البدلة
لم يُبدِ السيد ليندسي أيَّ ملاحظةٍ أخرى حتى كِدنا ننتهي من غدائنا، وعندما تحدَّث لم يكن كلامه مُوجَّهًا إليَّ، وإنما إلى النادل الذي كان بالقُرب منه.
قال: «أُريدك أن تُحضِر لي ثلاثة أشياء.» وتابع: «فاتورة حسابنا، ودليل السكك الحديدية، وخريطة اسكتلندا. وأحضِر الخريطة أولًا.»
انصرف الرجل، ومال السيد ليندسي عبر الطاولة.
وقال: «تقع لارجو في منطقة فايف.» وتابع: «سنذهب إلى هناك. سأرى ذلك اليخت بأُم عيني، وأسمع بأذني ما سيقوله الرجل الذي وجده. لأنه، كما قلتُ لك منذ قليل، يا ولدي، مجرد حقيقة أن اليخت قد عُثِر عليه فارغًا لا تُثبت أن كارستيرز قد غرق! سندفع الفاتورة هنا، ثم نذهب لمقابلة سميتون لإلقاء نظرةٍ على تلك الرسائل، ثم سنستقلُّ القطار إلى لارجو ونُجري بعض التحريات.»
كان السيد سميتون قد فرد الرسائل على مكتبه عندما ذهبنا إليه، وأخذ السيد ليندسي يُلقي نظرة عليها. لم يكن يُوجَد أكثر من ستِّ رسائل إجمالًا، وكانت مجرد قصاصات، كما قال؛ غالبًا بضعة أسطر على أنصاف أوراق. لم يبدُ على السيد ليندسي أنه قد اهتمَّ كثيرًا بأيٍّ منها عدا الرسالة الأخيرة؛ التي كان سميتون قد أخبرنا بمحتواها في الصباح. حيث انحنى عليها لبعض الوقت، وتفحَّصها عن كثب، في صمت.
ثم قال في النهاية: «أتمنَّى أن تُعيرني هذه لمدة يومٍ أو يومَين.» وأضاف: «سأُوليها أقصى عناية؛ ستظلُّ في حوزتي شخصيًّا، وسأُعيدها بالبريد المُسجَّل. الحقيقة هي، يا سيد سميتون، أنني أريد مقارنة تلك الكتابة بكتابةٍ أُخرى.»
وافق سميتون، وسلَّمه الرسالة قائلًا: «بالتأكيد.» وأضاف: «سأفعل كلَّ ما بوسعي للمساعدة. لقد بدأت، كما تعلم، يا سيد ليندسي، أخشى من أن أكون مُتورطًا في هذا الأمر. هل ستُبقيني على اطِّلاع بالمُستجدات؟»
أجاب السيد ليندسي، وهو يُخرِج البرقية: «يُمكنني أن أعطيك بعض المعلومات الآن.» وتابع: «ثمة المزيد من الغموض، أترى؟ وأنا ومونيلوز سنُغادر إلى لارجو الآن؛ سنمضي إلى هناك في طريقنا إلى بلدتنا. فمن خلال بعض التحريات، سأعرف ما حدث للسير جيلبرت كارستيرز!»
بعد قليل تركنا السيد جافين سميتون، بعدما وعدناه بإبقائه على اطلاع بالمُستجدات أولًا بأول، ووعدَنا من جانبه بأنه سيأتي إلى بيرويك، إذا بدا ذلك ضروريًّا؛ ثم انطلقنا في رحلتنا. لم يكن الوصول سريعًا إلى لارجو عملًا سهلًا، وكان الوقت قد شارف على المساء عندما بلغناها، ووجدنا مسئول الشرطة الذي كان قد أرسل برقيةً إلى بيرويك. لم يكن بوسعه أن يُخبرنا بالكثير، بناءً على معلوماته. قال إن اليخت كان يرسو الآن في المرفأ في لُوَر لارجو، حيث كان صيادٌ يُدعى أندرو روبرتسون قد أحضره، وعرض علينا اصطحابنا إليه. وجدناه في حانةٍ صغيرة، بالقُرب من المرفأ، وكان رجلًا قليل الكلام، مُتجهِّم الوجه إلى حدٍّ ما ولم يُبدِ رغبةً كبيرة في الحديث، وربما كان سيقدِّم لنا معلوماتٍ ضئيلة لو لم يرافقنا مسئول الشرطة، ومع ذلك انفرجت أساريره عندما ألمح السيد ليندسي إلى إمكانية منحه مكافأة.
