فوق الأمواج
أمسك «كيم» بالنظارة المكبرة، ونظر بها إلى عرض البحر ليتأكَّد من شكوك شقيقه … ولكنه فعلًا كان «كاري» …
قال «روي» للكابتن: في هذا القارب البخاري رجل مطلوب القبض عليه!
قال الكابتن: اطمئن، سنقبض عليه، لسببٍ بسيط أن القارب أجنبي، وقد دخل في المياه الإقليمية بدون ترخيص! … أسرع الكابتن يوجه رسالة لاسلكية إلى القارب ليسلم نفسه ولدهشتهم وجدوا أن القارب بدل أن يقترب منهم، توجَّه إلى عرض البحر، وفر هاربًا …
ألقى الكابتن أوامره بسرعة، فارتفعت سرعة الباخرة إلى الحد الأقصى، وأسرعت في أثر المركب الهارب، ولم تمضِ دقائق حتى كان يوازيه، ويأمره بالوقوف …
نظروا إلى قلب القارب، لم يكن به إلا رجلٌ واحد هو الذي يقوده، طلب منه الكابتن أن يسلم الشخص الآخر الذي كان معه، فأنكر الرجل وجود أي شخص آخر على ظهر القارب … فطلب الكابتن أن ينزل اثنين من جنوده مع «كيم» و«روي» إلى قلب القارب لتفتيشه!
من أول نظرة، بدا واضحًا أن القارب خالٍ من أي شخص آخر … قال «روي»: لقد رأيته بعيني، بصلعته الواضحة، لا بد أنه مختفٍ بدقة في مكان ما هنا!
وبدءوا يبحثون في كل ركن، وكل دولاب، وتحت الفراش … ولكن … لا أحد!
قال «كيم»: ربما كان مختفيًا بطريقة ما … تحت القارب! نظروا جيدًا … ولكن لم يجدوا أثرًا لأحد!
صعدوا إلى ظهر الباخرة … قال الكابتن: سأرسل القارب ومعه سائقه عائدًا إلى العاصمة، هناك سيحققون، ربما اعترف بمكان الهارب. ثم أمر أحد ضباطه باصطحاب القارب والعودة إلى الشاطئ …
بعد قليلٍ، سأله «روي»: والآن ماذا سنفعل نحن؟!
قال الكابتن: عليكما بقليلٍ من النوم، وحينما نقترب من الباخرة «فجر» سأوقظكما … لتستقلَّا قاربًا إليها؛ فهي التي ستوصلكما إلى مركب «الطائر الأسود» الذي به رجلكما …
كانت حركة المركب قد أتعبتهما … فاستغرقا في النوم بسرعة، ولم يستيقظا إلا على يد تهزهما برفق، كان الكابتن بنفسه يطلب منهما الاستعداد؛ فالمركب «فجر» على خط واحد معهم، وسترسل قاربًا ليستقلاه إليها …
أسرعا إلى حافة المركب، كان هناك قاربًا مسطحًا عليه بعض البحارة الأشداء ومعهم المجاديف القوية، ودَّع الشقيقان الكابتن ونزلا إلى القارب … كانت الأمواج شديدة، والليل حالكًا، والموجة ترفع القارب أمتارًا في الفضاء ثم تعود لتستقر به على سطح الموج …
ومضى الوقت، واقتربوا من الباخرة «فجر»، والتي كانت أصغر كثيرًا من سابقتها، والتصقوا بها، واستعدوا للصعود، وهمس «روي»: ما هذا؟! إني أرى قاربًا صغيرًا في الماء …
ولم يتم كلامه حتى ارتفعت موجة ضخمة غطت القارب كله، ولما انحسرت المياه … كان الكل موجودين ما عدا «روي» … فقد قذفته الأمواج في البحر!
وفي الحال، قفز اثنان من البحارة إلى الماء، بينما وقف الثالث ليمنع «كيم» من القفز وراء شقيقه، وأرسلت المركب شعاعًا قويًّا من الضوء ملأ البحر كله … فظهر رأس «روي» وهو يحاول التشبُّث بالقارب، أصفر الوجه، مغمض العينين …
جلبوه إلى القارب، ومنه إلى المركب، وصعدوا وراءه، وهناك قابلهم وجه ضاحك … قال ﻟ «روي» فورًا: ماذا تفعل، هل أنت من هواة السباحة الليلية؟!
وضحك … وقدَّم نفسه لهم … الكابتن «مارو» … قائد المركب «فجر».
مضت مدة، بعد أن غير «روي» ملابسه حتى استرد وعيه، وشعر بالدفء من جديد وسأل الكابتن: هل كان قاربٌ بالقرب من المركب؟!
