جيرتي تيريزا كوري (١٨٩٦–١٩٥٧)
جيرتي كوري هي ثالث امرأة — بعد ماري كوري وإيرين جوليو-كوري — تحصل على جائزة نوبل، وكانت أول امرأة تحصل على جائزة نوبل في الطب. وقد تلقَّت الجائزة في ١٩٤٧ مع زوجها لاكتشافهما التحويل التحفيزي للجليكوجين.
•••
ولدت جيرتي تيريزا رادنيتز في ١٥ أغسطس ١٨٩٦ في براج، وكانت الابنة الكبرى لمارتا وأوتو رادنيتز نويشتادت، الذي كان كيميائيًّا ومديرًا لعدد من معامل تكرير السكر.
كان لجيرتي أختان أصغر سنًّا منها، هما لوتا وهيلدا.
وكما كان شائعًا لدى من هم في طبقتها الاجتماعية في تلك الأيام، تلقَّت جيرتي تعليمها في المنزل إلى أن أصبحت في العاشرة من عمرها، وبعد ذلك ذهبت إلى مدرسة للبنات حيث تخرجت فيها عام ١٩١٢. لم تكن هذه الشهادة تؤهلها للالتحاق بالجامعة، حيث أرادت أن تدرس الكيمياء، ومع ذلك في سن السادسة عشرة قررت أن تدرس الطب؛ ولذا ذهبت إلى المدرسة الثانوية وهناك اجتازت الاختبار النهائي بعد سنتين.
في ١٩١٤ قُيدت جيرتي كطالبة في كلية الطب جامعة براج؛ لأنها اكتشفت أنها تستطيع دراسة الكيمياء الحيوية هناك. وأثناء عامها الأول قابلت جيرتي كارل فرديناند كوري الذي بدأ دراسته في العام نفسه. وقد كتب كارل بعد أكثر من خمسين عامًا أنه منذ اللحظة التي التقيا فيها كان مبهورًا «بسحرها وذكائها وحيويتها وروحها المرحة». ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا كانا يدرسان معًا إلى أن جُنِّد كارل في الجيش النمساوي في الحرب العالمية الأولى، وفي ١٩١٨ عاد إلى براج حيث واصل دراسته. وبدأ تعاون جيرتي وكارل مرة أخرى واستمر حتى وفاتها في ١٩٥٧، وفي ١٩٢٠ حصل كلٌّ من جيرتي وكارل على شهادة الطب.
نظرًا لأن كارل كان يريد التركيز على الجانب العلمي من الطب؛ فقد انتقل إلى فيينا، وهناك قسم وقته بين عيادة الجامعة للطب الباطني ومعهد الصيدلة.
بعد ستة أشهر لحقت به جيرتي، وفي ٥ أغسطس عام ١٩٢٠ تزوج كارل كوري وجيرتي رادنيتز.
بعد زواج جيرتي واصلت مسيرتها المهنية وحصلت على وظيفة في فيينا مساعِدة في مستشفى كارولينن للأطفال، حيث تخصصت في طب الأطفال. ومع ذلك، وعلى غرار زوجها، كانت جيرتي مهتمة بالعمل العلمي الأساسي المحض.
نتيجة لاضطراب الأوضاع في أوروبا، قرر كارل وجيرتي أن يغادرا أوروبا بأي ثمن، فحصل كارل على وظيفة بمعهد ولاية نيويورك لدراسة الأمراض الخبيثة في بافالو (الآن معهد روزويل بارك التذكاري) حيث تتم معالجة المرضى بالأشعة السينية وأشعة الراديوم، وفي ١٩٢٢ غادر إلى «نويا فيلت»، ومرة أخرى لحقت جيرتي بزوجها بعد ستة أشهر.
خلال الخمسة والعشرين عامًا التالية كان عليها أن تقبل مناصب أدنى، وبأجور أقل، وأحيانًا بلا أجر إطلاقًا. عملت أخصائية أشعة في المعهد نفسه الذي عمل به كارل. كان العمل في معظمه روتينيًّا، وقضت جيرتي الكثير من وقتها المتبقي في مساعدة زوجها في أبحاثه، وعارض مدير المعهد ذلك بضراوة؛ ومن ثم عمدت منذ ذلك الوقت إلى إجراء أبحاثها لكارل في سرية أكبر. منذ بداية علاقتهما كان الزوجان كوري متوافقين تمام الاتفاق أحدهما مع الآخر: فخارج عملهما كانا يمارسان نفس الهوايات ولديهما نفس الاهتمامات، وكانا يناقشان معًا تجاربهما التي أدت إلى نتائج ممتازة، وكثيرًا ما كان أحدهما يبدأ الجملة لينهيها الآخر، وكان معارفهما يقولون عن هذا التعاون: يبدو كأن الاثنين يستخدمان عقلًا واحدًا. كانت دقة عملهما هي السمة المميزة لهما، ووفقًا لجيه لارنر، الذي كتب سيرتها الذاتية، كانت جيرتي: «بلا شك مسئولة مسئولية أساسية عن تطوير المنهجية التحليلية الكمية.»
