الرصيد المصرفي
حينئذٍ كنَّا أنا والسيد بورتلثورب مَن نتبادل النظرات، بتساؤلٍ مُتبادل. ما الذي كان يرمي إليه السيد ليندسي؟ وفجأة التفت السيد بورتلثورب إليه بسؤال مباشر.
سأله: «ما الذي ترمي إليه، يا ليندسي؟» وتابع: «ثمَّة شيء يجول بذهنك.»
أجاب السيد ليندسي: «ثمَّة الكثير.» ثم أضاف: «وقبل أن أكشف عنه، أظنُّ أنه من الأفضل أن نُبلغ السيدة رالستون بكلِّ ما حدث بتمامه، وبالموقف الحالي، حتى هذه اللحظة. هذا هو الموقف، يا سيدة رالستون، وهذه هي الحقائق»؛ ومضى في إعطاء زائرته مُلخَّصًا موجزًا ولكنه كامل لكلِّ ما تناقش للتو بشأنه مع السيد بورتلثورب. واختتم، في نهاية كلامه، الذي تزايد خلاله تدريجيًّا الذهول المُرتسِم على ملامح السيدة، قائلًا: «الآن تُدركين واقع الأمور.» ثم سأل: «والآن، ما قولكِ؟»
تحدَّثت السيدة رالستون بحدَّةٍ وحسم.
وأجابت: «بالضبط ما شعرت برغبة في قوله أكثرَ من مرة في الآونة الأخيرة!» ثم أضافت: «بدأت أشكُّ في أن الرجل الذي يُطلِق على نفسه اسم السير جيلبرت كارستيرز ليس السير جيلبرت كارستيرز على الإطلاق! إنه مُحتال!»
على الرغم من موقعي الفرعي كعضوٍ مُتميز، ولكن أقلَّ مكانةً في ذلك الاجتماع، لم يسعني إلا أن أُطلِق صيحةَ دهشةٍ متسرعة عند سماع ذلك. كنت مذهولًا تمامًا وبصدق؛ إذ لم يخطر ببالي مُطلقًا فكرةٌ كهذه. مُحتال! ليس الرجل الحقيقي؟ كانت الفكرة مُذهلة، ووجدها السيد بورتلثورب مذهلةً، أيضًا، وأتبع صيحتي بأخرى، وأكَّدها بضحكة عدم تصديق.
وقال باستنكار: «سيدتي العزيزة!» وتابع: «حقًّا! ذلك مُستحيل!»
لكن السيد ليندسي، بهدوءٍ أكثرَ من أي وقتٍ مضى، أومأ برأسه في ثقة.
وقال: «أنا أؤيد رأي السيدة رالستون تأييدًا تامًا.» ثم أضاف: «أعتقد أن ما تقترحه صحيح. إنه مُحتال!»
احمرَّ وجه السيد بورتلثورب وبدأ يبدو عليه اضطراب شديد.
وكرَّر: «حقًّا!» وتابع: «حقًّا! يا ليندسي! لقد نسيتَ أنني فحصتُ الأمر برمَّته! لقد رأيت كلَّ الأوراق؛ الخطابات، والوثائق. أوه، إن هذا الاقتراح — أستميحكِ عذرًا، يا سيدة رالستون — سخيف! لا يمكن لرجلٍ أن يكون في حوزته تلك المُستندات ما لم يكن الرجل الحقيقي؛ الرجل الحقيقي دون ادِّعاءٍ أو احتيال! عجبًا، يا سيدتي العزيزة، لقد أطلعني على خطاباتٍ كتبتِها بنفسكِ، عندما كنتِ طفلةً صغيرة، وجميع أنواع الأمور الخاصة الصغيرة. من المُستحيل أن يكون قد جرى أي احتيال؛ إنه … إنه عارٌ عليَّ!»
قال السيد ليندسي: «إن رجالًا أكثرَ براعةً منك قد خُدِعوا، يا بورتلثورب.» ثم أضاف: «وربما تكون الأشياء التي تتحدَّث عنها قد سُرِقَت. لكن دعِ السيدة رالستون تُعطينا أسبابها للشكِّ في هذا الرجل؛ فأنا مُتأكد من أن لدَيها أسبابًا قوية.»
