إميلي لو تونيلير دي بروتي، ماركيزة شاتليه (١٧٠٦–١٧٤٩)
كانت واحدة من أشهر النساء المتعلمات، وكان لها تأثير عظيم على فولتير وأعماله، وبفضل ترجمتها كتاب «مبادئ الرياضيات» لنيوتن إلى الفرنسية وإضافة تعليقاتها، أثرت تأثيرًا كبيرًا على تعريف الفرنسيين بأفكار نيوتن.
•••
ولدت جابرييل إميلي لو تونيلير دي بروتي في فرنسا عام ١٧٠٦، وكان أبوها نيكولاس بروتي لو تونيلير بارون دي براتوي رئيس التشريفات في البلاط الملكي، قد سبَّب في شبابه الكثير من الفضائح. وعندما كان في الخامسة والأربعين من عمره، تزوج من جابرييل آن دي فروليه، التي لا نعرف عنها أكثر من أنها أتت من طبقة النبلاء وتلقَّت تعليمها في الدير. كان التعليم الذي منحاه لأطفالهما يتكون أساسًا من نصائح مثل: «نظِّف أنفك في منديلك»، و«لا تصفف شعرك في الكنيسة أبدًا.»
أثارت إميلي إعجاب والدها بذكائها وهي طفلة؛ لدرجة أنه اقتنع أن تلقِّيها المزيد من التعليم لن يضيع هباءً. علاوة على ذلك؛ نظرًا لأنها لم تَفِ بمعايير جمال عصرها؛ حيث كانت أطول ممن هن في سنها، وقيل إن لها «بشرة تشبه المِبْشَرة»؛ فقد حُكِم عليها منذ مولدها بالعنوسة؛ ولذا كانت في حاجة إلى تعليم جيد. ومنذ بلغت السادسة، تلقَّت رعاية أفضل المربيات والمعلمات المتاحة. كانت تتمتع بحس لغوي فطري، وسرعان ما أتقنت الإنجليزية واللاتينية والإيطالية. ودرست ميلتون وفيرجيل وتاسو وترجمت الإنياذة. وفي التاسعة عشرة من عمرها تزوجت ماركيز شاتليه البالغ من العمر أربعة وثلاثين عامًا؛ وبسبب كونه كولونيلًا في سلاح الحرس، فكثيرًا ما كان يبتعد عن البيت لفترات طويلة، وأثناء غيابه لم يكن لدى إميلي وقت للسأم؛ فقد كانت تسلي نفسها بمجموعة من العشاق.
بالنسبة لمظهرها، تباينت الآراء: كان النساء يَرَيْنها قبيحة، أما الرجال فكانوا يعتقدون أنها تتمتع بجاذبية شديدة.
في أول عامين من زواجهما رُزقا طفلين، بنتًا وولدًا، وعندما كانت إميلي في السابعة والعشرين، أنجبت ولدًا آخر. بعد ولادته بدأت، إثر نصيحة ديوك دو ريشيليو (حفيد أخي الكاردينال)، في دراسة الرياضيات والفلسفة الطبيعية بجدية، ولم يستطع زوجها ولا أطفالها منعها من أن تحظى بحياة اجتماعية نشطة في البلاط أيضًا؛ حيث انتقلت إلى الدائرة الحميمة للملكة.
وهنا وقعت إميلي في «خطأين لا يغتفران»: رفضت إنهاء دراستها؛ وهو الأمر الذي كان يُعتبر غير لائق بالمرة بالنسبة لامرأة، والأسوأ من ذلك أنها في ربيع عام ١٧٣٣ بدأت علاقة مع فولتير، الذي ظل رفيقها فيما بقي من حياتها، حتى عندما وقع كلاهما في حب شخص آخر لاحقًا. أما بالنسبة لفولتير، فبعد نشر كتابه «رسائل فلسفية» (الذي أعلن فيه الأفكار العقلانية لعصر التنوير وسُمي أيضًا «رسائل إنجليزية»)، أصبح معرَّضًا لخطر محدق في باريس؛ ولذلك أقنعت إميلي زوجها أن يَأوي فولتير في ضيعتهما بسيراي سير بليز في لورين، على مسافة آمنة من البلاط، وعملا معًا على ترميم القلعة المتهدمة. كان ثمة مكتبة ضخمة ومعمل كامل التجهيز، يحتوي على أفران ومضخات هواء وتليسكوب وميكروسكوب، حيث تستطيع إميلي القيام بتجاربها. وفي هذا المكان زارها أهم علماء عصرها، ومن بينهم بيير-لوي مورو دي موبيرتوس، أحد رواد الرياضيات والفلك في عصره، وتلميذه عالم الرياضيات يوهان صامويل كونيج، وأليكسي كلود كليرو، والإخوة برنولي. كانت مقابلة هؤلاء العلماء شديدة الأهمية لإميلي لدرجة أنها كانت ترتدي زي الرجال ليسمحوا لها بالدخول إلى المقاهي حيث تقام مناقشاتهم.
