تحية إليك
كتابي هذا إليكَ تحيةٌ أُحبُّ أن أُقدِّمها في ساحتكَ. وهي كما ترى في العنوان صور نقشَها القلم بالحروف. ولا أحسبُ أن هذا النوع من الكتابة سبقَ أن تقدَّم به أحدٌ بين يدَيكَ.
فهو باليقين ليس مقالات؛ فبناء المقالة وأسلوبها وموضوعها معروفٌ لا يجهله قارئ، ولا يُخطِئه كاتب.
وهو أيضًا ليس قصة؛ فالقصة تحتاج إلى كثيرٍ من التركيبات والتهويمات التي ما أحسب أنكَ واجدُها بين دفَّتَي هذا الكتاب.
إنه حكاياتٌ عن أشخاصٍ عرفتُهم وعرفَهم الناس في مألوف الحياة وغِمارِها. وأحسب أن كثيرًا سيتعرَّفون عليهم من ثنايا الكتاب الذي أُهديه إليكَ. وقد وجدتُ في هذه الشخصيات نماذجَ فريدةً جديرة بأن يتناولَها فنانٌ، وخليقةٌ بأن يقرأها الناس.
وحين اخترتُهم لكَ نفذتُ أو حاولتُ النفاذ إلى دخيلة طواياهم، والمحجَّب المُستَسرِّ من بواعثهم. وحين بلغتُ، أو خُيِّل لي أنني بلغتُ، وجدتُ أنني أستطيع أن أُقدِّم إلى الفن الأدبي صورةً لا يستطيع أن يرسمَها إلا القلم؛ فالريشة لا يُتاح لها أن تصل إلى البعيد من طوايا النفوس، وإذا وصلَت فهي ترسمها وقد غشَّاها الكثير من الشك، حتى إن أمرها يَستبهِم على المُشاهِد وتختلطُ في عينه الصفات.
أما القلم فواضحٌ صريح. أليس هو البيان؟
فإليكَ إذن ما صوَّر القلم. إن كنتُ قد بلغتُ به من نفسكَ ما أتمنَّى أن أبلغ فما أعظمَ هذا لي وما أسعدَني به! فإن الكاتب لا يهنأ بشيء قَدْر أن يعرف أن الشرارة التي انبعثَت من قلمه قد لاقت شرارةً مثلها عند قارئه. وفي هذا اللقاء يُضيء مِصباحٌ يُنير حياة البشر أجمعين.
أما إذا كان الطريق قد أكدى بي فحسبي عندكَ أنني حاولتُ، وكنتُ فيما حاولتُ أتمنى رضاءك. وفي هذا التمنِّي وحده ما يُمهِّد لي عندكَ أسباب الاعتذار، ويمهِّد لكَ عندي أسباب الشكر. والله من فوق الجميع هو وليُّ التوفيق.