الاتفاق …
لم يتوقفوا عن الجري … و«رافي» يقودهم بين خبايا الجزيرة الصخرية، حتى وجدوا أنفسهم أمام العربة الجيب … اطمأن «رافي» وقال: الآن نستطيع أن نركب بقية الطريق!
قال «روي»: لا … إذا وصلوا ولم يجدوا العربة، سيشكون في الأمر، يجب أن نتمَّ الطريق جريًا … وسأفسد عجلات العربة حتى أعطلهم قليلًا …
وفعلًا نفذ فكرته التي وافقه عليها «رافي» و«كيم» … ومرة أخرى بدءوا في الجري … لم يتوقَّفوا لحظة، حتى رأوا أمامهم البحر، وقريبًا منهم قاربهم الذي وصلوا به. هذه المرة اعترض «كيم» وقال: لو اتصلنا بالشرطة لاسلكيًّا، سيلتقط المجرمون الرسالة، إن عندهم أقوى محطة إرسال واستقبال رأيتها في حياتي!
وافقه زميلاه على رأيه، وعاد السؤال ثانية … ما العمل؟
قال «روي»: نعتمد على أنفسنا … نختبئ في أماكن متفرقة، ونقوم بالهجوم عليهم في لحظة واحدة!
كانت الفكرة الوحيدة أمامهم … فاتفقوا على الاختباء تمامًا في القارب حتى اللحظة المناسبة!
اختار كلٌّ منهم مكانًا مناسبًا للاختباء، لا يمكن أن يشاهده فيه أحدٌ بسهولة!
قال «روي»: بعد أن نقبض عليهم … سأعود إلى الكهف، أريد أن أفتشه، عندي شعور بأن به …
ولم يتم كلامه؛ فقد ظهرت العربة الجيب على البعد، فأسرعوا بالاختباء … وفي دقائق كانت العربة قد وصلت … قفز الريس على الأرض، وأصدر أوامره إلى رجاله ليحملوا الصناديق إلى القارب، كانوا ثلاثة رجال، ومعهم «يونسكو» والريس!
ابتسم «روي» في سره … لقد نجحوا في خداعهم حتى الآن …
انتقلت الصناديق إلى القارب، وجذب الريس «ريكس» إلى عجلة القيادة، وقال له: هيا … ابدأ الرحلة!
صاح ريكس: إلى أين؟! قال: إلى جرينلاند، وفي الطريق سنقذف بهذه الصناديق إلى البحر!
صرخ ريكس: وأنا ماذا ستفعلون بي؟!
قال الريس: سنخبرك عندما نصل! … وتركه ومضى إلى ظهر القارب، في هذه اللحظة، سمع «ريكس» صوت: بست … بست … نظر حوله … التقت عيناه بعينَيْ «كيم»، وراء أحد الأبواب … لمعت عيناه بالفرحة والاطمئنان …
أما «روي»، فقد أطل برأسه من قارب النجاة الذي يختبئ فيه، رأى أحد البحارة ينظر إلى المياه … وبدأ صوت الموتور يعلو … خرج بهدوء من خلف الرجل … وبلكمة واحدة، ترنح البحَّار، وسقط على الأرض بدون حراك، رفعه «روي» بيدَيْه القويتَيْن، وقذف به في قارب النجاة …
في هذه اللحظة كان البحار الثاني يقترب … مدَّ «روي» قدمه أمامه، فسقط على الأرض، ولكنه رأى «روي»، فشعر وكأنه قد أصابه الجنون، صرخ بأعلى صوته: يا ريس … يا ريس … إنهم خارج الصناديق!
اشتبك معه «روي» في الحال، في اللحظة التي خرج فيها «رافي»، و«كيم» من مخبئهم، واشتركوا في المعركة …
أمسك «كيم» بالريس، بينما اصطدم «رافي» ﺑ «يونسكو» … وكان «روي» قد تمكن من البحار الثاني، واشتبك مع الثالث …
وارتفعت الضربات … ورأى «ريكس» «رافي» يوشك على السقوط، فانقض «ريكس» من الخلف على «يونسكو» … ووضع مخالبه حول رقبته، حتى كاد يختنق فتخلَّص منه «رافي» وتمكَّن من ربطه بالحبال …
ونظر «ريكس» خلفه، لم يكن «روي» في حاجةٍ للمساعدة، أما «كيم»، فقد كان العراك شديدًا بينه وبين «كاري» القوي، وأسرع «ريكس» ورفع «كاري» بيدَيْه وهدَّده بالقذف في البحار، فتوسَّل إليه أن يرحمه فأسقطه على الأرض كالصخرة، وكان «روي» قد تمكن من القضاء على مقاومة البحار!
وصاح ريكس: اربطوهم جيدًا بالحبال، لقد عدت القائد مرة أخرى!
