هروب فاشل
استمرت ضربات الموج تتزايد لحظة بعد أخرى، حتى أصبح القارب كالمرجيحة وسط الأمواج، لم يكن صامدًا أمامها إلا «ريكس» العجوز، الذي كان يدير القارب بمهارةٍ وخبرة … ساعتان تمامًا، حتى شعر الشباب بأن نهايتهم تقترب، عندما بدأَت الريح تقلل من عنفها، ثم هدأت تمامًا … واستقرَّت الأمواج ليصبح البحر صفحةً هادئة …
قال ريكس: الآن نستطيع أن نتناول طعامنا، وتحصلوا على قدرٍ من النوم والراحة …
سريعًا ما استغرقوا في النوم، ولما استيقظوا عند الفجر، كان خط الشاطئ يبدو من بعيدٍ …
قال «ريكس» وهو يشير إلى نقطةٍ على الخريطة … هنا الصخرة السوداء التي طلب مني الرجل أن أنتظره عندها … استعدوا للنزول إلى الشاطئ …
بعد قليلٍ … كان القاربُ يقترب من المرسى الموجود قرب الصخرة السوداء، حتى استقر تمامًا، وقفز الشبابُ إلى الشاطئ، يختبرون المكان …
قال ريكس: علينا أن ننتظر الآن، حتى يصل العميل!
ولكن انتظارهم لم يطُل، فما لبث «روي» أن صاح وهو ينظر بالنظارة المكبرة: ها هو آتٍ!
قال ريكس: تأكَّدوا من تنكُّركم …
بعد قليل، وصلت عربة جيب تتقافز فوق الصخور، ومنها قفز «كاري»، أقبل عليهم يهنئهم على نجاحهم في الوصول وقت العاصفة، فردَّ عليه «ريكس»: لقد طلبت قاربًا متينًا، وها هو … على فكرة، قلت إننا سننقل صناديق إلى مكان ما … ماذا تحمل هذه الصناديق؟!
ابتسم «كاري» ابتسامة غامضة وقال: هل كل البحارة عندهم هذا الفضول، على كل حال سأخبرك! إنها ثلاثة صناديق معبأة بمعدن نادر ثمين، اكتشفناه في أيسلاند، وطبعًا تمنع الحكومة خروجه من البلاد … والآن هيا بنا، فلا وقت لدينا!
أسرع إلى العربة، ووراءه «ريكس»، والشباب الثلاثة … وبدأت العربة تتقافز فوق الصخور بسرعةٍ كبيرةٍ … وفي الطريق، ظهرَت صخرةٌ بركانيةٌ ضخمة، استدار حولها بانحرافٍ شديدٍ حتى صرخَت العجلات … وصرخ «كيم» بالإنجليزية وقد نسي حذره: احترس … حاسب!
استدار «كاري» بهدوء بعد أن سارت العربة وسأل: هل سمعت أحدًا يتحدَّث الإنجليزية؟!
أجاب «رافي» على الفور: لا … أبدًا!
كاري: يبدو أن أذني تخدعني.
ضغط «كيم» على أسنانه، كانت غلطةً لا تغتفر …
أخيرًا وصلوا إلى أرض صخرية تمامًا … لا تسير فيها السيارة، ولكنهم وجدوا خمسة أحصنة، على ظهر كل حصان سرج، واقفة في انتظارهم …
ركبوا الخيل، وأسرعت تقطع الطريق … و«كاري» في المقدمة … حتى وصلوا إلى منطقة غريبة … مجموعة من التلال الصخرية … في وسطها كوخ داخل تل كالكهف، وعلى قمته إيريال طويل!
فوقف «كاري» أمامه ودعاهم للدخول …
كانت دهشتهم كبيرة، عندما رأوا الكوخ من الداخل، كان مؤثثًا على أحدث طراز … جلس «ريكس» على مقعد وثير، بينما جلس الشباب على الأرض بجوار الحائط … قدم لهم «كاري» طعامًا سريعًا … وقال له «ريكس»: أين الصناديق … يا؟!
