قاتل للإيجار
في لحظة، أدرك «روي» الموقف كله … العربة المفتوحة الأبواب … الموتور الدائر … كل شيءٍ مُعد لعملية الاختطاف … وتصرَّف المخبر الصغير … استدار فجأة، ودفع الرجل الذي في المقدمة إلى أحضان الاثنين الآخرين، واندفع مسرعًا إلى العربة، في لحظةٍ كان يدور بها صوت عجلاتها يمزِّق السكون … وسارَت في خطٍّ متعرج، وأبوابها تتطاير في الهواء، حتى استطاع «روي» أن يُسيطر عليها، ويدور بها حول منحنى الطريق، ودار بها حول البيت، حتى عاد إلى مقدمته مرةً أخرى، ليجد الفريق كله أمام الباب … ومعهم رجلٌ واحدٌ فقط ملقًى على الأرض، وقد جثم «توني» بكل ثقله فوق صدره …
بعد دقائق، وصل رجال الشرطة، وقبضوا على المجرم الذي كان في أواسط العمر، ضئيل الجسم، رفيعًا، رفض أن يتكلَّم أو ينطق بكلمةٍ واحدة، وسار صامتًا مع رجال الشرطة إلى السجن …
عاد الشباب إلى الحفل، حتى انقضَّ المساء، فساروا حتى منزلهم، وودَّعوا «ناديا» و«لولا» و«توني»، وانصرفا إلى داخل المنزل …
وبعد قليل، وصل والدهم، كان الاهتمام يبدو على وجهه بعد أن استمع إلى محاولة الاختطاف الفاشلة … وصمت قليلًا، ثم سأل: «روي»، ألم يتصل بي أحد؟
قالت الأم: لا أحد … ما عدا مكالمة سخيفة، قالت فتاةٌ مجهولة إن البيت الأبيض يطلبك!
ظهر الاهتمام والقلق بشدة على وجه السيد «راسي» … أكبر قدر من القلق لاحظه الشابان على أبيهما من قبل … وأسرع يصعد إلى حجرته وأغلقها عليه، وتحدث في التليفون بصوتٍ هامس فلم يسمعه أحد …
وفي منتصف الليل … استيقظا على صوت خطواته وهو ينزل السلم، فانزلق «كيم» من سريره، ونظر من فتحة صغيرة في الباب، وجد والده يقود رجلين إلى مكتبه، ويتحدث معهما في همس …
وهمس «روي»: هذا أعجب ما رأيناه من والدنا طوال عمرنا … وهزَّ «كيم» رأسه موافقًا …
عادا إلى فراشهما، واستغرقا في النوم … وفي اليوم التالي التفَّت العائلة كلها حول مائدة الطعام، ولكن أحدًا لم يذكر شيئًا مما حدث …
بعد الإفطار استدعاهما السيد «راسي» إلى مكتبه وقال: سأذهب في مهمة عاجلة إلى تكساس … وسأقدم لكما الآن شيئًا مهمًّا …
وأخرج من درج مكتبه جهازًا صغيرًا يُشبه جهاز الترانزستور وقال:
تستطيعان إيصال الجهاز بأي راديو، عند وقت الإرسال المتفق عليه … حافظا عليه جيدًا هو والكتاب … فستحتاجان إليه كثيرًا في الجزء الثاني من مغامرتكما …
كيم: وهل سيكون ذلك أيضًا في أيسلاند؟!
الأب: ربما، أريدكما أن ترحلا الليلة إلى ريكجافيك …
كان موعد الطائرة في السابعة تمامًا، اتصلا ﺑ «توني»، وطلبا أن يقابلهما في الموعد تمامًا في المطار … وقبل أن يغادرا البيت اتصل بهما ضابط الشرطة، وأخبرهما أن الرجل الذي حاول اختطاف «روي» اعترف بأنه قد استؤجر لقتله، وأنه لا يعرف الذين استأجروه، وأن زميلَيْه قد هربا والبحث جارٍ عنهما …
في الموعد تمامًا … التقى الثلاثة في المطار، وبعد فحص أوراقهم سمح لهم بركوب الطائرة … وبمجرد أن ركبوا فيها، اتجه «توني» إلى المضيفة وسألها: هل تقدمون العشاء في الطائرة؟!