تأثرت إميلي أيما تأثُّر بموبيرتوس الذي صاحبها في دراساتها، كذلك ساعدها كونيج لفترة قصيرة في دراساتها، ولكنهما أنهيا التعاون فيما بينهما إثر اختلافهما في وجهات النظر.
بالتأكيد لم تكن الحياة في سيراي تقتصر على الدراسة؛ فنظرًا لأن فولتير كان محبًّا للمسرح، نظمت «إميلي الجميلة» أداء مسرحيات كاملة على نحو منتظم.
كانت تذاكر بكثرة، حتى قيل إنها لم تكن تحتاج للنوم أكثر من ساعتين كل ليلة وإنها كانت بصحة ممتازة.
كتبت أول منشور لها: «عن طبيعة النار» (١٧٣٨) لأن رأيها كان مخالفًا لرأي فولتير في هذا الموضوع. كتبت هذا العمل ليلًا في السر. وعندما كانت تشعر بالنعاس، كانت تغمس يديها في ماء مثلج لتظل يقظة.
ومن اللحظة التي استطاع فيها فولتير أن يُظهر نفسه في باريس مرة أخرى، قسَّم هو وإميلي وقتهما بين باريس وسيراي.
كان كلٌّ من فولتير وموبيرتوس معجبَين بأفكار نيوتن ومتحمسَين لنشر الأفكار «النيوتنية» في فرنسا؛ ولذا فقد جعل موبيرتوس من أفكار نيوتن موضوعًا ذائعًا في الصالونات، وشجع فولتير إميلي على ترجمة أعمال نيوتن. هذه المرة كتبت إميلي «دروس في الفيزياء» (١٧٤٠) لتستخدمه في تعليم ابنها. كانت الكتب المعتادة لتعليم الفيزياء عمرها ٨٠ عامًا في ذلك الوقت، وأرادت إميلي كتابًا يحتوي على الأفكار الحديثة لليبنيتز ونيوتن. وانتقم صامويل كونيج بإخبار الجميع في باريس أن هذا العمل كان مجرد تكرار لمحاضراته. بعد ذلك ترجمت «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» لنيوتن، وأضافت تعليقاتها الجبرية الخاصة. ولا شك أن هذه الكتب قد أثرت على فولتير؛ ولذا يمكن وضع إميلي بين العلماء المعروفين من أمثال كليرو والإخوة برنولي وميران وموبيرتوس.
في ١٧٤٨ بدأت إميلي علاقة مع ماركيز سانت لامبرت، وهو أحد رجال الحاشية الملكية وشاعر من الدرجة الثانية. وعندما اكتشفت أنها حامل من حبيبها، ساعدها فولتير على تنظيم زيارة من زوجها إلى سيراي. وغادر بعد ثلاثة أسابيع، معتقدًا أنه سيكون أبًا مرة أخرى. ولدت طفلة في أول سبتمبر ١٧٤٩، وكتب فولتير أن البنت وُلِدَت أثناء عمل أمها في كتابة ملاحظاتها على نيوتن. ووُضِعت المولودة على كتاب هندسة، في حين راحت إميلي تجمع أوراقها حتى حُمِلت إلى فراشها. وسار كل شيء على ما يرام إلى أن توفيت إميلي فجأة، غالبًا نتيجة حمَّى النفاس، أو كما تقول مصادر أخرى، نتيجة انصمام رئوي، وبعد أيام قليلة توفيت ابنتها هي الأخرى.
اشتهرت إميلي دي شاتليه في فرنسا بالرسائل التي تركتها وبكتابها «أحاديث عن السعادة».
ولم يختلف أحد على ذكائها وشخصيتها.
كتب فريدريك الثاني ملك بروسيا عنها لفولتير: «إنه من دواعي فخري واعتزازي أن تتذكرني إميلي. أرجو أن تتكرم بإخبارها أنني أكِنُّ لها احترامًا شديدًا، وأنها بالنسبة لأوروبا تنتمي إلى الرجال العظماء (!)»
المراجع
-
Alic, M. (1986) Hypatia’s Heritage, a History of Women in Science from Antiquity to the Late Nineteenth Century, The Women’s Press, London.
-
Ehrman, E. (1986) Mme Du Châtelet, Scientist, Philosopher and Feminist of the Enlightenment, Berg Publishers, Oxford.
-
Mozans, H. J. (1974) Woman in Science, with an introductory chapter on woman’s long struggle for things of the mind, facsimile of the 1913 edn, MIT Press, Cambridge, MA.
-
Mozans, H. J. (1913/1991) Women in Science, University of Notre Dame Press, New York, Notre Dame, Indiana/London.
-
Ogilvie, M. B. and Harvey, J. (eds) (2000) The Biographical Dictionary of Women in Science. Pioneering Lives from Ancient Times to the Mid-20th Century. Routledge, Cambridge, MA/London.
-
Osen, L. M. (1974) Women in Mathematics, The MIT Press, Cambridge, MA.
-
Phillips, p. (1990) The Scientific Lady, a Social History of Woman’s Scientific Interests 1520–1918, Weidenfeld and Nicholson, London.
-
Schiebinger, L. (1989) The Mind Has No Sex? Harvard University Press, Cambridge, MA.