سأله السيد ليندسي: «متى عثرتَ على هذا اليخت؟»
أجاب روبرتسون: «بين الساعة الثامنة والتاسعة من صباح اليوم.»
«وأين عثرتَ عليه؟»
«على بُعد نحو سبعةِ أميال، خارج الخليج قليلًا.»
سأل السيد ليندسي، وهو ينظُر باهتمامٍ إلى الرجل: «هل كان خاليًا؟» وتابع: «ألم يكن على متنه أيُّ أحد؟»
أجاب روبرتسون: «لم يكن على متنه أحدٌ مطلقًا!» وأضاف: «لا حيًّا ولا ميتًا!»
سأل السيد ليندسي: «هل كانت أشرعتُه مفرودة؟»
أجاب الرجل: «لم تكن كذلك. كان ينجرف فحسب، هنا وهناك.» ثم أضاف: «فربطتُه بحبلٍ وقطرته إلى هنا.»
سأل السيد ليندسي: «هل كان بالقُرب أيُّ قاربٍ آخر غير قاربك في ذلك الوقت؟»
قال روبرتسون: «ولا على بُعد بضعة أميال.»
ثم ذهبنا إلى اليخت. كان قد قُطِر إلى ركنٍ هادئ من المرفأ، وأكَّد لنا رجلٌ عجوز يحرسه أنه لم يصعد أحد على متنه باستثناء الشرطة منذ أحضره روبرتسون. صعدنا، بالطبع، على متنه، وقال السيد ليندسي، بعد أن تأكَّد منِّي، إن هذا هو بالفعل يخت السير جيلبرت كارستيرز، إنه غير واثق من أننا سنجني الكثير من النفع من فعْل ذلك. لكنني سرعان ما توصَّلت إلى اكتشافٍ ذي أهميةٍ كبيرة وفريدة. فعلى الرغم من صغر حجمه، كان اليخت يحتوي على مقصورة؛ صحيح أن ارتفاعها لم يكن كبيرًا، ولم يكن باستطاعة رجلٍ طويل أن يقف فيها منتصبًا، لكنها كانت فسيحةً مقارنةً بمركبٍ بذلك الحجم، وكان بها الكثير من الأرفف والدواليب. وفي هذه الدواليب كانت تُوجَد ملابس، بدلة نورفولك من صوف التويد الرمادي، كان السير جيلبرت كارستيرز يرتديها عندما انطلق معي من بيرويك.
أطلقت صيحةً عاليةً عندما رأيتُ ذلك، فالتفت الثلاثة الآخرون وحدَّقوا فيَّ.
قلت: «يا سيد ليندسي! انظر هنا! تلك هي الملابس التي كان يرتديها عندما رأيته آخر مرة. وها هو ذا القميص الذي كان يرتديه، أيضًا، والحذاء. أينما يكون، وأيًّا كان ما حدث له، فقد بدَّل كامل ملابسه قبل أن يترك اليخت! تلك حقيقة واضحة، يا سيد ليندسي!»
لقد كانت حقيقةً بالفعل؛ حقيقة جعلتني أفكِّر، أيًّا كان أثرها على الآخرين. فقد نفت، على سبيل المثال، أيَّ فكرةٍ أو نظرية عن الانتحار. لا يُغيِّر الرجل ملابسه لو كان سينتحِر غرقًا. وبدا أن هذا كان جزءًا من خطةٍ مُدبَّرة: على أقل تقدير، كان شيئًا غريبًا.
سأل السيد ليندسي، وهو ينظر إلى الأشياء المُلقاة جانبًا: «هل أنت مُتأكد من ذلك؟»
قلت: «مُتأكِّد تمامًا.» وأضفت: «لا يمكن أن أكون مخطئًا.»
