الصفقة
عندما يُوضَع المرء في مأزقٍ مثل ذلك الذي وجدتُ نفسي فيه، ربما يتَّقد ذكاؤه فجأة، ويُمنَح إدراكًا جديدًا. وسواء كان الأمر كذلك أم لم يكن، فقد كنتُ متأكدًا من أن المُعتدي هو كبير الخدم، هولينز، كما لو أنَّني رأيتُه بالفعل. وكانت ستُصيبني مفاجأة لا حدَّ لها لو تكلَّم أي صوتٍ آخر غير صوته؛ إذ تكلَّم بالفعل عندما تلاشى آخر هزيمٍ للرعد بهمهمةٍ عابرة ومُتردِّدة.
أمرني قائلًا: «ادخُل من ذلك الباب، واصعد السُّلَّم مباشرةً، يا مونيلوز!» وتابَع: «وأسرِع، إذا كنتَ لا تُريدني أن أفجِّر دماغك. هيا، أسرِع!»
حرَّك فوَّهة المُسدس من صدغي إلى مُؤخِّرة رأسي وهو يتكلَّم، وضغطه في شعري بطريقةٍ لم تكن مُطَمئنة على الإطلاق. لقد فكرتُ كثيرًا منذ ذلك الحين في أنني توقَّعت أن تنطلِق رصاصة من المُسدَّس في أي لحظة، وفي أنني كنت — وهذه حقيقة — أشعر حيال ذلك بفضولٍ يفوق خوفي. لكن غريزة حُب البقاء تَملَّكتني، مع ثقةٍ كافية بالنفس، وانصعتُ له، مُتعثرًا وأنا أدخل من الباب تحت ضغط ذراعه القوية والمُسدس، وبدأت أتردَّد ذاهلًا عند الدرجات الأولى، العتيقة والبالية للغاية، والتي كانت مُجوَّفة بشدَّة في المنتصف. فدفعني إلى الأمام.
وقال: «اصعد لأعلى، للأمام مباشرةً! ارفع ذراعَيك للأعلى وللخارج أمامك حتى تشعُر بالباب، وعندئذٍ افتحه.»
أبقى إحدى يدَيه على مؤخِّرة رقبتي، بإحكامٍ مُؤلم، وبالأخرى ضغط المُسدس في التجويف الموجود فوقها مباشرةً، وبهذه الطريقة صعدنا. وحتى في ذلك المأزق لا بدَّ أنَّ ذكائي كان حاضرًا؛ لأنني أحصيتُ اثنتَين وعشرين درجة سُلَّم. ثُم وصلنا إلى الباب، وهو قطعة ثقيلة من خشب البلوط المتين، مُرصَّعة بالحديد، وكان مفتوحًا قليلًا، وعندما دفعتُه لأفتحه أكثرَ في الظلام، انبعثت رائحة عفنٍ من شيءٍ ما كان بالداخل.
قال: «لا تُوجَد درجات سُلَّم، تابِع السير! والآن، توقَّف، وابقَ ساكنًا! إذا حرَّكت أصبعًا واحدة يا مونيلوز، سأُفجِّر دماغك! لن يُسبب ذلك خسارةً كبيرة للمجتمع يا فتى، لكنَّني ما زلتُ بحاجةٍ لك حتى الآن.»
أبعدَ يدَه عن رقبتي، لكن المُسدس كان لا يزال مضغوطًا في شعري، ولم يخفَّ الضغط أبدًا. وفجأة سمعتُ صوت طقطقةٍ خلفي، وأُضيء المكان الذي كنَّا نقف فيه، على نحوٍ خافت، لكنه كان كافيًا لإظهار غرفةٍ تُشبه الزنزانة، ذات جدرانٍ حجرية، بالطبع، وخالية من الأثاث باستثناء طاولةٍ قديمة غريبة الشكل ومقعدَين بأرجلٍ ثُلاثية على جانبيها. التقط بيده الخالية مقبضَ مصباح جيب كهربائي، وعلى وهجِه الأزرق، سحب المُسدس بعيدًا عن رأسي، وتنحَّى جانبًا، لكنه ظلَّ يُصوِّبه نحوي، ويُوجِّهني إلى المقعد البعيد. فأطعته بتلقائية، وسحب هو الطاولة قليلًا تجاهه، وجلس على المقعد الآخر، وأسند كوعه على حافة الطاولة، ووكزني بالمُسدس على بُعد بضع بوصاتٍ من أنفي.
