أموال الرجل الميت
اندهشتُ كثيرًا من هذا الاقتراح المُذهل، لدرجةِ أنني لم أملك عندئذٍ سوى التحديق فيه، وقبل أن يكون بوسعي أن أستجمِع قُدرتي على الحديث، طرح عليَّ سؤالًا سريعًا.
حيث سأل: «أظنُّ أن ليندسي لن يقِف في طريقك، أليس كذلك؟» وتابع: «مثل هذه الوظائف يتهافت عليها الجميع، كما تعلم.»
أجبتُه: «لن يقِف السيد ليندسي في طريقي، يا سير جيلبرت.» وأضفت: «ولكن …»
قال، وقد لاحظ تردُّدي: «ولكن ماذا؟» ثم أضاف: «هل هي وظيفة لا تهتمُّ بها، إذن؟ إن راتبها هو خمسمائة جنيه في السنة؛ وهي وظيفة دائمة.»
مع الغرابة التي ربما بدا عليها الأمر، مع أخْذ جميع الظروف في الاعتبار، لم يخطر ببالي للحظةٍ واحدة مُطلقًا أن الرجل كان يشتري صمتي، ويشتريني. لم يجُل طيفُ مثل هذه الفكرة في رأسي، وعبَّرت عمَّا كان في ذهني في كلماتي التالية.
فقلت: «بالطبع أودُّ الحصول على وظيفةٍ كهذه، يا سير جيلبرت.» وتابعت: «لكن ما أُفكِّر فيه هو: هل أنا مُناسب لها؟»
ضحك من ذلك، وكأن إجابتي أعجبته.
وقال: «حسنًا، لا شيء أفضل من لمحة تواضُع، يا مونيلوز.» وتابع: «إذا كنتَ تستطيع أن تؤدي كلَّ ما تحدَّثنا عنه للتو، فأنت مناسِب لي جدًّا. أنا مُعجَب بمظهرك، وأنا مُتأكد من أنك من النوع الذي سيؤدي مهام الوظيفة على أكمل وجه. إن الوظيفة تحت تصرُّفك، إن كنتَ ترغب في شغلها.»
كنتُ لا أزال أُغالب دهشتي. خمسمائة جنيه في السنة! ووظيفة دائمة! بدت ثروةً لشابٍّ في سِني. وكنتُ أحاول أن أجد الكلمات المناسبة لأقول كلَّ ما كنتُ أشعر به، عندما تكلَّم مرة أخرى.
وقال: «انظر هنا!» وتابع: «دعْنا لا نُرتِّب هذا كما لو كنَّا قد فعلناه من وراء ظهر صاحب عملك الحالي؛ فأنا لا أودُّ أن يظنَّ السيد ليندسي أنني تجاهلتُه كي أحصل عليك. دعِ الأمر يتمُّ على هذا النحو: سأزور السيد ليندسي بنفسي، وأُخبره أنني أُريد مديرًا لأعمالي ومُمتلكاتي، وأنني سمعتُ كلامًا طيبًا عن مُتدرِّبه، وأنني سأوظِّفك بناءً على توصيته. وهو من النوع الذي سيمنحك توصيةً قوية على سبيل المرجع، أليس كذلك؟»
صِحتُ قائلًا: «أوه، سيفعل ذلك، يا سير جيلبرت!» وأضفت: «أي شيء سيُساعدني في …»
قال: «إذن دعْنا نترك الأمر عند هذا الحد.» وتابع: «سوف أزوره في مكتبه؛ ربما غدًا. في هذه الأثناء، أبقِ الأمر طيَّ الكتمان. ولكن … أنت ستقبل عرضي، أليس كذلك؟»
قلت: «سأقبله بكلِّ فخرٍ وسرور، يا سير جيلبرت.» وأضفت: «وإذا سمحتَ ببعضٍ من قلة الخبرة …»
ضحِك قائلًا: «ستبذل قصارى جهدك، أليس كذلك؟» ثم أضاف: «لا بأس في ذلك يا مونيلوز.»
صحبني إلى الباب، وظل مُرافقًا لي إلى الشرفة. وبينما كنتُ أجرُّ دراجتي بعيدًا عن المدخل، سار خطوةً أو خطوتين بجانبي، ويداه في جيوبه، وشفتاه تُصدران نغمةً مُبهمة. وفجأة التفت نحوي.