أجابته باسمة: نعم، بعد قيامها بساعة …
اطمأن «توني» لأن الأكل بالنسبة له من أكبر ملذات الحياة … وبسرعة، أغلقت الطائرة أبوابها، ووضعوا الأحزمة حولهم وأخذت ترتفع قليلًا، والظلام يسود المحيط تحتهم، حتى استقر ارتفاع الطائرة تمامًا، فرفعوا الأحزمة، واستراحوا في مقاعدهم … وتمَّت سعادة «توني» عندما بدأَت المضيفة الظريفة توزع عليهم الطعام …
وقال لها «توني» باسمًا وهو يتناول طعامه: نحن ذاهبون إلى أيسلاند لنشاهد الإسكيمو …
ابتسمت المضيفة الحسناء وقالت: ليس هناك أي إسكيمو في أيسلاند … ولا ضفادع، ولا ثعابين …
صاح «توني»: ماذا؟ إذن ماذا سنرى هناك يا آنسة!
قالت: اسمي «سونيا» … وسترى هناك الأشباح، والأشخاص الخفية … وغيرها …
وقبل أن يستفسر منها «توني» عن معنى ما تقول، ناداها أحد المسافرين، فأسرعت إليه … قال «كيم»: يبدو أنها ستكون رحلة شيقة، خصوصًا مع وجود الأشباح، والمخلوقات الخفية …
ضحك «روي» غير مصدق … وانشغل الثلاثة بمحاولة النوم … ولم تمضِ لحظاتٌ حتى استغرقوا في سبات عميق …
في الصباح استيقظ «روي» و«توني» على صيحة «كيم»: انظروا!
ونظروا من النافذة … كان الثلج يغطِّي كل شيءٍ حولهم … البياض الناصع يُحيط بالقمم والأرض … وكل شيء!
وارتفع صوت الميكروفون يعلن وصولهم إلى مطار كيفلافك …
ونظروا إلى الأرض تحتهم، كانت مكونة من الصخور البركانية، وبقايا الحمم التي ألقتها على الأرض …
وهبطت الطائرة، وأسرع الثلاثة يقدمون أوراقهم إلى شرطة المطار، وأتموا إجراءات الخروج … وسألوا عن الطريق الذي يوصلهم إلى العاصمة … فأخبرهم رجل الاستعلامات أن هناك أتوبيسًا يسير بعد ثلث ساعة … وأن العاصمة ريكجافيك تبعد ثلاثين كيلومترًا عن المطار …
وضع الثلاثة حقائبهم أمام المطار ووقفوا ينظرون إلى المنظر أمامهم … كان واديًا رفيعًا من الأرض السوداء … ينتهي بجبل صاعد إلى السماء، مغطى بالثلج الأبيض الناصع … وبالقرب منهم، لاحظوا وجود عربة جيب، يقف بجوارها شاب في مثل عمرهم … يحاول إصلاح العربة …
اقتربوا منه وسأله «روي»: هل تريد مساعدة؟
قال الشاب: أتمنى ذلك …
ابتسم «روي» وهو يقترب من العربة … يحاول فحصها؛ فقد كان من حسن حظهم أن صاحب العربة يتحدث بلغةٍ سليمة ولهجة واضحة …
وقال: اسمي «رافي»، وأنا طالب في المدرسة العليا، وقد عُدت إلى هنا في إجازة منتصف العام …
ومسح يديه في فوطة، وصافحهم بحرارة …
في نفس اللحظة، ارتفع صوت ميكرفون المطار: «كيم» و«روي راسي» مطلوبان عند استعلامات المطار …
نظروا إلى بعضهم في دهشة … ثم ارتفع الصوت يكرر النداء مرة أخرى.
تحرك «كيم»، ولكن «روي» أمسكه وقال: احترس … نحن لا نتوقع أن ينتظرنا أحدٌ، ربما كان هذا محاولة اختطاف جديدة؟!
قال «توني»: معك حق، يجب أن نكون في منتهى الحذر …
قال «رافي»: ما هذا؟ هل يحاول أحدٌ القبض عليكم؟!
