام على
برثنه١٤ فتمثال، وإذا انقضَّ فهضب منهال؛ وإذا تراءَى بالسهل فدعامة، وإذا طلع من
الحَزْن فَغَمامة.
١
الصور: القرن الذي ينفخ فيه يوم البعث.
٢
خفتت: سكنت.
٣
العقائر: الأصوات.
٤
القمم: واحدها قمة: وهي أعلى الرأس.
٥
العمم: التام الهيئة.
٦
غفرة: اللبدة.
٧
اللامة: الدرع.
٨
أسامة: علم جنس على الأسد.
٩
الحجابين: عظما الحاجبين.
١٠
الكلحة: الفم وما حواليه.
١١
الجدل: الحسن الفتل.
١٢
المدجج: القفذ.
١٣
هذه الجملة عن (لاروس) الكبير.
١٤
البُرثُن: المخلب.