كلارا إميرفير (١٨٧٠–١٩١٥)
درست كلارا إميرفير الكيمياء، وحصلت على درجة الدكتوراه في قابلية ذوبان العديد من الأملاح المعدنية، وتزوجت من فريتز هابر الذي حصل فيما بعد على جائزة نوبل.
ولأنها لم تستطع العيش مع فكرة أن زوجها ابتكر غازات سامة للحرب الكيماوية؛ فقد قتلت نفسها في ١٩١٥ برصاصة من مسدس زوجها العسكري.
•••
في ٢١ يونيو عام ١٨٧٠، ولدت كلارا إميرفير في محافظة بولكندورف في بريسلو بسيليزيا (يطلق عليها حاليًّا روكلو ببولندا). كانت كلارا الابنة الصغرى من بين أربعة أطفال للدكتور فيليب إميرفير وآنا كرون إميرفير (كان هناك فضلًا عن كلارا بنتان أخريان هما إلي وروز، وولد يدعى بول). وترعرع الأطفال في أسرة ثرية مثقفة متحررة ومنفتحة.
تلقَّت كلارا تعليمها المبكر في المنزل، مع أخيها وأختيها، وكانت تلميذة مجتهدة، وسرعان ما أصبحت هناك منافسة بين كلارا وأخيها الأكبر بول. وابتداءً من الفصل الدراسي في شتاء ١٨٧٧ ارتادت الأخوات الثلاث مدرسة الآنسة كروج في بريسلو. وفي الصيف عاشت الأسرة في أملاكها الموروثة عن أسلافهم، وهناك تعلَّم الأطفال على يد عدد من المربيات. وأبدت كلارا منذ بداية فترة دراستها اهتمامًا هائلًا بالعلوم، وكانت تنزعج بشدة عندما يلمِّح أحدهم إلى وظائفها المستقبلية الأنثوية. وقابلت كلارا أثناء دروس الرقص في بريسلو فريتز هابر، وشعر كلٌّ منهما بالانجذاب إلى الآخر، ولكن صديق كلارا الصدوق وصف فريتز بأنه «شديد الذكاء، ولكنه مغرور ومتكبر.» أراد فريتز الزواج في أقرب وقت ممكن، ولكن والديه ووالديها رأوا أن عليه أن يجد عملًا يرتزق منه أولًا، ولم تكن كلارا على يقين من مشاعرها تجاه فريتز. وبعد فترة قصيرة نسبيًّا حصل أخوها بول على درجة الدكتوراه، ومنذ هذه اللحظة أرادت كلارا أن تكون مستقلة اجتماعيًّا عن طريق الحصول على تعليم جامعي، ولتحقيق ذلك، سلكت الطريق الذي كان الكثير من السيدات والفتيات الألمانيات يسلكنه: معهد التعليم العالي للتدريس. دخلت كلارا المعهد في بريسلو، وسرعان ما لاحظت مديرة المعهد اهتمام كلارا العلمي وأعطتها كتاب جين مارسيه («محادثات عن الكيمياء»، الذي ظل مشهورًا أكثر من سبعين عامًا بعد إصداره). بلا شك أكد هذا الكتاب حب كلارا للكيمياء. أنهت كلارا اختبارات تدريب المدرسين، وصار عليها أن تواجه العقبات والتحيزات، وقررت كلارا مع والدها أن تأخذ دروسًا خصوصية أولًا، ودعمها وشجعها عضو مجلس شورى الملك ألبرت لادنبورج. وأخيرًا في ١٨٩٦ قُبِلت كلارا وعدد قليل من الفتيات مستمعات في المحاضرات في الجامعة، وبالطبع كانت الكيمياء هي اهتمامها الأكبر، وعلى نحو خاص منحتها التجارب الكيميائية متعتها الكبرى، برغم السخرية والمعارضة التي واجهتها، وبرغم حقيقة أنها وزميلاتها الطالبات كن يتعرضن لتجاهل الأساتذة والطلاب من الرجال.
في نهاية الفصل الدراسي الشتوي في السنة الدراسية ١٨٩٦ / ١٨٩٧ غادر رئيس القسم كوستر جامعة بريسلو وخلفه في المنصب ريتشارد أبيج، الذي كان صديق هابر وزميله في الكلية، وسارت الأمور على أفضل ما يرام بين كلارا وأبيج. وفي العام نفسه جاء تصريح وزير الثقافة الذي كان ذا أهمية عظيمة بالنسبة لتقدم كلارا التعليمي؛ وأصبح لكلارا باعتبارها مستمعة نفس حقوق الطالب المنتظم، وعلى الفور راحت كلارا وأبيج يبحثان عن موضوع مناسب لرسالة الدكتوراه، واختارا أن يبحثا إمكانية ذوبان العديد من الأملاح المعدنية الثقيلة.
سافرت كلارا إلى جامعة فرايبورج التكنولوجية في كلاوستال، حيث أشرف عليها البروفيسور كوستر، وكانت كثيرًا ما تراودها شكوك في إمكانياتها وعملها.
اكتشفت كلارا بقياساتها وخبرتها أن القياسات المحتملة لجاوس كانت غير دقيقة، أو بالأحرى، كانت قيمًا عشوائية. ولأول مرة تم نشر تحقيق لكلارا؛ حيث نشرت مجلة الكيمياء العضوية مقالًا لها بعنوان «قابلية أقطاب النحاس للانحلال مقارنة بقابلية رواسب النحاس». وفي ٢٨ يونيو عام ١٩٠٠، قدمت كلارا طلبًا للسماح لها بتقديم رسالة الدكتوراه، وعزز طلبها ٣١ مدرسًا، وقُبلت كلارا. كان بحثها في مجال الكيمياء الفيزيائية، وكانت رسالتها بعنوان: «الانحلالية: أملاح الزئبق والنحاس والرصاص والكادميوم والزنك ذات القابلية الطفيفة للانحلال».
