الغنيمة
تراجعتُ إلى الوراء مُسندًا ظهري إلى الجدار المُتعفِّن لذلك السُّلَّم العتيق وأنا أرتجف كما لو كنتُ قد أُصبت فجأةً بالحمَّى. كانت كل أطرافي ترتجف قبل أن أسمع حتى صوت الاشتباك المفاجئ، ولأسبابٍ مُتعددة؛ الارتياح بعد سحب مُسدس هولينز بعيدًا عن أنفي، ومعرفة أن مايسي كانت على مقربة، والتدهور التدريجي لأعصابي خلال يومٍ كامل من القلق المُتعب للقلب، ولكن الآن كان الارتجاف قد ازداد حتى صار اهتزازًا كاملًا: سمعت أسناني تصطك، وقلبي ينقبض مثل المضخة، بينما كنتُ أقف هناك، مُحدقًا في وجه الرجل، الذي انتشر فيه بسرعةٍ شحوب رمادي. وعلى الرغم من أنني علمت أنه قد فارق الحياة، فقد ناديت عليه بصوتٍ عالٍ، وأخافني صوتي.
صِحت: «سيد هولينز!» وتابعت: «سيد هولينز!»
وبعد ذلك ازداد خوفي؛ لأنه، كما لو كان ردًّا على نداءاتي، ولكن بالطبع، بسبب بعض التقلُّصات العضلية التي أعقبت الموت، انفصلت الشفتان الخاليتان من الحياة قليلًا، وبدا وكأنهما تبتسمان في وجهي. وعندئذٍ فقدتُ البقيةَ الباقية من أعصابي، وأطلقت صرخة، واستدرتُ لأركض عائدًا إلى الغرفة التي كنَّا نتحدَّث فيها. لكن عندما استدرتُ سمعت أصواتًا عند أسفل السُّلَّم، ورأيت وميضَ مصباح عين ثور، وسمعتُ صوتَ تشيسهولم بالأسفل عند البوابة.
كان ينادي بحدة: «أنتم، يا مَن بالأعلى!» وتابع: «هل يُوجَد أحدٌ بالأعلى؟»
بدا كما لو أنني كنتُ أُفجِّر صدري عندما أخرجت منه إجابةً عليه.
صرخت: «أوه، يا رجل! اصعد! أنا هنا، وثمة جريمة قتل!»
سمعته يهتف برعبٍ ودهشة، ويُتمتم ببعض الكلمات لشخصٍ كان من الواضح أنه معه، ثم سمعتُ وقْع أقدامٍ ثقيلة في الأسفل، وبعد برهةٍ ظهر وجه تشيسهولم عبر الركن، وبينما كان يُمسك بالمصباح أمامه، سقط ضوءُه بالكامل على هولينز، فوثب إلى الوراء خطوةً أو خطوتين.
وصاح: «ليرحمنا الرب!» وتابع: «ما كل هذا؟ إن الرجل ميت!»
قلت، وقد بدأتُ في التخلَّص تدريجيًّا من خوفي: «إنه ميت بالفعل، يا تشيسهولم!» ثم أضفت: «ومقتول، أيضًا! لكن مَن قتله، الرب يعلم؛ فأنا لا أعلم! لقد احتجزني هنا، منذ أقل من عشر دقائق، وصوَّب نحوي فوَّهة مُسدس، ثم توصَّلنا إلى اتفاق، فتركني وغادر، ولم يكد ينزل السُّلَّم حتى سمعتُ القليل من الشجار، وصوته وهو يسقط ويتأوَّه، وركضت خارجًا لأجد … ذلك! وهرب شخصٌ ما بعيدًا، هل رأيت أحدًا بالخارج هناك؟»
أجاب وهو ينحني على الرجل الميت: «لا يُمكنك أن ترى بوصةً واحدة أمام عينيك؛ إن الليلة مُظلمة للغاية.» ثم أضاف: «لقد جئنا للتو، من حول المنزل. ولكن ماذا كنتَ تفعل أنت هنا؟»
أجبت: «أتيتُ لأرى ما إذا كان بإمكاني العثور على أي أثر للآنسة دنلوب في هذا الجزء العتيق، وقد أخبرني، قبل حدوث ذلك بقليل، أنها في البرج بالأعلى، في أمان. وسأصعد إلى هناك الآن، يا تشيسهولم؛ لأنها إن كانت قد سمِعَت كل هذا …»
كان معه شرطي آخر، فتخطَّيا الجثة وتبِعاني إلى الغرفة الصغيرة ونظرا حولهما بفضول. وتركتهما يتهامسان، وفتحت الباب الذي أشار إليه هولينز. كان يُوجَد سُلَّم، كما قال، غائرٌ في الجدار السميك، وصعدتُ شوطًا طويلًا قبل أن أصل إلى بابٍ آخر، حيث كان يُوجد مفتاح مُثبت في القفل. ففتحته على الفور، ووجدتُ مايسي بالداخل، فاحتضنتها وغمرتها بالأسئلة وسلطتُ الضوءَ على وجهها لمعرفةِ ما إذا كانت بأمان، كل ذلك دفعةً واحدة.