هز رأسه وقال: كان هناك شيء … أعتقد أنه أحد الحيتان التي تكثر في هذه المنطقة …
روي: متى نصل إلى المركب «الطائر الأسود»؟!
الكابتن: لقد وصلنا إليه فعلًا، إنه في نفس منطقتنا، في الصباح سأوصلكما إليه، وأنتظر عودتكما …
عندما أشرقت شمس اليوم التالي، كان المحيط هادئًا تمامًا، حتى إن المركب «فجر»، تمكَّنَت من الالتصاق «بالطائر الأسود» في سهولة، وفي يسرٍ أيضًا صعد «روي» و«كيم» إليه …
لم يكن «الطائر الأسود» إلا قاربًا كبيرًا، به خمسة فقط من البحارة … فلم يكن صعبًا أن يستدلَّا بسهولةٍ على البحَّار «ريكس مارا» … اقترب منهما، كان يلبس جلد الدب الرمادي وبدا هو نفسه كالدبِّ بشعره الرمادي. تحت قبعته البحرية … وبأظافره القوية …
قدَّم «روي» له نفسه وقال: سيد «ريكس» … نريد أن نسألَك شيئًا … هل تسمح؟!
استدار بظهره وقال: لا … لا … لن أفعل شيئًا، لقد قلت لا … من قبل!
جرى «روي» خلفه وقال: ما الذي لا تريد عمله؟! انتظر قليلًا!
قال «ريكس»: لن أفعل ما تريدون مني أن أفعله، لقد طلبوا مني من قبل، وقلت لا!
نظر الشقيقان إلى بعضهما في دهشةٍ … وقال له «روي» بهدوء: سيدي «ريكس» … نحن لا نريد إلا أن تثبت لنا شخصيتك!
قال بجفاء: اسمي «ريكس مارا» … هذا هو كل شيء!
قال «روي»: نحن نبحث عن «ريكس بارتون»، هل تعرفه؟!
ريكس: لماذا؟!
روي: لقد ترك له شخص بوليصة تأمين قدرها خمسة آلاف دولار!
في الحال تغير وجه الرجل، وبدا متعاونًا تمامًا معهما قال: أنا … أنا «ريكس بارتون»!
تعانق «كيم» و«روي» فرحين بوصولهما إلى هذه النتيجة … وقال له «كيم»: أخبرنا لماذا غيرت اسمك؟!
ريكس: لأنه اسم صعب، وكلما وصلت إلى ميناء نطقوا اسمي بشكل مختلف، حتى أصبحت لا أعرف اسمي الحقيقي … في إسبانيا اعتقدوا أنني جاسوس … لأن اسمي مكتوب بأكثر من طريقة … ولذلك غيرته إلى هذا الاسم. وحك أنفه بيده ثم قال: يبدو أنه ما زال هناك مَن يعتقد أنني جاسوسٌ …
سأله «روي»: من؟!
ريكس: رجلان … حضرا لمقابلتي، إنهما يبحثان عن رجل يعرف السواحل جيدًا، واختاروني أنا، ولكني رفضت!
لمعت عينا «روي» وقال له: هل يمكن أن تخبرنا إذا عاد إليك هذان الرجلان؟!
هز رأسه موافقًا …
روي: لقد ترك لك رجلٌ اسمه نولي بيكر مبلغ خمسة آلاف دولار …
ريكس: ياه! لقد تذكرته، أنقذته من الغرق مرة، وها هو يجعل حياتي سعيدة في أواخر العمر!
روي: الآن … يجب أن تأتي معنا لتوقِّع على بعض الأوراق، حتى يمكنك استلام النقود!
ظهرت الفرحة واضحةً على وجه العجوز، وأسرع يصطحبهم إلى ظهر المركب «فجر» …
ومضى الوقت حتى وصلوا مرة أخرى إلى الميناء، فشكروا الكابتن والبحارة، وأوصلوا «ريكس» إلى منزله انتظارًا لاتصال الشباب به، الذين عادوا فورًا إلى الفندق …
أسرعا إلى غرفة «توني» و«مودي» ولكنهما لم يكونا موجودَيْن، اتصلا بكاتب الفندق الذي قال لهما إنهما دفعا الحساب، وغادرا الفندق … ذهل «روي» وسأله: كيف ذلك؟! قال الكاتب: لا أعرف، ولكنهما كانا يتحدثان إلى صديقكما الأيسلندي «رافي»!
في الحال اتصلا به، سأله «روي»: أين «مودي» و«توني»؟
قال «رافي»: ماذا؟! أنت الذي تعرف مكانهما، لقد غادرا الفندق بمجرد وصول برقيتكما إليهما!