وهكذا سقطت العصابة في أيديهم وعاد القارب إلى المرسى … وأسرع «كيم» يتصل بالشرطة لترسل لهم النجدة …
وقفوا على الشاطئ … وقال «روي»: سيد «ريكس» … سنتركك مع «رافي» لحراسة القارب … وسأعود مع «كيم» لتفتيش الكهف، هل يمكنك أن تنتظرنا؟!
قال «ريكس»: هل تشك في ذلك؟! هيا وأسرعا!
ولم يكونا بحاجةٍ إلى النصيحة، فقد أسرعا بكل ما في وسعهما … ركبا العربة الجيب، ثم الخيل، حتى وصلا إلى الكوخ … ولم يكن فيه أحد، وعثرا على بطارية أخذاها، وأسرعا إلى الكهف …
كان الكهف أكبر مما توقَّعا، سارا فيه حتى سقط ضوء البطارية على هيئة شخصٍ نائم … أسرعا إليه وصاح «روي»: كابتن «ماك جورج» … هل هو أنت؟! … لم يرد أحد … حركاه وقلباه على ظهره، وسلطا عليه الضوء … وظهر وجهه باهتًا، وعيناه مغلقتان … كان صديقهم «مودي»!
وضع «روي» رأسه على صدره وقال: النبض ضعيفٌ جدًّا، ساعدني في إخراجه … حملاه بينهما إلى الخارج … وفي الهواء الطلق بدأ «روي» يدلِّكه، ويصنع له تنفسًا صناعيًّا، ولكن «مودي» كان غارقًا في إغماءة طويلة، وأخيرًا فتح عينَيْه، ونظر نظرةً باهتة، وصرخ: القنبلة! القنبلة! ستنفجر حالًا … ثم ضاع في إغماءةٍ أخرى.
نظرا إلى بعضهما، وتحرَّكا بسرعة، رفعا «مودي» إلى أحد الخيول، وربطاه فيه جيدًا، وجعلا حصانه بينهما، ثم ركبا هما الآخران حصانَيْن، وأسرعا يبتعدان عن المكان … وما كادا يسرعان قليلًا، حتى انفجر صوتٌ زلزلَ الأرض تحتهما، وجعل الخيل تسقطهما من على ظهرها …
استعادا وعيهما، وسيطرا على الخيول، ونظرا خلفهما، كان المكان كله مدمرًا ترتفع منه سحب الدخان الضخمة …
صاح «روي»: كان بيننا وبين الموت لحظات!
وأسرعا بالخيول، حتى وصلا إلى العربة الجيب، وكانت بقية الرحلة أسهل، فتولى الاهتمام ﺑ «مودي»، بينما ساق «كيم» السيارة بمهارة كسائقي السباق، حتى أشرفوا على البحر، وإذا بهم يجدون منظرًا أسعدهم؛ قوارب الشرطة تحيط بقارب «ريكس»، والكابتن «سامبسون» يستقبلهم مرحبًا: لقد قمتم بعملٍ بطولي، إن رئيس أيسلاند سيقلِّدكم أوسمةً بلا شك!
شكره الشابان، وطلبا نقل «مودي» بسرعة إلى المركب، وأسرع إليه طبيب الشرطة، نظر إلى وجهه وقال: لا تخافا … إنه يعاني ضعفًا شديدًا … سيكون في صحة جيدة بعد قليل. وبدأ الطبيب يلقي أوامره في طلب بعض أدوات الإسعافات العاجلة، فاطمأنَّ الشقيقان على صديقِهما وخرجا … وفجأة، سمعا صوت طائرة هيليوكوبتر تقترب منهم، ثم تهبط بهدوء، وفتح بابها، وقفز منه آخر شخص كانا يتوقعانه … والدهما … السيد «راسي»!
أسرعا إليه في فرحة طاغية، وصافحهما بحرارة وهو يتأملهما مطمئنًّا عليهما، قال: لقد كنتم في أكبر خطر، كنتما تلعبان بالديناميت!
قال «كيم»: لقد انفجر الديناميت منذ لحظات …
السيد «راسي»: الحمد لله أنكما ابتعدتما في الوقت المناسب!
صافح كابتن «سامبسون» السيد «راسي»، وقال: أهنئك، إن لك أعظم ولدَيْن في العالم. ضحك السيد «راسي» وقال: هذا كثير عليهما … والآن … أين رجال العصابة؟! إنني في شوقٍ شديد لاستجوابهم، يجب أن نعثر على كابتن «ماك جورج» و«توني» بأسرع ما يمكن …
كابتن «سامبسون»: لقد رفضوا الحديث نهائيًّا … وقد أرسلناهم مقيدين إلى العاصمة …
السيد «راسي»: حسنًا. لم يبقَ إلا «مودي» … يجب أن نطمئن عليه، ونعرف منه أين الكابتن «ماك جورج» و«توني»؟! إنه المفتاح الأخير الذي سيوصلنا إلى الحقيقة!