ظهرت على السيد بورتلثورب أمارات الحنق، لكن السيدة رالستون قبِلت على الفور تحدِّي السيد ليندسي.
حيث أجابت: «إنها قوية بما يكفي لتجعلني قلقةً جدًّا في الآونة الأخيرة، على أي حال.» ثم التفتت إلى السيد بورتلثورب. وتابعت: «أنت تتذكَّر أن أول لقاءٍ لي مع هذا الرجل، عندما جاء للمطالبة باللقب والمُمتلكات، كان في مكتبك في نيوكاسل، بعد أيام قليلة من تقديم نفسه لك لأول مرة. قال آنذاك إنه لم يكن قد ذهب بعدُ إلى هاثركلو؛ لكنني اكتشفتُ بعد ذلك أنه ذهب — أو، على وجه الدقة، أنه قد ذهب إلى المنطقة، مُتخفيًا. تلك مُلابسة مُريبة، يا سيد بورتلثورب.»
أجاب السيد بورتلثورب: «معذرة، يا سيدتي، لا أراها كذلك.» وتابع: «لا أراها كذلك على الإطلاق.»
قالت السيدة رالستون: «أنا أراها كذلك، إذن.» وأضافت: «مُريبة، لأنني، شقيقته، والوحيدة من عائلته على قيد الحياة، كنتُ على مقربة. فلماذا لم يأتِ إليَّ مباشرة؟ لقد كان هنا، وألقى نظرةً هادئة حوله قبل أن يُطلِع أيَّ شخصٍ على هويته. هذا أحد الأمور التي لدي ضده، وأيًّا ما تقوله، فقد كان سلوكًا مُريبًا للغاية؛ وقد كذب بشأنه، بقوله إنه لم يأتِ هنا، بينما كان قد أتى هنا بالتأكيد! لكن هذا ليس كل شيء. لقد عاش جيلبرت كارستيرز الحقيقي، يا سيد ليندسي، مثلما يعرف السيد بورتلثورب، في هاثركلو هاوس حتى بلغ الثانية والعشرين من عمره. وكان دائمًا في هاثركلو، عدا عندما كان في جامعة إدنبرة يدرس الطب. وكان يعرف المنطقةَ بأكملها معرفةً تامة. لكن، كما اكتشفتُ بنفسي، هذا الرجل لا يعرف المنطقة! لقد اكتشفت، أثناء زيارته — على الرغم من أنني لم أذهب إلى هناك كثيرًا، لأنني لا أُحبُّه ولا أحبُّ زوجته — أن هذا بلد غريب عليه. فهو لا يعرف شيئًا تقريبًا — على الرغم من أنه بذل قصارى جهده للتعلُّم — عن سماته، وتاريخه، وشعبه. هل يُحتَمَل أن رجلًا عاش في بوردر حتى بلغ الثانية والعشرين من عمره يمكن أن ينسى كلَّ شيءٍ عنها، لمجرد أنه كان بعيدًا عنها لمدة ثلاثين عامًا؟ مع أنني كنت في السابعة أو الثامنة من عمري فقط عندما غادر شقيقي جيلبرت المنزل، إلا أنني كنت حينها طفلةً ذكية للغاية، وأتذكَّر أنه كان يعرف كلَّ مِيلٍ من الريف حول هاثركلو. لكن هذا الرجل لا يعرف.»
تمتم السيد بورتلثورب بشيءٍ عن أنه من الممكن جدًّا أن ينسى رجل الكثير خلال ثلاثين عامًا، لكن السيدة رالستون والسيد ليندسي هزَّا رأسيهما اعتراضًا على مخالفته لرأيهما. أما أنا، فكنت أفكِّر في الحقيقة المؤكدة التي مفادها أنني قد رأيتُ السير جيلبرت كارستيرز المزعوم يُضطرُّ إلى استخدام خريطةٍ لتحديد مكانه بالضبط عندما كان حرفيًّا على بُعد ميلَين من منزله.