وسأل: «هل سمعت أيَّ أخبارٍ أخرى عن تلك القضية الليلة الماضية؟» وأضاف: «أعني عن كرون؟»
أجبته: «لا شيء، يا سير جيلبرت.»
علَّق قائلًا: «سمعتُ أن الرأي السائد أن الرجل طُعِنَ برُمح سلمون.» وتابع: «وربما قُتِلَ قبل أن يُلقى به في نهر تيل.»
قلت: «هذا ما بدا أن الطبيب يظن.» وأضفت: «والشرطة، أيضًا، على ما أعتقد.»
قال: «آه، حسنًا، لا أعرف ما إذا كانت الشرطة على علمٍ بذلك، لكنني مُتأكد جدًّا من أن صيدًا جائرًا لسمك السلمون في الليل يحدُث في هذه الأنحاء يا مونيلوز. لقد تصوَّرت ذلك لبعض الوقت، وفكَّرت في التحدُّث مع الشرطة حول هذا الأمر. لكن كما ترى، أرضي لا تقع على نهر تيل أو نهر تويد، لذلك لم أهتم بأن أتدخَّل. لكنَّني متأكد من أن الأمر كذلك، ولن تكون مفاجأة لي أن يكون هذان الرجلان، كرون وفيليبس، قد لقيا حتفهما على يد العصابة التي أفكِّر فيها. إنها فكرة تستحقُّ المتابعة، على أي حال، وسأتحدَّث مع موراي بشأنها عندما أذهب إلى البلدة غدًا.»
ثم، بتحيةٍ مُقتضبة تمنَّي لي فيها ليلة طيبة، تركني ودخل المنزل، وخرجتُ من هاثركلو وقُدت دراجتي إلى المنزل وسط دوامة من الأفكار. وسأعترف دون تردُّد أن تلك الأفكار لم يكن لها علاقة بما تحدَّث عنه السير جيلبرت كارستيرز في نهاية حديثه؛ لم تكن عن فيليبس ولا كرون ولا عن اقتراحه بوجود عصابةٍ مُحتملة للصيد الليلي الجائر، بقدرِ ما كانت عن نفسي وهذه الفرصة المفاجئة لتغيُّرٍ كبيرٍ في حظوظي. لأنه، في نهاية المطاف، يجب علينا أن نعتني بأنفسنا، وعندما يُسأل شابٌّ في مثل عمري إن كان يرغب في استبدال وظيفةِ تدريب مهني براتبِ مائة وعشرين جنيهًا في السنة بوظيفة مدير أعمال براتبٍ يتجاوز أربعة أضعاف ذلك، وفي وظيفة دائمة، يجب عليك أن تُقِرَّ بأنَّ عقله سوف يركِّز على ما يَعنيه مثل هذا التغيير له، مُستبعدًا جميع الشئون الأخرى. كان راتب خمسمائة جنيه في السنة يعني لي كل أنواع الأشياء الجميلة؛ الاستقلال بحياتي، ومنزلًا خاصًّا بي، وفي القريب العاجل، الزواج من مايسي دنلوب. وكان من المدهش أني حافظت على هدوئي، وأمسكتُ لِساني عندما وصلتُ إلى البيت؛ لكنني فعلت ذلك، ولغرضٍ ما، ولأكثر من مرة. خلال نصف الساعة التي تمكَّنت فيها من مقابلة مايسي في نهاية تلك الليلة، سألتني عن السبب وراء صمتي الشديد، ولم أفصح لها عن شيء، رغم صعوبة الامتناع عن فعل ذلك.