قال بهدوء: «الآن، سنتحدَّث بضع دقائق، يا مونيلوز؛ ففي وجود العاصفة أو عدم وجودها، يتعيَّن عليَّ الخروج لإتمام مُهمتي، وكنتُ سأُغادر الآن لولا فعلتك اللعينة بتسلُّلك واختلاسك النظر. لكنني لا أريد قتلك، إلا إذا كنتُ مُضطرًّا لذلك؛ لذا سيكون من مصلحتك أن تُجيب على سؤالٍ أو سؤالَين دون كذِب. هل يُوجَد أحد سواك في الخارج أو حول المكان؟»
قلت: «ليس على حدِّ علمي!»
سأل: «هل جئتَ وحدَك؟»
أجبت: «وحدي تمامًا.»
سأل بحدة: «ولماذا؟»
أجبت: «لأرى إن كان بإمكاني الحصول على أي أخبارٍ عن الآنسة دنلوب.»
سأل، وتبيَّنتُ أنه يسأل بفضولٍ حقيقي: «لماذا ظننتَ أنك يُمكن أن تجِدَ الآنسة دنلوب هنا، في هذه الأطلال العتيقة؟» وتابع: «أجِبْني بلا كذب يا مونيلوز! وهذا من مصلحتك.»
أجبت: «إنها مفقودة منذ الليلة الماضية.» وتابعت: «وخطر لي أنها على الأرجح قد سلكت طريقًا مُختصرًا عبر هذه الأراضي، وأنها بفعلها ذلك صادفت السير جيلبرت، أو صادفتك، فاحتُجِزَتْ، خشية أن تكشِفَ عمَّا رأته. هذه هي الحقيقة المُطلقة، يا سيد هولينز.»
كان يُراقبني بنفس القدْر من الثبات الذي كان يُصوِّب به المسدس نحوي، وأدركتُ من نظرته أنه يُصدِّقني.
وقال: «عجبًا!» ثم أضاف: «أرى أنه يُمكنك استخلاص النتائج، إذا وصل الأمر إلى ذلك. ولكن، هل احتفظتَ بفكرتك هذه لنفسك فقط؟»
كرَّرت: «بكل تأكيد!»
سأل بتمعُّن: «ألم تذكُرها لأيِّ أحد؟»
قلت: «لم أذكرها لأي أحد.» ثم أضفت: «لا يُوجَد رجل، أو امرأة، أو طفل يعرف أنني هنا.»
اعتقدت أنه قد يخفض فوَّهة المسدس عند سماع ذلك، لكنه ظلَّ يُصوبها نحو أنفي ولم يبدِ أيَّ علامةٍ على تهدئة يقظته. ولكن، إذ ظلَّ صامتًا في الوقت الحالي، طرحتُ عليه سؤالًا.
قلت: «لن يضيرك أن تُخبرني بالحقيقة يا سيد هولينز.» وتابعت: «هل تعرف أيَّ شيء عن الآنسة دنلوب؟ هل هي في أمان؟ ربما كان لدَيك خطيبة ذات يوم، وستفهم ما أشعُر به حيال ذلك؟»
أومأ برأسه بجدية عند سماع ذلك وبطريقة ودِّية للغاية.
وأجاب: «أجل!» وتابع: «أتفهَّم مشاعرك جيدًا جدًّا، يا مونيلوز، وأنا رجل ذو مشاعر؛ لذا سأخبرك على الفور أن الفتاة آمنة للغاية، ولا يُوجَد أي ضرر يمكن أن تتعرَّض له، مطلقًا! لكن، أنا لست واثقًا من أنك أنت نفسك آمن»، تابع، وهو لا يزال يُراقبني بعناية. «أنا رجل رقيق القلب، يا مونيلوز، وإلا ما كنتَ احتفظتَ بدماغك في مكانه في هذه اللحظة!»