التفوا حول سرير «مودي»، كان ما يزال متعبًا، والطبيب يحاول إسعافه بقدر طاقته، تركوه قليلًا، وتناولوا طعامًا سريعًا … وعندما عادوا، كان «مودي» يجلس في سريره، ينظر حوله وكأنه في حلم … ظلوا حوله صامتين، حتى بدأ يتحرك في فراشه … ونادى على صديقَيْه …
أسرع إليه «روي»: اطمئن يا «مودي» … أنت بخير!
مودي: من الذي أنقذني من القنبلة، وكيف حضرت إلى هنا؟!
روي: هذه قصة طويلة، المهم الآن أن نعرف قصتك أنت، حتى نتمكَّن من الوصول إلى «توني» والكابتن …
استرد «مودي» وعيه تمامًا، وقال: لست أدري أين هما الآن، ولكني سأقص عليكم القصة من البداية، وصلنا تلغراف عاجل منك، يطلب منا الحضور في طائرةٍ خاصة إلى أكواريري لكن الطائرة هبطت بالقرب من الكهف وتغلب علينا المجرمون ووضعونا مع الكابتن «ماك جورج» الذي خدَّروه تمامًا … وكان من المقرر أن يضعونا نحن الثلاثة في صناديق وينقلونا إلى جرينلاند، أما إذا حدث ما يعطل ذلك فينفذوا الخطة رقم ٢ …!
روي: وهذا ما حدث فعلًا؛ فقد اضطروا إلى استعمالها!
كيم: هل تعرف ما هي هذه الخطة؟!
مودي: أنت تعرف أن الكابتن «ماك جورج» يشبهني طولًا وعرضًا، بل وبعض ملامحه أيضًا تشبه ملامحي. كانت الخطة رقم ٢، أن يخرج خارج البلاد في الطائرة على أنه أنا مصاحبًا «توني» معه، وأما أنا، فقد وضعوا قنبلةً في الكهف، لتنسفه وأنا فيه!
كيم: الحيوانات!
راسي: يجب أن نتحرك فورًا … سيد «سامبسون»، هل يمكن أن تنقلنا إلى المطار؟!
سامبسون: طبعًا، وفي الحال، اتركوا «مودي» معي، سأنقله إلى الفندق مع الرعاية التامة … وسأطلب هيليوكوبتر لتنقلكم إلى المطار فورًا …
وبسرعة تم كل شيء … وفي أقل من ساعة، كانت الطائرة تهبط بهم في مطار العاصمة … أسرع السيد «راسي» إلى موظف المطار يسأله عن الأسماء … راجع القائمة التي معه وقال: نعم، لقد دخل توًّا من الباب اثنان، هما «مودي» و«توني» …
السيد «راسي»: لا … إنه ليس «مودي» على الإطلاق!
وبسرعة، شرح الأمر كله للموظف فقال: إنهما يستقلان طائرة اسكتلندا، وهي لم ترتفع من الأرض بعد … سأطلب من برج المطار منعها من الطيران …
روي: غريبة، كنت أعتقد أنهما سيذهبان إلى جرينلاند!
أسرع الموظف إلى برج المطار … وكانت المفاجأة أن الطائرة رفضت أن تردَّ على نداء البرج، واستعدت للانطلاق … وفي لحظات كانت تنطلق في الجو … بالرغم من عربة المطار التي ركبها «روي» وأسرع بها إلى الطائرة، محاولًا منعها من الطيران.
أسرع السيد «راسي» يتصل بالسلطات … في دقائق كان رئيس سلاح الطيران قد وصل إليه، وقال: لا تخف … سنرسل وراءها مظلة من الطائرات النفاثة ترغمها على الهبوط …
السيد «راسي»: أرجو أن يحدث هذا في الوقت المناسب!
في نفس اللحظة، انطلقت طائرة نفاثة … ووراءها ثانية، وثالثة … وغيرها وأصر «روي» و«كيم» أن يركبا واحدة، ويواصلا المطاردة … وفعلًا ركبا طائرة رئيس السلاح ومعهما والدهما أيضًا …
وفجأة أرسلت الطائرة الهاربة نداء إلى كل الطائرات … قال الطيار: إنني واقع تحت ضغط شديد، لا تقتربوا من الطائرة … إنهم يهددون بنسفها بمن فيها …
قال قائد الطيران الذي يرافقه الشباب موجهًا حديثه إلى جميع الطيارين المطاردين: ابتعدوا عنها، ولكن لا تجعلوها تغيب عن عيونكم!
وكان السؤال الحائر هو: ما العمل؟!