الفصل الخامس

كان الحاج سعيد العزوني جالسًا إلى زوجته الحاجة عايدة، وكان كلاهما منتشيًا بالحديث الذي يدور بينهما.

– بهجت يا حاجة أصبح أقرب شخص إلى الباشا بعد بناته وأزواج بناته.

– بهجت طول عمره يعرف ماذا يريد، كما يعرف كيف يصل إليه.

– لكِ حق، مع أنني كنتُ أعارضه في مسألة الوظيفة، وكان هو مصممًا عليها.

– ألم أقل لكَ إنه يعرف ماذا يريد وكيف يحقِّق كل ما يفكر فيه؟!

– وبالنسبة للزراعة، البركة في مجدي.

– وهل مجدي قليل؟

- الحمد لله.

– ببركة ربنا ومجدي أرضك تُنتِج أحسنَ محصولٍ ليس في بلدنا وحدها، بل في الجيرة كلها.

– الشهادة لله، مجدي فلاح لم تَجئ به ولَّادة.

– فلماذا لا تُزوِّجه؟

– ألا نزوِّج الكبير أولًا؟

– وماله نزوِّج الولدَين.

– يا ستي يختاران هما، ونحن تحت أمرهما.

– أليس من الواجب أن تكتُب لكل ولدٍ بضعة أفدنة حتى يتقدَّم لعروسه بعينٍ قوية؟!

– يا أم بهجت، وهل سآخذ معي شيئًا إلى الآخرة؟

– أطال الله عمرك، ولكن أهل البنات يحبون أن يكون لمن يتقدمون لبناتهم مِلكٌ باسمهم؛ فقد يخشى أهل العروس أن يغضب الأب على ابنه لا قدَّر الله، فتُصبِح البنت وزوجها وهما لا يجدان اللقمة.

– ربنا يُقدِّم الخير.

وطُرق الباب وذهبَت بدوية وفتحَتْه وصاحت: الحاج طُلبة يا سيدي.

وهمس الحاج سعيد لزوجه: ادخلي الآن.

وقامت الحاجة عايدة، وصاح الحاج سعيد: يا مرحبًا.

وجلس طُلبة إلى الحاج سعيد: هل الأصل في جيبك؟

– ولماذا يكون في جيبي؟ وهل كنتُ أعرف أنك ستجيء في هذه الساعة؟

– المبلغ اكتمل، ورأيتُ ألا يطلع عليه الصباح وهو معي.

– كانت سلفيةً مبروكة، وكسبتَ منها مكسبًا كبيرًا.

– الحمد لله، ربنا أرضاني.

وتسلَّم الحاج سعيد المبلغ، وقام وهو يقول: دقيقة واحدة، أحضر لك الوصل.

– على راحتك.

وحين تسلَّم طُلبة الوصل فاجأ الحاج سعيد بقوله: نحن لسنا في الدنيا يا حاج سعيد.

– من المؤكَّد أننا لسنا في الآخرة.

– والله بالك رائق للهزار.

– إذا كنت تقول نحن لسنا في الدنيا.

– أتعتبر المكاسب التي أكسبها أنا من القطن، أو تكسبها أنتَ من الأرض أو الر… أو التسليف مكاسب؟

– ابن آدم لا يملأ عينه إلا التراب.

– تراب من يا عم؟ اصح وبص للدنيا حواليك.

– ماذا جرى يا طُلبة؟

– المكاسب التي سمعتُ عنها ورأيتُها هبلتني.

– أي مكاسب … مكاسب القطن؟

– قطن من يا عم؟ … اردم.

– أي مكاسب تقصد إذن؟

– مكاسب البورصة.

– بورصة القطن؟

– أنعِم وأكرِم! ولكن هذه بورصة لا يطيق الدخول فيها إلا العتاولة الأشداء.

– فأي بورصة تقصد؟

– بورصة الأسهم والسندات.

– الأسهم والسندات؟

– نعم الأسهم، تعرَّفتُ في الإسكندرية على سمسارٍ يعمل في بورصة الأسهم، وحاول أن يُغريَني بشراء بعض أسهم الشركات.

– وقبلت؟

– رفضتُ من خيبتي.

– أية خيبة؟

– أتعرف أن الأسهم التي عرضها عليَّ كسبَت كم في ظرف ثلاثة أيام؟ … عشرين ألف جنيه.

– فعلًا، يا خيبتك! ولكن لماذا لم تَشترِ أسهمًا أخرى؟

– ما معي لا يكفي التجارة والأسهم، فكَّرتُ جديًّا، ولكن المال السائل عندي لا يستطيع أن يواجه تجارة القطن والأسهم في وقتٍ معًا، وأنا في القطن طول عمري وأخاف أن أتركه، فلا أجد القوت الضروري.

– وصاحبك هذا أين تجده؟

– هذا ما أريد أن أقوله لك.

– يعني تقصد؟ …

– وهل في هذا كلام؟

– نذهب إلى الإسكندرية.

– هو مكتبه في القاهرة.

– نذهب إليه.

– ولماذا تذهب؟ بثمن التذاكر أَقِم للرجل وليمة وأنا أجيء به إليك.

– وهو كذلك … متى؟

– غدًا أفوت عليك في المغربية وأخبرك بالموعد.

– على بركة الله، ولكن كيف ستتصل به؟

– لماذا خُلقَت التليفونات إذن؟

– معك رقمه؟

– وعنوانه.

– إذن إلى الغد.

وتحدَّد الموعد، ولبَّى نعيم وهبة دعوةَ الغداء التي أقامها الحاج سعيد، وطبعًا كان في رفقته طُلبة عمران.

وبدأَت المناقشات، وما لبث أن اقتنع سعيد بجدوى الإقدام على هذا الميدان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