أمطرتها بالأسئلة: «هل تعرضتِ لأذًى؟ هل أنت بخير؟ هل انهرتِ من الرعب؟ كيف حدث كل هذا؟» وتابعت: «أوه، يا مايسي، كنتُ أبحث عنك طوال اليوم، و…»
وعندئذٍ، إذ كنتُ مجهَدًا للغاية، أخذتُ أتهاوى، وشعرتُ فجأة بدوار غريب يغشاني، ولولاها كنتُ سأسقط وربما كان سيُغشى عليَّ، ورأت ذلك، فأخذتني إلى أريكةٍ كانت قد انتفضت واقفةً من جِلستها عليها عندما أدرتُ المفتاح، وسقتْني من كوب ماءٍ كان موضوعًا على الطاولة، وساعدتني، أنا الذي كان يجِب أن أواسيها؛ كل ذلك في غضون دقيقة من اللحظة التي رأيتُها فيها، وكنت مرهقًا للغاية، كما بدا، لدرجةِ أنني لم أستطِع أن أفعل شيئًا سوى التمسُّك بيدها، للتأكُّد من أنني قد وصلتُ إليها حقًّا.
تمتمت، وهي تُربِّت على ذراعي كما لو كنتُ طفلًا انتفض للتوِّ مُستيقظًا من حلمٍ سيئ: «اهدأ، اهدأ، كل شيء على ما يُرام، يا هيو!» وتابعت: «لم يلحق بي أيُّ ضررٍ على الإطلاق، باستثناء الانتظار المُرهق في هذا الجحر الأسود! لقد أعطوني طعامًا وشرابًا وضوءًا، كما ترى؛ وعدوني بألَّا أتعرَّض لأذًى عندما احتجزوني هنا. ولكن أوه، بدا الأمر كما لو أنه قد مرَّت سنوات منذ ذلك الحين!»
سألت في حدة: «احتجزوكِ؟ مَن هم؟» وتابعت: «مَن الذين احتجزوكِ هنا؟»
أجابت: «السير جيلبرت وكبير خدمه هولينز.» ثم أضافت: «لقد سلكتُ الطريق المُختصر عبر الأراضي هنا الليلة الماضية، وصادفت الاثنين عند ركن الجزء المُتهدم، فاستوقفاني، ولم يسمحا لي بالذهاب، واحتجزاني هنا، ووعداني بأن يتركاني أرحل في وقتٍ لاحق.»
صِحت: «السير جيلبرت!» وتابعت: «هل أنتِ متأكدة من أنه كان السير جيلبرت؟»
أجابت: «بالطبع متأكدة!» وتابعت: «مَن غيره؟ لقد أدركتُ أنهما كانا خائفَين من الإبلاغ عن أنني قد رأيتهما؛ كان السير جيلبرت نفسه هو مَن قال إنهما لا يستطيعان المجازفة.»
سألت: «هل رأيتِه منذ ذلك الحين؟» وتابعت: «هل أتى إلى هنا؟»
أجابت: «كلَّا، ليس منذ الليلة الماضية.» وأضافت وهي تضحك، مُشيرة إلى الأشياء التي وُضِعَتْ على الطاولة: «ولا هولينز منذ هذا الصباح عندما أحضر لي بعض الطعام، ولم أكن أرغب فيه.» ثم أضافت: «وقال، آنذاك، إنه عند منتصف الليل، الليلة، سأسمع المفتاح يدور، وبعد ذلك ستكون لديَّ حرية الذَّهاب، لكن عليَّ أن أشقَّ طريقي إلى المنزل سيرًا على الأقدام؛ لأنه لم يكن يُريدني أن أعود إلى بيرويك مرةً أخرى بسرعة.»
قلت وأنا أهزُّ رأسي: «أجل!» وتابعت: «لقد بدأتُ أدرك الأمر قليلًا! ولكن، يا مايسي، هل ستكونين فتاةً مُطيعة، وتفعلين بالضبط ما أُخبركِ به؟ وهو أن تظلِّي في مكانكِ هنا حتى أُخرجكِ أنا منه. لأنه يُوجَد المزيد من الخوف بالأسفل، ولا يعلم مكان السير جيلبرت إلا الرب، لكن هولينز يرقد قتيلًا على السُّلَّم؛ وإن لم أكن قد رأيتُه يُقتَل، فقد رأيته يلفظ أنفاسه الأخيرة!»
ارتجفَتْ هي أيضًا، قليلًا عند سماعها ذلك، وأطبقت قبضتَها عليَّ أكثرَ.