قلت، مع ضحكةٍ فاجأتني: «ثمَّة احتمال كبير أن أوذيك، على أي حال!» وتابعت: «لا أحمل حتى مدية جيب، وأنت تحمِل هذا الشيء المصوَّب إلى رأسي.»
قال: «أجل! لكن لدَيك لسان في ذلك الرأس.» وتابع: «وربما تستخدِمه! لكن هلم، الآن، أنا أكره أن أوذيك، والأفضل لك أن تُخبرني أكثرَ قليلًا. ما الذي تفعله الشرطة؟»
سألت: «أي شرطة تقصد؟»
صاح: «هنا، هناك، في كل مكان، في أي مكان!» ثم أضاف: «لا أُريد مراوغات، الآن! يجب أن يكون لديك الكثير من المعلومات.»
أجبته: «إنهم يتصرَّفون وفقًا للمعلومات التي أدليتَ بها.» وتابعت: «ويبحثون في جلاسجو عن السير جيلبرت والليدي كارستيرز — لقد وضعْتَنا على هذا المسار، يا سيد هولينز.»
أجاب: «تعيَّن عليَّ أن أفعل.» ثم أضاف: «أجل، وضعتُ ليندسي على ذلك المسار، بالتأكيد، وقد أخذ كلَّ شيءٍ كما لو كان مُسلَّمًا به، وكذلك فعلتم جميعًا! وقد كسبتُ الوقت بذلك، كما ترى، يا مونيلوز؛ كان لا بدَّ مِن فعْل ذلك.»
سألت: «إذن، هما ليسا في جلاسجو؟»
هزَّ رأسه الكبير نفيًا بجديةٍ ردًّا على ذلك، وظهر شيءٌ مثل ابتسامة على زاويتَي شفتيه.
وأجاب على الفور: «ليسا في جلاسجو، ولا بالقُرب منها، ولكن حيث سيجد جميع رجال الشرطة في إنجلترا، وفي اسكتلندا، أيضًا، من أجل هذا الأمر، صعوبة في التحدُّث معهم. بعيدًا عن المتناول يا مونيلوز! بعيدًا عن المتناول، أتفهم، عن طائلة الشرطة!»
أطلق ضحكةً مكتومة عندما قال هذا، مما شجَّعني على أن أنبري له، بقدرِ ما مكَّنتني الكلمات.
فسألت: «إذن ما الضَّرر الذي يُمكنني أن أُسبِّبه لك يا سيد هولينز؟» وتابعت: «أنت لست مُعرَّضًا لأي خطرٍ أنا على علمٍ به.»
نظر نحوي كما لو كان يتساءل عما إذا كنتُ أحاول أن أسخرَ منه، وبعد التحديق برهةً هزَّ رأسه.
وأجاب: «سأترك هذا المكان، أخيرًا.» ثم أضاف: «السيارة التي تنتظرني بالأسفل هي سيارة السير جيلبرت الجديدة تمامًا؛ وكما قلت، سواء كانت تُوجَد عاصفة أم لا، يجب أن أغادر. ويُوجَد شيئان فقط يُمكنني فعلهما، يا مونيلوز؛ يمكنني أن أُفجِّر دماغك، وأُرديك قتيلًا، أو يمكنني … الثقة بشرفك!»
نظر أحدنا إلى الآخر لمدة دقيقةٍ كاملة في صمت، حيث التقت عينانا في الضوء المُزرق الغريب لمصباح الجيب الكهربائي الذي وضعه على المنضدة أمامنا. وبيننا، أيضًا، كان يُوجَد ذلك المسدس، وعينه السوداء المصوبة نحوي على الدوام.
قلت ببطء: «إذا كان الأمران متساويين لك، يا سيد هولينز، فأنا أُفضِّل أن تثِق بشرفي. وأيًّا كان مستوى ذكاء دماغي، فإنني أُفضِّل بقاءه في موضعه! إذا كان الأمر هو هذا فحسْب؛ أنك تُريدني أن أُمسك لِساني …»
قاطعني قائلًا: «سأعقد معك صفقة.» وتابع: «أستسعد برؤية حبيبتك يا مونيلوز، وتتأكد بنفسك من أنها لم تُصَب بأذًى، وأنها بخير وبصحة جيدة؟»
صحت: «أجل! سيُسعدني ذلك!» وتابعت: «أعطني الفرصة، يا سيد هولينز!»