تابعت السيدة رالستون: «ثمة شيء آخر؛ خلال زياراتي القليلة لهاثركلو منذ قدومه، اكتشفت أنه مع اطلاعه الجيد جدًّا على تفاصيلَ مُعينة من تاريخ عائلتنا، إلا أنه لعلةٍ غير معلومة يجهل تفاصيلَ أخرى كان يجب أن يعرفها معرفةً تامَّة. واكتشفت، أيضًا، أنه بارعٌ للغاية في تجنُّب الموضوعات التي قد يُفتضَح جهله فيها. ولكن، على الرغم من براعته تلك، فقد أمدَّني أكثرَ من مرة بأسبابٍ للشك. وأقول لك بكلِّ وضوح يا سيد بورتلثورب، إنه ما دام يبيع الممتلكات بالقدرِ الذي ذكرته، يجب عليك، في هذه المرحلة، ومع ما آلت إليه الأمور، أن تعرف الموقف المالي. لا بدَّ أن يكون قد تحصَّل على مبالغَ طائلة نقدًا! فأين هي!»
ردَّ السيد بورتلثورب: «في حسابه المصرفي، في نيوكاسل، يا سيدتي العزيزة!» وتابع: «أين يمكن أن تكون غير هناك؟ فهو لم يُجرِ بعدُ عملية الشراء التي كان يفكِّر فيها؛ لذلك من المؤكد أن الأموال اللازمة ما زالت هناك إلى أن يفعل. لا يسعني إلا أن أظن أنكِ والسيد ليندسي مُخطئان، وأنه يُوجَد تفسير مناسب وكافٍ لكل هذا، و…»
صاح السيد ليندسي: «يا بورتلثورب! لا جدوى من ذلك. لقد وصلت الأمور إلى حدٍّ خطير. وسواء كان هذا الرجل هو السير جيلبرت كارستيرز أو شخصًا مُحتالًا، فقد بذل قصارى جهده لقتل مساعدي، ونشتبه في قتله كرون، وسيُؤتَى به ليمثُل أمام العدالة؛ ذلك أمرٌ لا جدال فيه! وواجبك في الوقت الحالي أن تنضمَّ إلينا لتحقيق هذا المقصد؛ يجب أن تتبنَّى اقتراح السيدة رالستون، وتتأكَّد من الموقف المالي. وكما تقول السيدة رالستون، وهي مُحقة، بعد بيع هذه الممتلكات لا بد أن قدرًا هائلًا من الأموال السائلة قد تجمَّع، وأصبح تحت تصرُّف هذا الرجل، يا بورتلثورب! يجب أن نعرف إن كان هذا صحيحًا!»
سأل السيد بورتلثورب، الذي أخذ يزداد توترًا وقلقًا: «كيف يُمكنني أن أخبرك بذلك؟» وتابع: «لا علاقة لي بحساب السير جيلبرت كارستيرز المصرفي الخاص. ولا يُمكنني أن أذهب، مباشرةً، وأسأل المصرف الذي يتعامل معه عن مقدار الأموال التي في حسابه لديه!»
صاح السيد ليندسي: «إذن سأفعل أنا!» وأضاف: «أنا أعرف المصرف الذي يتعامل معه في نيوكاسل، وأعرف المدير. وسأذهب هذه الليلة إلى منزل المدير، وأخبره بالضبط بكلِّ ما حدث؛ سأخبره بشكوك السيدة رالستون وشكوكي، وأسأله عن مكان المال. هل تفهم ذلك؟»
قالت السيدة رالستون: «هذا هو المسار الصحيح الذي يجب اتباعه!» وأضافت: «هذا هو الشيء الوحيد الذي يجب فعله. يجب فعل ذلك!»
قال السيد بورتلثورب: «أوه، حسنًا؛ إذن في هذه الحالة أظن أنه من الأفضل أن أذهب معك.» ثم أضاف: «بالطبع، لا فائدةَ من الذهاب إلى المصرف؛ إذ سنجده مغلقًا؛ ولكن يُمكننا، كما تقول، أن نقابل المديرَ مقابلةً خاصة. وسنُصبح في وضعٍ لا نُحسد عليه إذا ظهر السير جيلبرت كارستيرز مع تفسيرٍ جيد لكل هذا الغموض.»
أشار السيد ليندسي بأصبعه نحوي.