روي: يبدو هذا، اذهب يا «توني» إلى الاستعلامات من بعيد، وانظر من الذي يطلبنا …
رجع «توني» بعد لحظات وقال: رجل سمين، له شارب وشعر أصفر طويل … انظروا، ها هو قادم!
واقترب الرجل يتطاير شعره في الفضاء، واختفى «كيم» و«روي» خلف العربة الجيب وسار الرجل في طريقه إلى عربةٍ صغيرة استقلَّها، وغادر المكان …
نظر «روي» حوله بحثًا عن عربة تاكسي، ولكنه لم يجد فقال: للأسف كنت أتمنى أن نتبعه …
نقل «رافي» نظره بينهم بشكٍّ وقال: من أنتم؟! جواسيس؟!
قال «روي» بحرارة: لا … نحن مخبرون سريُّون …
رافي: غير معقول!
روي: هذه قصة طويلة، سنقصها عليك فيما بعد، أما الآن فهيا إلى إصلاح العربة …
بعد قليلٍ تمكن «روي» من معرفة مكان العطل في السيارة، وتمكن بمساعدة «رافي» من إصلاحه … وفي الحال دار موتور العربة …
وصاح «رافي»: هيا، اركبوا، سأوصلكم إلى حيث ترغبون … أين ستُقيمون؟!
قال «روي» وهو يرفع الحقائب على العربة: في فندق كونتيننتال …
وتسلَّق الثلاثة السيارة، واندفعت بهم في اتجاه العاصمة … سارَت العربة في الطريق الطويل، حتى وصلَت إلى مدخل المدينة، ولاحظ الشباب أن البيوت كلها مطلية بألوانٍ زاهيةٍ بهيجة … وكان المنظر رائعًا … وما إن وصلوا إلى الميدان الرئيسي في المدينة، حتى لاحظوا أنه مليءٌ بالأعلام الحمراء والزرقاء والبيضاء … وقال «توني»: يبدو أنهم يحتفلون بوصولنا …
قال «رافي»: لولا أنني أعرف الحقيقة، لصدقتكم … إنه احتفالٌ بوصول ثلاثةٍ من روَّاد الفضاء … وصلوا هنا لدراسة الأرض الجبلية فهي تُشبه المناطق التي ينوون النزول عليها في رحلتهم القادمة إلى القمر …
وتوقَّفت العربة أمام مبنى كبير وأنيق … وقال «رافي»: ها هو الفندق، إليكم رقم تليفوني، اتصلوا بي في أي وقتٍ تشاءون … يُسعدني أن أصحبكم دائمًا …
أسرعوا إلى الحجرات التي حجزوها في الفندق … حجرة ﻟ «كيم» و«روي»، وأخرى ﻟ «توني» … وبعد قليلٍ من الراحة، أسرعوا يصعدون إلى حجرة الطعام في الدور الثامن … حيث وجد «توني» سعادته العظمى … الطعام!
قال «كيم»: متى سنبدأ في البحث عن «ريكس بارتون»؟!
روي: فورًا، سنستعين بدليل التليفون، ونبحث عن اسمه …
وبعد قليل بدءوا البحث … وكانت المفاجأة أنهم لم يجدوا أي اسمٍ لشخصٍ يُدعى «ريكس» في الدليل كله …
روي: يبدو أن المهمة ليست سهلة …
كيم: هيا نبحث تحت اسم «بارتون» …
ومرةً أخرى لم يجدوا اسم رجل … فقط سيدة تدعى «ميرنا بارتون» … اتصلوا بها … أخبرتهم أنها لا تعرف أبدًا شخصًا يدعى «ريكس» … وبدا أن المهمة أصعب مما توقعوا …
روي: لقد كانت رحلتنا طويلة … هيا إلى النوم … وفي الصباح يمكننا أن نفكر بهدوء أكثر …
وأسرعوا إلى أَسِرَّتهم … واستغرقوا في النوم حتى الصباح … وعندما استيقظوا … كانت المفاجأة الأولى في انتظارهم … وجدوا شخصًا يوقظهم … ولم يكن إلا صديقهم العزيز … «مودي»!