اشتيفاني هوروفيتس (١٨٨٧–١٩٤٢)
كانت اشتيفاني هوروفيتس كيميائية درست في فيينا في العقد الثاني من القرن العشرين. وقد عملت مع أوتو أونيشميت، خبير الوزن الذري الذي حدد الوزن الذري للراديوم في فيينا وحضَّر البديل الرسمي لمعيار الراديوم في باريس. عُرفت هوروفيتس بتحديد الوزن الذري — بالتعاون مع أونيشميت — للمنتج النهائي لسلسلة تحلل اليورانيوم والثوريوم، مقدمةً دليلًا دامغًا ومقنعًا على وجود النظائر. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة تخلَّت هوروفيتس عن أبحاثها في الكيمياء وانضمت إلى رابطة علم النفس الفردي في فيينا التي أسسها ألفريد أدلر. وفي ١٩٢٤، وبالتعاون مع عالمة النفس أليس فريدمان، أسست هوروفيتس ملجأ للتأهيل النفسي الفردي للأطفال والمراهقين. في ١٩٣٧ غادرت فيينا وهربت إلى وارسو لتنضم إلى أختها، ولكونها يهودية لم تتمكن من الهروب من الاضطهاد النازي، وفي ١٩٤٢ أُرسلت إلى معسكر إبادة تريبلينكا حيث تمت تصفيتها في النهاية.
•••
ولدت اشتيفاني هوروفيتس في وارسو عام ١٨٨٧. كان والدها ليوبولد هوروفيتس ينتمي لدائرة الفنانين المجتمعين حول بلاط الإمبراطور فرانس يوزيف الأول. كان ليوبولد مشهورًا دوليًّا للوحاته ورسوماته، وكان قادرًا على السفر على نطاق واسع من أجل إتمام مهامِّه الفنية. في المعرض العالمي لعام ١٨٧٣ في فيينا حصل على الميدالية الذهبية عن إحدى لوحاته؛ الأمر الذي جعله أكثر شهرة في المملكة النمساوية المجرية. وصل ليوبولد إلى أوج شهرته في ١٨٩٦ عندما طُلب منه رسم لوحة للإمبراطور فرانس يوزيف الأول. مكَّنته هذه المهمة — إلى جانب بعض المهام المربحة الأخرى التي قام بها من أجل الصفوة في فيينا — من الانتقال إلى فيينا في ذلك العام مع أسرته بالكامل، زوجته روزا وبناته الثلاث: جوفيا (١٨٧٧)، ويانينا (١٨٨٢)، واشتيفاني (١٨٨٧) وولديه الاثنين: جيورج (١٨٧٥) وأرمين (١٨٨٠). تلقَّت اشتيفاني ذات الأعوام التسعة تعليمًا منزليًّا وأكملت الشروط المطلوبة لدخول الجامعة في ١٩٠٧. وفي العام نفسه سجلت في كلية الفلسفة بجامعة فيينا على أمل أن تدرس الكيمياء، وفي ١٩١٤ تخرجت حاملة درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية تحت إشراف جيدو جولدشميت.
في الوقت نفسه، دخلت هوروفيتس معهد بحوث الراديوم في فيينا لمساعدة الكيميائي أوتو أونيشميت في التحديد التجريبي للأوزان الذرية للعديد من العناصر المشعة باستخدام تقنيات كيميائية رطبة. بحلول يونيو ١٩١٤ كانت هوروفيتس تعمل مع أونيشميت عن قرب، وأخبر أونيشميت ليزا مايتنر بذلك قائلًا: «نحن نعمل أنا والآنسة هوروفيتس كالعمال. في يوم الأحد الجميل هذا ما زلنا نجلس في المعمل في السادسة مساءً.» قامت هوروفيتس وأونيشميت بتنقية الرصاص من ١٠٠ كجم من كبريتات الرصاص من بتشبليند جواخيمستال، وهي مهمة دقيقة تستغرق وقتًا طويلًا، وقد وُجد أن الوزن الذري للرصاص المشع (٢٠٦٫٧٣) أخف من الرصاص العادي الذي يبلغ وزنه الذري (٢٠٧٫٢١). في ٢٣ مايو ١٩١٤، قدم أونيشميت نتائجهما في مؤتمر «جمعية بنزن» في لايبزيش. وإدراكًا منهما لأهمية عملهما؛ أرسلا مقالهما على الفور أولًا إلى مجلة الكيمياء الشهرية بدلًا من إرساله إلى النشرة السنوية للمعهد، وبعد ذلك بفترة وجيزة نشرا نسخة فرنسية إلى كومت راندو.