وصاح: «لا يمكنه شرح ذلك!» وتابع: «لقد ترك ذلك الفتى ليغرق! هل تلك محاولة قتل، أم إنها ليست كذلك؟ أؤكد لك، سأضع هذا الرجل في قفص الاتهام، غير عابئ بمكانته! هيو، أحضِر لي دليل السكك الحديدية.»
وبعد برهةٍ اتُّفِق على أن يسافر السيد بورتلثورب والسيد ليندسي إلى نيوكاسل بالقطار التالي لمقابلة مدير المصرف. أصرَّ السيد ليندسي على أن أذهب معهما؛ إذ قال إنه ليس لديه ما يُخفيه، ويجب أن أحكي قصتي للرجل الذي سنقابله، حتى يعرف بعضًا من أساس شكوكنا. أيَّدت السيدة رالستون ذلك؛ وعندما أبدى السيد بورتلثورب ملاحظةً مفادها أننا نتحرَّك بسرعةٍ أكثر من اللازم، ونعمل على تجميع عناصر فضيحة كبرى، علَّقت بطريقةٍ لاذعة قائلةً إنه لو كان ثمة إيلاء للمزيد من العناية في البداية، لما حدث كل هذا.
وجدنا مدير المصرف في منزله، خارج نيوكاسل، ذلك المساء. كان يعرف رفيقيَّ كليهما معرفةً شخصية، واستمع باهتمامٍ كبير لكلِّ ما قاله السيد ليندسي، بصفته المُتحدث، كما سمع قصتي عن حادثة اليخت. كان رجلًا مُسنًّا فطِنًا، ومن الواضح أنه كان سريعًا في تقدير الأمور، وأدركتُ من الطريقة التي التفت بها إلى السيد بورتلثورب والنظرة التي رمقه بها، بعد سماع كل شيء، أن استنتاجاته كانت نفس استنتاجات السيد ليندسي والسيدة رالستون.
علَّق بهدوءٍ قائلًا: «أخشى أن ثمَّة خطْبًا ما، يا بورتلثورب.» ثم أضاف: «حقيقة الأمر أن الشكوك قد ساورتني أنا أيضًا في الآونة الأخيرة.»
صاح السيد بورتلثورب: «يا إلهي الرحيم! أنت لا تقصد ذلك!» ثم أضاف: «كيف، إذن؟»
تابع مدير المصرف: «منذ أن بدأ السير جيلبرت في بيع الأراضي، وصلت مبالغُ ضخمة جدًّا إلى حسابه في مصرفنا، حيث كان لديه بالفعل رصيد كبير، قبل ذلك. ولكن في الوقت الحالي لدَينا القليل جدًّا — أعني، قليلًا نسبيًّا — من ماله.»
قال السيد بورتلثورب: «ماذا؟» وتابع: «ماذا؟ أنت لا تقصد أنه …؟»
قال مدير المصرف: «خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية، سحب السير جيلبرت بانتظام شيكاتٍ كبيرة جدًّا لصالح السيد جون بالي. قُدِّمَت إلينا عبر البنك الاسكتلندي الأمريكي في إدنبرة. كما أنني»، أضاف بنظرةٍ ذاتِ مغزًى نحو السيد ليندسي، «أظن أنه من الأفضل أن تذهب إلى إدنبرة، وتكتشف مَن هو السيد جون بالي.»
نهض السيد بورتلثورب، باديًا عليه الشحوب الشديد وعلامات خوفٍ كبير.
وسأل، بصوتٍ أجشَّ: «كم تبقَّى من كل هذا المال في حسابه لديكم؟»
أجاب مدير المصرف بسرعة: «ما لا يزيد عن ألفي جنيه.»
سأل السيد بورتلثورب بحدة: «إذن كم دفع من المال، بالطريقة التي ذكرتها؟»
اختتم مُحدِّثنا حديثه، بنظرةٍ خبيرةٍ أخرى: «مائتي ألف جنيه بالتمام والكمال! والآن بعد أن علمتُ بالحقائق التي أخبرتموني بها للتو، يتعيَّن عليَّ أن أنصحكم أن تذهبوا وتعرفوا ما إذا كان السير جيلبرت كارستيرز وجون بالي هما نفس الشخص!»