كانت الحقيقة أن السير جيلبرت كارستيرز قد فتنني، ليس فقط بعرضه الكبير، ولكن أيضًا بأخلاقه اللطيفة الارتجالية والرائعة. لقد جعلَني على راحتي في الحال؛ وتحدَّث بصراحةٍ شديدة وبصِدق واضح عن أفعاله في تلك الليلة الحافلة بالأحداث، حتى إنني قبلتُ كلَّ كلمةٍ قالها. وفي المرَّات القليلة التي فكَّرتُ فيها في الأمر، كنتُ مُستعدًّا للغاية لقبول نظريته حول كيفية مقتل هذَين الرجلَين، وكانت بالتأكيد معقولة، وتستحقُّ المتابعة. تذكَّرت أنه قبل بضع سنوات، حدث شيءٌ من هذا القبيل، وأدَّى إلى شجارٍ بين صائدي سمك السلمون بطريقةٍ جائرة ومُراقبي النهر؛ فلماذا يُستبعَد حدوثه مرةً أخرى؟ كلما فكَّرتُ في الأمر، ازداد شعوري بمنطقية اقتراح السير جيلبرت. وفي هذه الحالة، سينكشف كل الغموض عن هذه القضايا؛ فقد يثبت أن مَقتل فيليبس، وموت كرون، كان نتيجةً لبعض المواجهات العنيفة بينهما وبين الخارجِين على القانون الذين هربوا لاحقًا إلى برِّ الأمان وكانوا لا يزالون بلا شكٍّ يرتجفون على مقربة، خوفًا من انكشاف أفعالهم الآثمة؛ فما بدا أمرًا مُعقَّدًا قد يكون أبسط أمرٍ في العالَم. هكذا قدَّرتُ الأمر؛ وفي صباح اليوم التالي أتت أخبار بدا أنها تُشير إلى أن الأمور كانت ستُفَسَّر على غرارِ ما اقترحه السير جيلبرت.
جلب تشيسهولم تلك الأخبار إلى مكتبنا، بعد وصول السيد ليندسي مباشرةً. وأخبر كِلَينا بها؛ ومن طريقته في روايتها، أدركنا — ربما لم أُدركها بنفس القدْر من الوضوح الشديد الذي أدركها به السيد ليندسي — أن الشرطة اتَّبعت بالفعل أسلوبها المُفضَّل في البحث عما بدا لها خطَّ المطاردة الواضح.
وأعلن تشيسهولم، والارتياح بادٍ عليه: «أظنُّ أننا حصلنا على الدليل الصحيح أخيرًا، حول مقتل ذلك الرجل؛ فيليبس.» وأضاف: «وإذا كان هذا هو الدليل الصحيح، كما يبدو، يا سيد ليندسي، فلن يُوجَد غموضٌ كبير في هذه القضية، في نهاية الأمر. مجرد قضية قتل واضحة من أجل السرقة — هذا كلُّ ما في الأمر!»
سأل السيد ليندسي بهدوء: «ما دليلك؟»
أجاب تشيسهولم، مع غمزةٍ خبيثة: «حسنًا، ستفهم، يا سيد ليندسي، أننا فعلنا كلَّ ما يمكن فعله في هذه الأيام القليلة الماضية، منذ ذلك التحقيق عن فيليبس، كما تعلم. في الحقيقة، كنا نُجري تحرياتٍ حيثما كان يبدو أنه تُوجَد فرصة لاكتشاف أيِّ شيء. واكتشفنا شيئًا ما، من خلال أحد البنوك الموجودة هناك في بيبلز.»
نظر إلينا كما لو كان يرغب في أن يرى إن كنَّا قد تأثَّرنا بما قال؛ ومع إدراكه، على أي حال، أننا مُهتمَّان للغاية، تابع الحديث.
وقال: «يبدو — سأُخبركما بالقصة بتسلسُلها، كما حدثت — يبدو أنه منذ زهاء ثمانية أشهر تلقَّى وكيل بنك الكتان البريطاني في بيبلز خطابًا من رجلٍ يُدعى جون فيليبس، مُرسَلًا من مكانٍ يُدعى كولون، في بنما — التي تقع في أمريكا الوسطى، كما تعرفان — ومرفقًا به كمبيالة بثلاثة آلاف جنيه على المؤسَّسة المصرفية الدولية في نيويورك. وحمل الخطاب تعليماتٍ لوكيل بيبلز بتحصيل هذا المبلغ ووضْعه في مصرفه لحساب مُرسِل الخطاب. علاوة على ذلك، طُلِبَ فيه أن تظلَّ الأموال هناك حتى عودة فيليبس إلى موطنه في اسكتلندا، في غضون بضعة أشهر من تاريخ كتابة الخطاب. وقد نُفِّذ كل هذا، بالطبع، في حينه؛ ووُضِع مبلغ ثلاثة الآلاف جنيه باسم فيليبس. وجرى تبادُل مُراسَلات قليلة في كولون بينه وبين البنك في بيبلز، وأخيرًا كتب أنه سيغادر بنما إلى اسكتلندا، وسيزور البنك بُعَيْدَ وصوله. وفي صباح اليوم الذي قُتل فيه، زار فيليبس البنك وأثبت هويته، وما إلى ذلك، ثم سحب خمسمائة جنيه من ماله؛ مائتي جنيه عملات ذهبية، والباقي عملات ورقية من فئاتٍ صغيرة، وحمل هذا المبلغ معه، يا سيد ليندسي، في حقيبة يدٍ صغيرة كانت معه.»