وقد أهدت رسالتها إلى والدها، إذ صدَّرتها بالكلمات: «إلى والدي العزيز». وكان الحكم على اختبارها الشفهي بالإجماع: «ناجحة بتفوق». وفي ٢٢ ديسمبر ١٩٠٠ كانت المناقشة الشفهية لرسالتها، وبعدها مباشرة مُنحت كلارا إميرفير درجة الدكتوراه، وكانت بذلك أول امرأة تحصل عليها في بريسلو؛ ومن ثم أصبحت كلارا إميرفير أول امرأة في ألمانيا تحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء، وبعد ترقيتها أصبحت كلارا مساعِدةً للبروفيسور أبيج، وكان هذا أعلى منصب أكاديمي تحصل عليه امرأة في ذلك الوقت.
في ١٩٠١، في مؤتمر جمعية الكيمياء الكهربية الألمانية، الذي أقيم تكريمًا لروبرت بونسن، قابلت كلارا فريتز هابر مرة أخرى، وللمرة الثانية في حياتها طلب يدها للزواج، وبعد ترددها المبدئي، وافقت هذه المرة. وفي أغسطس تزوجت كلارا إميرفير من فريتز هابر، وأقام الزوجان في كارلسروه، حيث كان فريتز يتمتع باتصالات جيدة في مجال الكيمياء.
بعد الزواج بفترة قصيرة حملت كلارا، وبعد فترة حمل صعبة ولدت طفلها الأول هيرمان، وبعد الولادة رقد فريتز في فراشه أيضًا بعد إصابته بمرض في المعدة.
بعد ولادة هيرمان بفترة قصيرة بدأ زواجهما في التصدع، وأقامت كلارا في غرفة منفصلة، ومع ذلك أهدى فريتز كتابه «الديناميكا الحرارية للتفاعلات الفنية للغازات» الذي تلقى عليه الكثير من الإشادة إلى «زوجته العزيزة الدكتور كلارا هابر؛ لشكرها على تعاونها الصامت».
بعد اكتشاف النيتروجين كسماد، كرس فريتز أبحاثه لتصنيع الأمونيا. كان يريد أن يصنع لنفسه اسمًا شهيرًا: «لا ننفق أقل قدر ممكن ولكن نكسب أكبر قدر ممكن.» في البداية أسهمت كلارا كثيرًا في عمل زوجها، ولكن دون ذكر اسمها كشريك له.
منذ لحظة اندلاع الحرب في الأول من أغسطس عام ١٩١٤، اتجهت الأبحاث عن الأمونيا كأساس للسماد أكثر وأكثر إلى صناعة المتفجرات والغازات السامة، مثل الكلور والفوسجين وغيرهما من الغازات السامة، من أجل صناعة الحرب.
في الوقت نفسه، واصلت الفجوة بين كلارا وفريتز في الاتساع. كان فريتز مدمنًا على العمل ولا يرغب في قضاء أي وقت مع زوجته وابنه، وكانت كلارا تلقي محاضرات للنساء عن «الكيمياء والفيزياء في التدبير المنزلي». وعبَّرت بهذا عن موقفها المعادي للعسكرية، في مقابل التوجه الوطني لزوجها ومعهده، وقاومت كلارا بكل قوتها بحث زوجها عن الحرب الكيميائية، ووصفت البحث بأنه: «انحراف للعلم». ولم تستطع إقناعه بكارثيَّة بحثه، وعندما ظهرت الآثار المفجعة للكلور كغاز سام، طوره هابر — في إحدى الهجمات الأولى خسر الفرنسيون وحدهم ١٨ ألف شخص — لم تستطع التعايش مع هذه المسئولية. وفي صباح ٢ مايو ١٩١٥، قتلت كلارا نفسها برصاصة في قلبها من مسدس زوجها العسكري.
(…) كان فهمي للحياة دائمًا هو أنها لا تستحق العيش إلا إذا طورت مهاراتك إلى أعلى مستوى ممكن، واختبرت كل ما تستطيع الحياة منحه لك (…).
منذ ١٥ نوفمبر عام ٢٠٠٠، في جامعة دورتموند، يقام مشروع كلارا إميرفير التعليمي، الذي يهدف إلى تشجيع النساء على دراسة الكيمياء.
المراجع
-
Leitner, G. von (1994) Der Fall Clara Immerwahr. Leben für eine humane Wissenschaft, München.
-
Molenaar, L., and Kooiman, p. (1986) Chemie en Samenleving. Van Kleurstof tot Kunstmest, Maastricht/Brussels.
-
Offereins, M. I. C. (1996) Vrouwenminiaturen. Biografische schetsen uit de exacte vakken, Utrecht.
-
Ogilvie, M. and Harvey, J. (eds) (2000) The Biographical Dictionary of Women in Science. Pioneering Lives from Ancient Times to the Mid-20th Century, Routledge, Cambridge, MA/London.
-
Strohmeier, R. (1998) Lexicon der Naturforscherinnen und Naturkundigen Frauen Europas. Von der Antike bis zum 20. Jahrhundert. Thun und Frankfurt am Main.