دوروثي كروفوت هودجكين (١٩١٠–١٩٩٤)
كانت دوروثي هودجكين ثالث امرأة تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء والأخيرة على مدار خمسة وأربعين عامًا تالية.
في وصف ماكس إف بيروتس (الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام ١٩٦٢) لشخصية دوروثي كروفوت هودجكين العلمية كتب الآتي: «كان لديها الشجاعة والمهارة وقوة الإرادة الخالصة لتوسيع المنهج (التحليل الطيفي للأشعة السينية) إلى مركبات أكثر تعقيدًا بكثير من أي مركبات تمت تجربتها من قبل … جاءت مهارة دوروثي هودجكين المبهرة في حل المركبات المعقدة من كلٍّ من المهارة اليدوية والقدرة الرياضية والمعرفة العميقة بالتحليل الطيفي والكيمياء. وكثيرًا ما كان ذلك يؤدي بها، هي وحدها، للتعرف على ما تريد المخططات المشوشة الناتجة عن تحليل الأشعة السينية قوله.»
•••
في أوائل الأربعينيات، قام تشين وفلوري بعزل البنسيلين في أكسفورد، وحاول بعض أفضل علماء الكيمياء الوصول إلى تركيبته الكيميائية دون جدوى. وكانت دوروثي هودجكين وزملاؤها أول العلماء الذين استخدموا تحليل الأشعة السينية، وليس الكيمياء، لتحديد الترتيب التركيبي للبنسيلين، ونجحوا في ذلك في عام ١٩٤٥. تبع ذلك في سنوات لاحقة اكتشاف تركيب بعض الجسيمات المعقدة مثل فيتامين ب١٢ وحتى بروتين الإنسولين، الذي يُعَدُّ أكبر ألف مرة من فيتامين ب١٢. هذه الاكتشافات جعلت من الممكن تصنيع هذه المواد الحيوية وتوفير احتمالات علاجات طبية غير مسبوقة للأمراض التي لم يكن لها علاج من قبل.
وتقول دوروثي هودجكين فيما بعد: «أصبحت أسيرة طوال حياتي للكيمياء والبلورات، عندما تعلمت كيف أصنع محاليل أستطيع من خلالها عمل البلورات.» في سن العاشرة تقريبًا، التحقت بمدرسة خاصة صغيرة، منشأة من قِبل أولياء أمور لهم رؤى مستقلة، وهناك حضرت دروسًا في الفيزياء والكيمياء، وهي مواد لم تكن جزءًا من منهج معظم المدارس الابتدائية، ولا سيما تلك الخاصة بالبنات. واصلت تجاربها الكيميائية في معملها الذي أنشأته في عُلِّيَّة البيت. وفي السادسة عشرة من عمرها اشترت لها أختها مولي كتابين من تأليف العالمين براج، الأب والابن، اللذين رسخا استخدام الأشعة السينية في دراسة التركيب الذري للمواد. وتتذكر فيما بعد قائلة: «كنت مفتونة بطريقة الحصول على هذه المعرفة (ترتيب الذرات) — عن طريق تمرير الأشعة السينية خلال البلورات ودراسة تأثيرات الحيود الذي تنتجه الذرات على الأشعة السينية. بدأت أرى حيود الأشعة السينية كوسيلة لاكتشاف إجابة الكثير من الأسئلة التي تثيرها الكيمياء المدرسية ولكنها تتركها بلا إجابة — كالأسئلة المتعلقة بتركيب المواد الصلبة والمواد الحيوية.»
قضت معظم تعليمها الثانوي في مدرسة سير جون ليمان في مدينة بيكلز، بسافيك، حيث كان يسمح لها هي ولفتاة أخرى بالانضمام إلى البنين في دروس الكيمياء.