سأل: «إذن هل أحضَر معه حقيبةَ سفرٍ أو أي شيءٍ على متن اليخت؟»
أوضحت، بينما شرعتُ في رفع أغطية الدواليب: «لم يفعل، لكن كان بإمكانه الاحتفاظ بالملابس وما شابه ذلك في هذه الدواليب.» وتابعت: «انظر هنا! ها هي ذي فرشٌ وأمشاطٌ وما شابه. أؤكد لك أنه، قبل أن يُغادر هذا اليخت، أو يسقط منه، أو أيًّا كان ما حدث له، غيَّر كلَّ ملابسه من قمة رأسه إلى أخمص قدمَيه؛ ها هي ذي القبَّعة التي كان يضعها على رأسه.»
أخذوا جميعًا يتبادلون النظرات، وأخيرًا ثبتت نظرة السيد ليندسي على أندرو روبرتسون.
وسأله: «أفترض أنك لا تعرف أيَّ شيء عن هذا، يا صديقي، أليس كذلك؟»
أجاب روبرتسون، بقليلٍ من الفظاظة: «ماذا عساي أن أعرف؟» وتابع: «اليخت كما وجدته تمامًا؛ لم يُمَس أيُّ شيءٍ فيه.»
كانت سلة الغداء موضوعةً على طاولة الكابينة، تمامًا كما رأيتها آخر مرة، عدا أنه كان واضحًا أن كارستيرز كان قد تناول كلَّ ما تركناه أنا وهو فيها من طعام. وأظن أن نفس الفكرة خطرت لي وللسيد ليندسي في نفس اللحظة؛ كم من الوقت ظلَّ على متن ذلك اليخت بعد تخليه بقسوة عني؟ كانت قد مرَّت ثمانٍ وأربعون ساعة منذ تلك الحادثة، وفي غضون تلك المدة يمكن لأي رجلٍ أن يفعل الكثير في سبيل إخفاء أثره، وهو ما بدا لي الآن أنه بالضبط ما فعله السير جيلبرت كارستيرز، على الرغم من أنه كان من الصعب على أيٍّ منَّا التكهن بالطريقة تحديدًا، وبالسبب بالضبط.
سأل السيد ليندسي، طارحًا سؤاله على الرجُلين: «أفترض أن أحدًا لم يسمع بأيِّ شيءٍ عن أن هذا اليخت قد شُوهِد وهو ينجرف بالأمس أو خلال الليلة الماضية، أليس كذلك؟» وتابع: «هل تحدَّث أحد عن ذلك في هذه الأنحاء؟»
لكن لم تكن الشرطة ولا أندرو روبرتسون قد سمعوا أيَّ تهامُس من هذا النوع، ومن الواضح أنه لم يكن يمكن معرفة أيِّ شيءٍ منهم أكثر مما كنَّا قد حصلنا عليه بالفعل. كما لم تسمع الشرطة عن أيِّ شخصٍ غريب شوهد هناك، على الرغم من أنه، كما قال الرجل الذي كان معنا، لم يكن يُوجَد احتمالٌ كبير في أن يُلاحَظ أيُّ شخصٍ غريب؛ لأن لارجو كانت في الوقت الحاضر منتجعًا شاطئيًّا شهيرًا نوعًا ما، وكان يُوجَد الكثير من الغرباء على الشاطئ؛ إذ كان ذلك في فصل الصيف، ووقت إجازة، بحيث كان يسهُل إلى حدٍّ ما مرور رجلٍ غريب دون أن يُلاحظه أحد.