كاري: لا داعي للاسم … نادِني يا ريس … أما الصناديق، فهي ليست هنا، ما زال أمامنا بعض الوقت …
في هذه اللحظة، فتح الباب، ودخل زميله الآخر … كان نفس الشخص الذي حضر بالطائرة الهيليوكوبتر وأنقذ «كاري» … نظر إليهم … لم يتعرَّف عليهم … وتحدث مع «كاري» همسًا … قال «كاري»: لقد أظلمت الدنيا الآن … عليكم بالنوم، وسأخرج قليلًا مع زميلي …
تظاهر الشباب بالنوم … ولكن بعد فترةٍ قاموا بهدوءٍ وتسللوا إلى الخارج … وما إن ساروا خطواتٍ حتى سمعوا حديثًا قريبًا … فانبطحوا على الأرض … وعلى بعد خطوات، كان «كاري» يقف مع زميله يتحدثان بلغة غريبة … جملة واحدة فقط سمعوها بجلاء ووضوح … كانت جملة «أبناء السيد «راسي»» …
عادوا بسرعة وهم يرتجفون … هل عرفهما؟! ماذا يفعلان الآن؟! ناقشوا جميعًا الموضوع … لم يكن أمامهم إلا الانتظار، ودخل «كاري» وحده … فتظاهروا بالنوم … أما صديق «كاري»، فقد انتظر في الخارج للحراسة …
في الصباح … تناولوا إفطارًا صغيرًا … وقال لهم الريس: سأخرج أنا و«يونسكو» في مهمةٍ عاجلةٍ … انتظرونا هنا …
كانت المرة الأولى التي يعرفون فيها اسم زميله … وما إن غادرا المكان حتى أسرع «روي» يقول: هذه هي فرصتنا لنفتِّش المكان، هيا بسرعة، أما أنت يا «ريكس» فعليك بمراقبتهم من النافذة الصغيرة …
أسرعوا يفتشون كل جزءٍ في الكوخ الصغير، الجدران والأرض، رفعوا الفرش ونظروا تحته … قطعة قطعة، وبينما كان «كيم» يُعيد فراش «كاري» إلى مكانه، لاحظ وجود شق رفيع في الأرض … فهتف مناديًا «روي» و«رافي» اللذَيْن أسرعا إليه … أخرج «روي» مطواة رفيعة، وبدأ يعمل في الشق بسرعة، وظهر بعد قليلٍ أنه بابٌ سري، سرعان ما استجاب لهم، وجذبه «كيم» و«رافي» إلى أعلى، فإذا به ينفتح تحت أيديهم … وكان «ريكس» في خلال ذلك ينظر إليهم في دهشة، يتعجَّب كيف يمكن أن يكون هناك شباب في هذه السن، وهذه المهارة! نظروا إلى أسفل، كان تحت بصرهم سلم رفيع، يؤدي إلى حجرةٍ سفليةٍ مظلمة، فسأل «ريكس» إذا كان معه ولاعة … أعطاها لهم وهو ينظر إليهم بإعجاب … طلب «روي» من «رافي» أن يبقى للحراسة مع «ريكس» وبدأ ينزل السلم مع «كيم» …
وصلا إلى أسفل، كانت المفاجأة مذهلة … وجدا مركزًا ضخمًا للاسلكي … وعلى قدر شغفهما بهذه الأجهزة، فإنهما لم يريا في حياتهم جهازًا في مثل هذه الدقة والكفاءة … حتى إنهما رأوا بعض قطعٍ من الجهاز لأول مرةٍ في حياتهم … أسرعا إلى أعلى … ونقلا الأخبار إلى «رافي» الذي قال: هذا يدل على أنهم عصابةٌ عريقة وقوية … إنهم ليسوا من الهُواة!
اقترب «كيم» من جزء بارز في جهاز اللاسلكي … كان يلمع بشدة، لم ير مثله في أي جهاز سابق، اقترب أكثر، ثم مد يده ولمسه … وفي الحال اندفعت شرارة صغيرة، ملأت المكان بالضوء للحظة خاطفة، ثم انطفأت … وسقط «كيم» على الأرض بغير حراك … ومن غير أن يصدر أي صوت!