كانت السنوات التي قضاها الزوجان كوري في بافالو مهمة بالنسبة لهما؛ ففي هذا المكان أتيحت لهما الفرصة للتأقلم مع الحياة الأمريكية والعثور على البيئة الملائمة لأبحاثهما، وأنتجا ما يقرب من ١٠٠ منشور، فأثناء العشرينيات من القرن العشرين أجريا بحثًا عن استخدام الجلوكوز في العضلات، وبحلول ١٩٢٩ تمكنا من شرح كيفية حصول الثدييات على الطاقة اللازمة للتمرينات العضلية الثقيلة. وفقًا لنظريتهما، ينتقل الجلوكوز في دورة من العضلة للكبد ثم للعضلة مرة أخرى، وأطلقا على ذلك دورة الكربوهيدرات، وأطلق الجميع عليها «دورة كوري».
في ١٩٢٨ أصبح الزوجان كوري مواطنين أمريكيين عاديين.
عندما عُيِّن كارل كوري أستاذًا في جامعة واشنطن بسانت لويس بولاية ميزوري، تبعته جيرتي وعُينت مساعد باحث في الصيدلة. وهنا أيضًا قامت بمعظم عملها في منصب أدنى، وكان راتبها ١٥٠٠ دولار، وهو ما يساوي عشرين في المائة من راتب كارل، ولكنه كان أفضل بكثير من أي عرض تستطيع الحصول عليه في أي مكان آخر. في ١٩٣٦ عزل الزوجان كوري من عضلات ضفدع أحادي فوسفات الجلوكوز (يطلق عليه حاليًّا أيضًا إستر كوري)، الذي لم يكن وسيطًا معروفًا في تركيب الجلوكوز حتى تلك اللحظة.
في الوقت نفسه، كان قد بدا واضحًا أن الإنزيمات مهمة جدًّا في هذه العملية؛ ولذا غيَّر آل كوري اتجاه أبحاثهما نحو علم الإنزيمات، وأدى هذا إلى اكتشاف إنزيم فوسفوريلاز، الذي يحلل الجليكوجين إلى إستر كوري. بعد سنوات قليلة نجح معملهما في بلورة الفوسفوريلاز، ومن بعدها راحا يكتشفان إنزيمًا تلو الآخر، وكان لعملهما أثر عظيم على أبحاث مرض السكر وغيره من الأمراض الأيضية وعلاجها.
في أغسطس ١٩٣٦ كان على جيرتي أن تقاطع أبحاثها لأسباب خاصة؛ فقد رُزقت ابنها كارل توماس. عندما داهمتها آلام الولادة، كانت لا تزال تعمل في معملها، حتى إنها حُملت منه مباشرة إلى مستشفى الولادة، وبعد ساعات قليلة وضعت مولودها، وبعد ثلاثة أيام عادت مرة أخرى إلى معملها.
في ١٩٤٣ (أو ١٩٤٤، اختلفت المصادر بخصوص هذا التاريخ) أصبحت جيرتي أستاذًا مشاركًا للكيمياء الحيوية في جامعة واشنطن، وأخيرًا في ١٩٤٧ شغلت منصب أستاذ في الجامعة.
مُنح الزوجان جائزة نوبل عن اكتشافهما التحويل التحفيزي للجليكوجين في ١٩٤٧، بالمشاركة مع الأرجنتيني ألبرتو برناردو هوسيه؛ وبذلك كانت جيرتي كوري أول امرأة تحصل على جائزة نوبل في الطب، كما كانت أول امرأة أمريكية تحصل على جائزة نوبل في الأساس. قبل أسابيع قليلة من ذهاب جيرتي إلى حفل توزيع الجوائز، أخبرها طبيبها أنها تعاني من نوع فتاك من الأنيميا يطلق عليه الآن التليف النَّقوي وأنها ستعتمد فيما بقي من حياتها على نقل الدم.
خلال العقد الأخير من حياتها، وبالرغم من مرضها الخطير، واصلت جيرتي العمل، واكتشفت أن ثمة عيبًا وراثيًّا هو السبب في تراكم الجليكوجين المرضي الإنزيمي في الأطفال.
في ٢٦ أكتوبر عام ١٩٥٧ توفيت جيرتي كوري بمرض في الكُلَى، عن عمر يناهز ٦١ عامًا.
المراجع
-
Fölsing, U. (1191) Nobel-Frauen. Naturwissenschaftlerinnen im Portraet, Verlag C. H. Beck Munich.
-
Kerners, C. (1991) Nicht nur Frauen Marie Curie … Frauen die den Nobel Prize Bekamen, Beltz Verlag, Weinheim und Basel.
-
McGrayne, B. S. (1996) Nobel Prize Women in Science. Their Lives, Struggles and Momentous Discoveries, Birch Lane Publishers, New York.
-
Pycior, H. M., Slack, N. G., and Abir-Am, p. G. Creative Couples in the Sciences (eds.) Rutgers University Press, New Brunswick, New Jersey.
-
Strohmeier, R. (1998) Lexicon der Naturwissenschaftlerinnen und naturkundigen und Frauen Europas. Von der Antike bis zum 20. Jahrhundert. Harri Deutsch Verlag, Thun und Frankfurt am Main.