سأل السيد ليندسي: «بافتراض أن رجلًا هبط على الساحل، هنا — أنا فقط أفترض معك حالة — ولم يذهب إلى المدينة، وإنما سار بحذاء الشاطئ، أين سيجد أقرب محطة سكك حديدية؟»
أجاب مسئول الشرطة بأنه تُوجَد محطات للسكك الحديدية على يمين ويسار الخليج؛ ويمكن للمرء بسهولة أن يتوجَّه إلى إدنبره في اتجاه، وإلى سانت أندروز في الاتجاه الآخر؛ وبعد ذلك، بنبرةٍ غير مُصطنعة، أراد أن يعرف ما إذا كان السيد ليندسي يقترح أن السير جيلبرت كارستيرز قد أبحر بيخته إلى الشاطئ، وتركه، وانجرف اليخت إلى البحر مرةً أخرى؟
أجاب السيد ليندسي: «أنا لا أقترح أي شيء.» وتابع: «أنا أُخمِّن الاحتمالات فقط. وذلك عمل خامل مثل الوقوف هنا للحديث. ما سيكون عمليًّا هو الترتيب للتحفُّظ على هذا اليخت في مرآبٍ للقوارب، ومن الأفضل أن نتأكد من إتمام ذلك في الحال.»
أجرينا الترتيبات مع صاحب مرآبٍ للقوارب لقطر اليخت إلى هناك، وإبقائه تحت التحفظ، وبعد تسوية الأمور مع الشرطة لمراقبته، والتأكُّد من أن محتوياته لن تُمَسَّ حتى تصلهم تعليمات أخرى من بيرويك، انطلقنا لمواصلة رحلتنا. لكننا كنا قد قضينا وقتًا طويلًا جدًّا في لارجو حتى إنه عندما وصلنا إلى إدنبرة، كان آخرُ قطارٍ مُتجهٍ إلى بيرويك قد غادر، واضطررنا إلى تمضية الليلة في فندق. بطبيعة الحال، كان كل حديثنا عما حدث للتو؛ حيث قال السيد ليندسي إن أحداث اليومَين الماضيين لم تزد هذه الألغاز إلا عُمقًا عما كانت عليه من قبل، وكان التساؤل حول السبب وراء ترك السير جيلبرت كارستيرز ليخته، كما فعل بلا شك، يُمثِّل إضافة أخرى إلى المشكلة المُتنامِية.
وعلَّق قائلًا، بينما كنَّا نناقِش الأمور من كل وجهةِ نظرٍ يمكن تخيُّلها قبل الذهاب إلى الفراش مباشرةً: «ولستُ متأكدًا، يا ولدي، من أنني أُصدِّق رواية ذلك الرجل روبرتسون.» ثم أضاف: «ربما يكون قد أحضر اليخت، لكنَّنا لسنا مُتأكدين من أنه لم يُحضر كارستيرز على متنه. وما السبب في تغيير الملابس؟ ربما لأنه كان يعلم أنه سيوصَف بأنه كان يرتدي ملابس مُعينة، وأراد أن يأتي إلى الشاطئ مُرتديًا ملابس مُختلفة. كلُّ ما نعرفه، أنه جاء سالمًا إلى الشاطئ، واستقلَّ قطارًا من محطةٍ قريبة، أو في لارجو نفسها — ولم لا؟ — وانطلق مُغادرًا، على الأرجح إلى هنا، إلى إدنبرة، حيث سيختلط ببضعة آلاف من الناس، دون أن يُلاحظه أحد.»
فسألت: «إذن، في تلك الحالة، ماذا تظنُّ أنه فعل، يا سيد ليندسي؟» وتابعت: «هل تقصد أنه يهرب؟»
أجاب: «بيني وبينك، ذلك ليس بعيدًا عما أظنُّه بالفعل.» وأضاف: «وأظن أنني أعرف أيضًا ما الذي يهرب منه! لكننا سنسمع المزيد من الأخبار خلال الساعات القليلة القادمة، ما لم أكن مخطئًا.»
وصلْنا إلى بيرويك في ساعةٍ مبكرة من صباح اليوم التالي، وتوجَّهنا مباشرةً إلى قسم الشرطة وإلى مكتب رئيس الشرطة. كان تشيسهولم مع السيد موراي عندما دخلنا، والتفت كِلا الرَّجُلين إلينا بحماس.
صاح موراي: «إليك المزيد من الغموض حول هذه القضية، يا سيد ليندسي!» وتابع: «وهو يكفي لجعل عقل المرء يذهل. لا تُوجَد أخبار عن السير جيلبرت، وقد اختفت الليدي كارستيرز منذ الساعة الثانية عشرة من ظهر أمس!»