بحلول نهاية الحرب العالمية الأولى انقطع التعاون بينهما. قَبِل أونيشميت منصبًا في جامعة ميونخ ومن ثم غادر فيينا، ولأسباب غير معلومة على الإطلاق غادرت هوروفيتس فيينا لفترة قصيرة متخلية عن مسيرتها العلمية. أرجعت أسرتها السبب إلى أنها أرادت مواساة أمها بعد وفاة والدها في ١٩١٧ وعادت إلى وارسو. وفي ١٩٢٤، عادت إلى فيينا وغيرت مهنتها. ومعجبة بعلم النفس الأدلري، انضمت إلى أليس فريدمان في تأسيس ملجأ للأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم. وبسبب الاضطرابات السياسية في الغالب، غادرت هوروفيتس فيينا مرة أخرى وانتقلت إلى وارسو ثانية في ١٩٣٧، وبعد فترة طويلة، أخبر كاسيمير فايانس إليزابيت رونا بأن اشتيفاني انتقلت إلى وارسو لترافق أختها المتزوجة بعد موت والديهما في فيينا.
عندما احتُلت وارسو من قِبل النازيين، تمكنت هوروفيتس وأختها من الهروب من الحي اليهودي الذي بناه الألمان في المدينة. بداية من يوليو ١٩٤٢، أمر الألمان القادة اليهود بالاستعداد لإعادة التوطين في الشرق، وأجبروا اليهود في الحي اليهودي بوارسو على المثول «طوعًا» في ميدان أومشلاجبلاتس بالقرب من السكة الحديد. وقامت هوروفيتس وأختها — خوفًا من أن يلحق الاضطهاد بمن خبئوهما — بالمثول إلى ميدان أومشلاجبلاتس، وكانا من بين آلاف اليهود الذين نُقلوا إلى معسكر إبادة تريبلينكا وقُتلوا هناك.
بحلول نهاية العقد الثاني من القرن العشرين بدأ عدد كبير من أزواج أو مجموعات العناصر المشعة غير القابلة للانفصال كيميائيًّا في التراكم بسرعة شديدة. وكما يوضح لنا فريدريك سودي الأمر باللغة الدارجة: «هذه العناصر تتطابق الأجزاء الخارجية من ذراتها وتختلف الأجزاء الداخلية لها.» وهذه العناصر، المتطابقة في كل صفاتها الكيميائية وغير القابلة للانفصال بأي طريقة من طرق التحليل الكيميائي، أصبح يطلق عليها لاحقًا النظائر. وفي ١٩١٣ نجح سودي في وضع كل العناصر المشعة المعروفة في الجدول الدوري، رغم وجود عناصر أكثر من الأماكن المتاحة. وقد فعل ذلك بوضع أكثر من عنصر مشع في الخانة نفسها، بناءً على الأرقام الذرية للعناصر. وعلى الرغم من أن هذه العناصر كانت تنتمي لسلاسل تحلل مختلفة، فإنها كانت غير قابلة للانفصال كيميائيًّا. من المفاتيح الواعدة لتأكيد هذه المواد المتطابقة وفي الوقت نفسه المختلفة، سلسلة من عمليات تحديد الوزن الذري المقارن للعناصر النظائرية؛ فالعنصر المتوفر بكميات مُرضية هو النظيران المختلفان للمنتج النهائي الأساسي الخامل لسلاسل تحلل اليورانيوم والثوريوم.
كان العمل التجريبي لتحديد الأوزان الذرية عملًا شائكًا، دقيقًا ومستهلكًا للوقت؛ إذ يجب فصل المواد التي سيُحدَّد وزنها الذري في الحالة النقية، وهي مهمة شديدة الصعوبة، وعلى القائم بالتجربة أن يكون قادرًا على تحديد حتى الكميات الدقيقة من المادة التي يمكن أن تضيع أثناء التجربة الكمية. في ذلك الوقت، كان أهم خبير في العالم في هذا المجال هو الكيميائي تيودور ريتشاردز، الأستاذ بجامعة هارفرد والحاصل على جائزة نوبل في ١٩١٤ من أجل التحديد الدقيق للوزن الذري لعدد كبير من العناصر الكيميائية. طلب سودي وكاسيمير فايانس من ريتشاردز تولي تجارب الوزن الذري برصاص من مصادر مشعة. وباستخدام طريقة هارفرد نفسها، مع ميزة جهاز كوارتز، وباستخدام رصاص من بيتشبلند جواخيمستال، قام أوتو أونيشميت، خبير أوزان ذرية آخر — في ذلك الوقت في فيينا — بتكرار التجارب، وبتنفيذ عدة عمليات تكسير وبلورة، حدد وزن الراديوم وأعد معيار راديوم، أصبح فيما بعد البديل الرسمي للأصلي الموجود في باريس.