قال بلهفة: «إذن أعطني كلمتَك أنه مهما حدث، ومهما كان ما ستتكشف عنه الأمور، لن تذكرَ للشرطة أنك رأيتني الليلة، وأنك عندما تُستَجوَب لن تُدلي بأي شيءٍ عني!» ثم أضاف: «إن صمتك لمدة اثنتي عشرة ساعة — بل، ست ساعات! — يعني الأمان بالنسبة إليَّ، يا مونيلوز. هل ستلتزم الصمت؟»
سألت: «أين الآنسة دنلوب؟»
أجاب: «يُمكنك أن تراها بعد ثلاث دقائق، إذا أعطيتني كلمتك — وأنت فتًى صادق، حسبما أظن — أنكما ستظلَّان في مكانكما حتى الصباح، وأنك بعد ذلك ستُمسِك عليك لسانك، فهل ستفعل ذلك؟»
سألت بحدة: «هل هي بالقُرب من هنا؟»
قال بهدوء: «فوقَنا.» وتابع: «وعليك فقط أن تُعطيني كلمة شرف …»
صِحت: «لك هذا يا سيد هولينز!» ثم أضفت: «امضِ في طريقك! لن أنبس ببنت شفةٍ لأحد! لا بعد ستِّ ولا اثنتي عشرة ولا ألف ساعة! سِرُّك في أمانٍ بما فيه الكفاية معي، ما دمتَ ستلتزم بكلمتك بشأنها، وعلى الفور!»
سحب يدَه الفارغة من على الطاولة، وهو لا يزال يُراقبني، ولا يزال يُصوِّب المسدس، ومن دُرجٍ في الطاولة التي بيننا، أخرج مفتاحًا ودفعه عبرها.
وقال: «يُوجَد باب خلفك في ذلك الركن.» وتابع: «وستجد مصباحًا موضوعًا عند قاعدته، وأنت تحمل أعواد ثقابٍ معك، بلا شك. وخلف الباب يُوجَد سُلَّم آخرُ يؤدي إلى البرج، وستجدها هناك، وآمنة، والآن امضِ في طريقك، يا مونيلوز، وسأمضي في طريقي!»
ومن ثم ألقى المُسدَّسَ في جيبٍ جانبي من معطفه الواقي من الماء بينما كان يتحدَّث، ومشيرًا إلى الباب في الركن، استدار إلى الباب الذي دخل منه. وبينما كان يستدير أغلق ضوء مصباحه الكهربائي، وأما أنا، فبعدَ أن أخذتُ أتخبَّط بحثًا عن صندوق أعواد ثقاب، أشعلت واحدًا ونظرتُ حولي بحثًا عن هذا المصباح الذي كان قد أتى على ذِكره. وفي ضوئه المُشتعل رأيت هيئته الكبيرة حول الركن، ثم، بمجرد أن رأيتُ المصباح، انطفأ عود الثقاب وعاد الظلام مرةً أخرى. وعندما أشعلتُ عودًا آخر، سمعتُ وقْع أقدامه على السُّلَّم، وفجأةً سمعتُ صوت اشتباكٍ وسمعته يصرخ بصوتٍ عالٍ لمرةٍ واحدة، وصوت سقوط، ثم صوت خطوات أخفَّ تُسرِع مبتعدة، ثم صوت تأوُّهٍ ثقيل وحشرجة. وبينما كان قلبي يكاد ينخلع وأصابعي ترتجِف لدرجة أني كنتُ أحمل عود الثقاب بصعوبة، أضأت الشمعة في المصباح، وذهبت وراءه في خوف. وهناك، عند ركن السُّلَّم، كان مُستلقيًا، والدم يسيل في تدفُّقٍ مُظلم من فجوةٍ في حلقه؛ بينما كانت يداه، اللتان كان قد وضعهما عليه غريزيًّا، تسقطان بضعف وتسترخيان على صدره العريض. وبينما كنتُ أضع المصباح بالقُرب منه نظر نحوي نظرةً غريبة ومُرتبكة، وفارق الحياة أمام عينَيَّ.