كانت نسبة الطلاب البنين إلى البنات في أكسفورد، حيث بدأت دراساتها في الكيمياء، هي نفس النسبة تقريبًا؛ ففي ذلك الوقت كان حوالي ١٠ في المائة من الطلاب الخمسة آلاف في أكسفورد من البنات، وكان عدد الفتيات اللائي يرغبن في دراسة العلوم أو الرياضيات ضئيلًا على نحو خاص. وفي العام الذي كانت تدرس فيه، كان عدد الفتيات اللائي يدرسن الكيمياء كبيرًا بشكل مدهش: خمس بنات في كليات البنات الخمس. في ١٩٣٣ ذهبت دوروثي كروفوت إلى كامبريدج لتبدأ العمل في الدكتوراه الخاصة بها مع جيه دي برنال، وقاما بتسجيل نمط حيود الأشعة السينية الخاص بالببسين، الذي كان أول بروتين كروي يتم تحليله بهذه الطريقة. في ذلك الوقت (١٩٣٤) كانت دوروثي تعاني من بداية حالة خطيرة من التهاب المفاصل الروماتويدي الذي تفاقم تدريجيًّا حتى أقعدها تمامًا بقية حياتها.
لتحديد تركيب البنسيلين، استُخدم أول أجهزة كمبيوتر تناظرية من إنتاج شركة آي بي إم لحسابات الأشعة السينية؛ ولذا كانت دوروثي هودجكين أول من استخدم أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية في مسائل الكيمياء الحيوية.
وقد انشغلت بمسألة جديدة عندما طلب لستر سميث من شركة جلاكسو للأدوية مساعدتها في خطاب عام ١٩٤٨: «قمت مؤخرًا بعزل العامل المسئول عن علاج مرض فقر الدم الفتاك من الكبد، كبلورات تشبه الإبرة الحمراء، ونحن نرغب في معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن تركيب التحليل الطيفي … ونتساءل إنْ كانت لديكِ الرغبة والاهتمام الكافيين لإجراء بعض قياسات الأشعة السينية على البلورات …» وكان لديها الرغبة والاهتمام! استغرق حل تركيب البلورة، وفيتامين ب١٢ منها ومن زملائها ثمانِي سنوات، وكشفت أول صور لحيود الأشعة السينية أن فيتامين ب١٢ يتكون من أكثر من ألف ذرة في حين أن البنسيلين يتكون من ٣٩ فقط، ويتضمن الفيتامين نظامًا حلقيًّا مختلفًا عن أي شيء شوهد من قبل. وقد بينت المعلومات التي عرفت عن تركيب الفيتامين والذرات المكونة له بعض الدلائل على وظيفته وسهلت عملية تخليقه. وكما هو الحال مع البنسيلين، وفيما بعد الإنسولين، كانت له قيمة علاجية واضحة، وقد نشرت النتائج في مجلة «نيتشر» في ١٩٥٥ و١٩٥٦.
في ١٩٦٤ مُنحت دوروثي كروفوت هودجكين جائزة نوبل في الكيمياء «تقديرًا لتحديدها تركيب مواد بيولوجية مهمة باستخدام تقنيات الأشعة السينية.» ولمدة ٤٥ عامًا تالية لم تَفُزْ أي امرأة أخرى بجائزة نوبل في الكيمياء، إلى أن فازت بها عادا يونات في ٢٠٠٩ (التي ولدت عام ١٩٣٩ في القدس) في الكيمياء تقديرًا لدراساتها في تحديد تركيب الريبوسومات ووظيفتها باستخدام التحليل الطيفي للأشعة السينية، وهي طريقة فيزيائية استُخدمت لأول مرة في الكيمياء على يد دوروثي هودجكين.