أومأ السيد ليندسي، الذي كان يستمع باهتمامٍ كبير.
وقال: «أجل!» وتابع: «حمل معه خمسمائة جنيه. أكمل، إذن.»
تابع تشيسهولم، الذي كان واضحًا رضاه الشديد عن نفسه بسبب الطريقة التي كان يَنْظُم بها حقائقه: «الآن، نحن الشرطة — مُمثلة، دون مواربة، من خلالي أنا — كنا نُجري المزيد من التحريات حول كورنهيل وكولدستريم. وسيُقْسِم رجلان في محطة كورنهيل على أنه عندما نزل فيليبس من القطار هناك، في مساء يوم الجريمة، كان يحمِل حقيبة يدٍ صغيرة مثلما يتذكَّر موظف البنك — حقيبة جلدية بنية، صغيرة، جديدة. وهما مُتأكدان من ذلك — ويتذكَّر محصل التذاكر أنه وضعها تحت ذراعه بينما كان يُفتِّش في جيبه عن تذكرته. والأكثر من ذلك، أن مالك الحانة بجوار الجسر هناك في كولدستريم يتذكَّر الحقيبة، بوضوح كافٍ، وأن فيليبس لم يتركها من يدِه مُطلقًا أثناء وجوده هناك. وبالطبع، يا سيد ليندسي، الاحتمال المُرجَّح هو أن المال كان في تلك الحقيبة؛ تمامًا مثلما سحبه من البنك.»
علَّق السيد ليندسي قائلًا: «لديك المزيد لتقوله.»
أجاب تشيسهولم: «بالضبط.» ثم أضاف: «ويُوجَد عنصران. أولًا؛ وجدنا تلك الحقيبة! فارغة بكل تأكيد. في الغابة بالقُرب من تلك الأطلال القديمة على ضفة نهر تيل. مُلقاة تحت الكثير من الأشياء؛ الأشياء العتيقة، وكما ستفهم، كان من الممكن أن تظلَّ هناك حتى يوم القيامة لو لم أُجرِ بحثًا دقيقًا للغاية. ولكن هذا ليس كل شيء. العنصر الثاني هنا هو ما يلي: يُجْمِع موظفو السكك الحديدية في كورنهيل على قول إنه في نفس القطار الذي جلب فيليبس إلى هناك، وصل أيضًا رجلان غريبان، يُشبهان السياح، وكانت تذكرتاهما صادرتان من … من أين تظن، إذن، يا سيد ليندسي؟»
أجاب السيد ليندسي: «من بيبلز، بالطبع.»
صاح تشيسهولم، بنبرة انتصار: «تخمينك صحيح!» وتابع، «بيبلز بالفعل … والآن، كيف تبدو هذه القضية في ظنك؟ يُوجَد سيَّاح كثيرون جدًّا في تويدسايد في هذا الوقت من العام ومن ثَمَّ لم يولِ أيُّ أحدٍ اهتمامًا كبيرًا في تلك الليلة بهذَين الرجُلَين، ولا إلى أين ذهبوا. ولكن ما الذي يُمكن أن يكون أكثر وضوحًا، حسب ظنك؟ بالطبع، كان هذان الشخصان قد تعقَّبا فيليبس من البنك، وتبِعاه حتى تمكَّنا منه في ذلك المكان الذي عُثِرَ عليه فيه، وقتلاه … لسرقته!»