لم يكن إجراء تجارب الوزن الذري مهمة يستطيع أونيشميت وحده القيام بها، خاصة وأنه قبِل في ١٩١١ إدارة معمل الكيمياء غير العضوية والتحليلية التابع للجامعة التقنية الألمانية في براج، وأصبح أستاذًا منتظمًا هناك. في يناير ١٩١٤، سأل ليزا مايتنر، التي كانت وقتها بالفعل في برلين، ما إذا كانت تعرف شخصًا في فيينا مؤهلًا لمساعدته في مشروع تحديد الأوزان الذرية الخاص به. وبفضل ترشيح مايتنر، وكلت اشتيفاني هوروفيتس بهذه المهمة، وكما كتب أونيشميت بعد شهور قليلة لمايتنر: «أرسل إليكِ تحيات الآنسة هوروفيتس، التي لا تصدِّق أنكِ لا زلتِ تذكرينها. كنا نتناقش للتو في هذا الأمر.»
دائمًا ما تقدِّم حكايات العمل المشترك بين أونيشميت وهوروفيتس — بصرف النظر عما إذا كانت تقلل أو تبالغ في شأن إسهامها — هوروفيتس باعتبارها تحت وصاية أونيشميت؛ فهي «طالبة بحثية» أو مجرد «تلميذته» التي ساعدته في تحديد الوزن الذري للرصاص المشع. تصل محاولات تأكيد الترجمة الظالمة لإسهام هوروفيتس إلى الطرف الآخر من الطيف عن طريق الإشارة إلى «نتائجها» عندما نشرا بالفعل أوراقهما البحثية. في الواقع يُعتبر تحديد سياسات التعاون بين الرجال والنساء الذين يعملون في شراكة من المهام الصعبة، ولا تكشف المنشورات المشتركة عمَّنْ تولَّى القيادة في كل مشروع، ولا عمَّنْ كان المساعد، ولا عمَّن تلقى المساعدة. في حالة التعاون بين أونيشميت وهوروفيتس، ما من شك في أنه كان الشريك الناضج وقائد الفريق؛ فقد عرَّفَ هوروفيتس بتجارب تحديد الوزن الذري، ورحب بها في كلٍّ من معهد الراديوم وفي معمله في براج. وفي رسالة لصديقه ماكس لمبرت، أبلغ أونيشميت تحيات هوروفيتس قائلًا: «مع أطيب تمنيات السيدة الدكتورة هوروفيتس، الخريجة الجميلة.» كانت هوروفيتس بلا شك أكثر من مجرد مساعِدة متمكنة تتبع تعليمات مرشدها.
أكدت ذلك الطريقة التي شرح بها أونيشميت لمايتنر مشروعه البحثي في ١٩١٤، مؤكدًا دور هوروفيتس في عمله، «نحن الآن نفصل الرصاص من بيتشبلند جواخيمستال النقي … نأمل أننا في الأسبوعين القادمين قبل الإجازات سوف نحلل تجهيزات الرصاص هذه …» في ١٩٢٢ كان فريدريك سودي قد أقر في محاضرة نوبل الخاصة به بوجود هوروفيتس كشريكة أونيشميت، وهو عكس ما قاله فريق ريتشارد في هارفرد تمامًا، «في الوقت نفسه، العمل على الرصاص من معادن اليورانيوم من قِبل تي دبليو ريتشاردز وطلابه في هارفرد، ومن قِبل أونيشميت والآنسة هوروفيتس، أعطى قيمًا كلها تحت الرقم الدولي.»
كما يشير المؤرخ لورانس باداش، قدم أونيشميت وهوروفيتس التأكيد الأكثر إقناعًا على وجود النظائر، وفي الوقت نفسه التأكيد على العمل الذي تم في ثلاثة معامل أخرى في جميع أنحاء العالم. واستمرَّا في النشر معًا عن الأوزان الذرية لليورانيوم والثوريوم والأيونيوم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. بالإضافة إلى ذلك، بيَّن بحثهما أن الأيونيوم ليس عنصرًا منفصلًا ولكنه مجرد نظير للثوريوم. وتركت هوروفيتس بحوثها في الكيمياء مبكرًا جدًّا، وبدأت مهنة مختلفة؛ عالمةً في علم النفس الفردي في فيينا، منضمة إلى مدرسة أدلر الفكرية.
المراجع
-
Keintzel, B. and Korotin I. (eds) (2002) Wissenschafterinnen in und aus Ősterreich, Böhlau Verlag, Wien.
-
Rayner-Canham, M. and Rayner-Canham, G. (2000) Stefanie Horovitz, Ellen Gleditsch, Ada Hitchins, and the discovery of isotopes, Bulletin for the History of Chemistry, 25 (2), 103–109.
-
Rayner-Canham, M. and Rayner-Canham, G. (1997) Stefanie Horovitz: A Crucial Role in the Discovery of Isotopes in A Devotion to Their Science: Pioneer Women in Radioactivity (eds M. Rayner-Canham and G. Rayner-Canham), McGill-Queen’s University Press, Montreal, and Chemical Heritage Foundation, Philadelphia, pp. 192–195.
-
Rentetzi, M. (2008) Trafficking Materials and Gendered Experimental Practices: Radium Research in Early Twentieth Century Vienna, Columbia University Press, New York.