كان الاستكشاف التحليلي لتركيب هرمون الإنسولين تحديًا طويلًا، وفي النهاية أسهم تقدم تكنولوجيا الكمبيوتر في القدرة على حساب النتائج على نحو هائل. بدأت دوروثي هودجكين اهتمامها بالإنسولين في ١٩٣٤ عندما أعطاها روبرت روبنسون عينة صغيرة لتصويرها. وقد وصفت اللحظة التي رأت فيها «النمط الأساسي للانعكاسات الدقيقة» (في الصورة) بأنها «في الغالب أكثر لحظات حياتي إثارة.» وقد أكملت فك شفرة التركيب ثلاثي الأبعاد لبروتين الإنسولين بعد ٣٥ عامًا، في ١٩٦٩.
كانت دوروثي هودجكين مهتمة اهتمامًا خاصًّا منذ طفولتها بالسلام الدولي، وشجعها على ذلك في البداية أمها التي فقدت إخوتها الأربعة في الحرب العالمية الأولى. وقد ظهرت مثاليتها في دعمها وتشجيعها للطلاب والعلماء من جميع أنحاء العالم، بصرف النظر عن انتمائهم لبلدان شيوعية أو رأسمالية. وبمجرد أن أصبحت مشهورة عندما حصلت على جائزة نوبل بدأت حملة دولية تدعو إلى السلام وإلى نزع السلاح. وعلى النقيض من بعض أصدقائها وزملائها المقربين لم تنضم مطلقًا إلى الحزب الشيوعي، ولكنها انضمت لعدد من المنظمات المرتبطة به مثل «العلم من أجل السلام» و«الحملة من أجل نزع السلاح النووي». ومع ذلك؛ فقد رُفض طلبها بالحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة الأمريكية في ١٩٥٣ ولم تُمنح لها حتى ١٩٩٠، في حين دعاها السوفييت لزيارة الاتحاد السوفييتي ومنحوها ميدالية ميخائيل لومونوسوف الذهبية الخاصة بالأكاديمية السوفييتية للعلوم في ١٩٨٢ وجائزة لينين للسلام في ١٩٨٧، وغير ذلك من الجوائز. في ١٩٧٦ رُشحت لبعض السنوات لمنصب رئيس منظمة مؤتمر «باجواش» للعلوم والشئون الدولية والتي «تهدف إلى جمع العلماء والشخصيات العامة المؤثرة المهتمة بالحد من مخاطر الصراعات المسلحة وإيجاد حلول تعاونية لمشاكل العالم». وتبدو أهداف باجواش مشابهة إلى حد بعيد لمعتقداتها الشخصية. ويذكر صديقها وزميلها ماكس إف بيروتس رئاستها قائلًا: «في مواجهة وجهات النظر المتعارضة تمامًا، التي غالبًا ما كان يعبر عنها العلماء من الشرق والغرب أو الشمال والجنوب بغضب، كان القليل من الكلمات الرقيقة الحكيمة بصوتها الهادئ تهدِّئ النفوس وتنهي الأزمات.»
المراجع
-
Cochran, W. (1996) Dorothy Mary Crowfoot Hodgkin, OM, FRS. The Royal Society of Edinburgh Year Book, Session 1994-1995.
-
Cohen, L. J. (1996) Dr. Dorothy Crowfoot Hodgkin: Chemist, Crystallographer, Humanitarian (1910–1994). http://nobelprizes.com/nobel/chemistry/dch.htlm.
-
Dodson, G, Glusker, J. p. and Sayre D. (Eds.) (1981) Structural Studies on Molecules of Biological Interest: A Volume in Honour of Professor Dorothy Hodgkin, The Clarendon Press, Oxford.
-
Ferry, G. (1998) Dorothy Hodgkin, A Life, Granta Books, London.
-
Fölsing, U. (1994) Dorothy Hodgkin-Crowfoot, Chemie-Nobelpreis 1964 in Nobel-Frauen. Naturwissenschaftlerinnen im Porträt, Beck, München.
-
Glusker, J. p. and Adams, M. J. (1995) Dorothy Crowfoot Hodgkin (1910–1994). Physics Today, May 1995.
-
Perutz, M. F. (1995) Dorothy Crowfoot Hodgkin. Crystallographers Online.