الفصل السابع
كان من الطبيعي أن يتولى بهجت شئون التركة جميعًا؛ فقد كان الباشا يعلم أنه يعمل مع ممدوح، فهو إذن على خبرٍ بأمور ثروته، كما أن الباشا كان من المفروض أن يجعل سكرتيره هو المشرف على مصالح ابنته. وهكذا اجتَمعَت في بهجت الصفتان من قربه للباشا ومن عمله مع ممدوح. وقد أطلقَت له كريمة الحرية المطلقة في أن يتحدَّث باسمها مع الورثة الآخرين؛ فممدوح انتقل إلى رحاب الله في سنٍّ باكرة، ولم يكن يفكِّر في الموت مطلقًا، وإلا لتحرَّى أن يخص زوجته الحبيبة بنصيبٍ وافر من ثروته، وكريمة نفسها لم تكن تفكِّر في هذا الأمر مطلقًا، ولم يخطر بذهنها لحظةً أن تطلب إليه شيئًا يتصل بالثروة.
وهكذا توزَّعَت الثروة على أقارب ممدوح، ولم يكن لكريمة إلا حقُّ الربع في هذه الثروة العريضة. وقد جاهد بهجت أن تتخارج كريمةُ ملكيةَ البيت الذي كانت تعيش فيه مع زوجها إلى جانب عمارة بشارع قصر النيل وخمسين فدانًا من الأرض الجيدة.
وحين عرف الباشا بما توصَّل إليه بهجت أقرَّه ونصح ابنته.
– اقبلي هذا الذي يقول بهجت.
– أمرك يا بابا، والله أنا لا يهمني شيء أكثر من الذي فقدتُه.
– لا بد يا ابنتي أن نرضى بحكم الله سبحانه. المهم أنا تركتُكِ في بيتكِ طَوالَ هذه الشهور، ناظرًا أن يكون البيت من نصيبكِ، وخشيتُ أن تتركيه فيغتاله الورثة، خاصةً وأنا عرفتُ أنهم كانوا في غاية الجشَع.
– سامحهم الله يا بابا.
– أما جاء الوقتُ بعد أن تنتهيَ إجراءات تملُّكِك للبيت أن تنتقلي لتعيشي معنا؟!
– يا بابا، أنت تعرف أنني لا أتأخر عن تنفيذ أي أمرٍ لك، ولكن إن أحببتَ أن تُرضيَني فدعني في بيتي.
– وحدك في هذا البيت كله؟!
– معي الأيام والذكريات والحنان والتوادُّ الذي كان بيني وبين المرحوم، ومعي أيضًا حريتي أن أستقبل من أشاء وأرفض لقاء من أشاء، وأنت تعرف ماما صاحباتها كثيرات، والبيت عندك لا يخلو من ضيفاتها، فإن أردتَ أن تُرضيَني يا بابا فاتركني في بيتي، وأنا لن أتأخر أبدًا عن زياراتكم.
– والله يا بنتي، أنا في الحقيقة أكاد أكون مقتنعًا بما تقولين. البيت عندنا سوقٌ فعلًا، ولولا أنني في عملي في الصباح ومع أصدقائي في المساء خارج البيت، لَمَا عَرفتُ كيف كنتُ سأُطيق العيش هذه العيشة التي تفرضها علينا أمك.