غرق المخزن في ظلام تام … وانحنى «روي» على يدَيْه وقدمَيْه بحثًا عن الولاعة التي سقطَت من «كيم» … حتى عثر عليها بعد جهدٍ كبيرٍ وتمكَّن أخيرًا من إشعالها!
كان «كيم» راقدًا على الأرض، وقد ابيض وجهه، وازرقَّت شفتاه؛ فقد صعقته الكهرباء …
وصرخ «رافي» من أعلى: «كيم» … «روي» … ماذا حدث؟!
أجابه «روي» بسرعة: انزل يا «رافي» … تعالَ ساعدني!
هبط «رافي» مسرعًا، وأدرك الموقفَ بنظرةٍ واحدة، فبدأ يرفع «كيم» بين يديه القويتين، و«روي» يساعده في رفعه على درجات السلم حتى تمكنا أخيرًا من الصعود إلى أعلى!
وضعاه على الفراش بجوار الحائط، وبدأ يجريان له تنفُّسًا صناعيًّا، وانحنى «رافي» قائلًا: «دعه لي» … استمع إلى دقَّات قلبه، وكان ما يزال النبض يدقُّ ضعيفًا …
بمهارةٍ فائقةٍ بدأ يدلِّك صدره، ويربِّت على وجهه، حتى استطاع أن يُعيد إليه التنفُّس، وبدأ يفتح عينَيْه …
كانا ينظران إليه بقلق، ولكنه استعاد وعيه بعد قليل، وقال: اطمئنوا، أنا بخير، وإن كانت يدي ما زالت متأثرةً من الصاعقة الكهربائية!
أسرع «روي» يقدم له بعض الشراب المنعش … و«رافي» يُساعده في تحريك عضلات جسمه … حتى شعر أخيرًا أنه قد تحسَّن تمامًا …
أعادوا الباب إلى مكانه، ووضعوا عليه الفراش تمامًا في نفس اللحظة التي هتف فيها ريكس: إنهم قادمون … لقد توقفوا للحديث …
وسأل «روي» نفسه: تُرى ماذا يقولون الآن؟! وفجأةً خطرت في باله فكرة غريبة، ثلاثة صناديق، وثلاثة أشخاص غائبين … هل يمكن أن يكونوا على صلةٍ ببعضها؟! وهل يمكن أن يكون الغائبون داخل الصناديق؟!
نقل فكرته إلى زملائه، قال «رافي»: إننا لم نرَ الصناديق حتى الآن، ربما كانت صغيرة!
قال «ريكس»: اصمتوا! إنهم قادمون … غيروا مجرى الحديث …!
وبدأ «رافي» يتحدَّث … والشقيقان يستمعان … دخل الريس ومعه «يونسكو» الذي كان يتحدَّث غاضبًا بلغةٍ غير معروفة، قال الريس «كاري»: هيا بنا!
خرجوا وراءه … وخلف صخرةٍ بركانيةٍ ضخمة، وجدوا ثلاث عربات تجرها الخيول في انتظارهم … ركب «يونسكو» والريس عربة، و«ريكس» ومعه «روي» في الثانية، بينما ركب «كيم» و«رافي» الثالثة، وسارَت بهم في الأرض الصخرية مسافة طويلة، حتى وصلوا إلى منطقةٍ كئيبة يحيط بها التلال الضخمة من كل جانب، حتى شعر الشباب أن نهايتهم ستكون في هذا المكان … وأخيرًا توقفوا أمام كهف في قلب الجبل وقفزوا من العربات … وصاح الريس: اتبعوني!
مضوا طويلًا في ممرٍّ رفيع، حتى أصبح الضوء ضعيفًا … وفي الداخل، كانت ثلاثة صناديق ضخمة … مصنوعة حديثًا من الخشب، ومرصوصة بجوار الحائط … كالتوابيت الثلاثة!