وسألَتْ بقلق: «هل أتيتَ بمُفردك يا هيو؟» وأضافت: «هل أنت في خطر؟»
ولكن عندئذٍ، نادى تشيسهولم عبر سُلَّم البرج، وسأل عما إذا كانت الآنسة دنلوب سالمة، فطلبتُ من مايسي أن تُخاطبه.
قال: «ذلك خبر سارٌّ!» ثم أضاف: «ولكن هلَّا تُخبرين السيد هيو أن ينزل إلينا؟ ومن الأفضل أن تظلِّي حيث أنتِ، يا آنسة دنلوب؛ فالمشهد هنا غير مُبهج على الإطلاق. ألدَيكِ أيُّ فكرةٍ عمن فعل هذا؟» سأل بينما أنزل إليه. وأردف: «هل كنتَ معه؟»
صِحتُ: «يا إلهي، ليس لديَّ أي فكرةٍ أكثر ممَّا لديك!» ثم أضفت: «لقد كان ينوي الهرب إلى مكانٍ ما في السيارة الموجودة بالأسفل، وهدَّدني بأنني سأفقد حياتي إن لم أوافق على أن أدعه يفرُّ في سلام، وكان ينزل السُّلَّم مُتجهًا إلى السيارة عندما حدث ذلك. لكن سأخبرك بهذا: تقول الآنسة دنلوب إن السير جيلبرت كان هنا الليلة الماضية! وكان هو وهولينز مَن احتجزاها في الأعلى هناك، خوفًا من الإبلاغ عنهما إذا تركاها تذهب.»
صاح: «إذن حكاية جلاسجو كانت كلها أكاذيب؟» وتابع: «لقد اختلقها هذا الرجل، أيضًا، الذي يرقد ميتًا؛ لقد كانت مكيدة، أليس كذلك يا سيد هيو؟»
قلت: «كل هذا جزء من مكيدة يا تشيسهولم.» ثم أضفت: «أليس من الأفضل أن نُدخِل الرجلَ إلى هنا، ونفتِّشه؟ وما الذي جعلكم تأتون إلى هنا بأنفسكم؟ وهل يُوجَد آخرون منكم في الجوار؟»
أجاب: «جئنا نسأل عن بعض المعلومات في المنزل، وكنا نمرُّ من هنا، تحت الجدار، مُتجِّهين إلى الطريق، عندما سمعنا تلك السيارة تُصدر صوتًا، ثم رأينا القليل من الضوء. وتلك فكرة جيدة منك، سوف نُحضره إلى هذا المكان ونرى ما إذا كان يُوجَد ما يكفي لإعطائنا أي دليل. انزل إلى أسفل»، تابع، مُلتفتًا إلى الرجل الآخر، «وأحضِر المصابيح الأمامية للسيارة، حتى نتمكَّن من رؤيةِ ما نفعله. هل تظنُّ أن هذا مِن فعْل السير جيلبرت، يا سيد هيو؟» همس عندما صِرنا وحدنا. ثم أضاف: «إذا كان قد جاء إلى هنا، وكان هولينز هذا مُطلعًا على بعض أسراره …؟»
صِحت: «أوه، لا تسألني عن ذلك!» ثم أضفت: «يبدو أنه لم يَعُد يُوجَد سوى القتل ليُقابلنا في كل مكان! ومَن فعل هذا لا يمكن أن يكون بعيدًا؛ ولكن الليلة مُظلمة للغاية، ويُوجَد الكثير من الجحور والزوايا في المكان بحيث يُصبح الأمر أشبه بالبحث عن جُحر أرانب؛ سيتعيَّن عليك أن تجلب مساعدةً من البلدة.»
قال: «أجل، بالتأكيد!» ثم أضاف: «لكننا سنُلقي نظرةً على الأشياء بأنفسنا، أولًا. ربما نجد معه أشياء تُوحي بشيءٍ ما.»
حملنا الجثة إلى الغرفة عندما جاء الشرطي حاملًا المصابيح من السيارة، وأرقدناها على المنضدة التي جلسنا أنا وهولينز عليها قبل ذلك بوقتٍ قصير؛ إلا أنه في ذلك الوقت، في الواقع، بدا لي حينئذٍ أنه ينتمي إلى حياةٍ أخرى! وأجرى تشيسهولم تفتيشًا سريعًا لما يُوجَد في جيوب الرجل، ولم يكن يُوجَد شيءٌ ذو أهمية، باستثناء أنه في محفظةٍ كان يحملها في الجيب الداخلي للصدرية، كان يُوجَد مبلغٌ كبير من المال على هيئة أوراقٍ نقدية وعملات ذهبية.
انتظر الشرطي الآخر، الذي كان يحمل أحد المصابيح فوق المنضدة بينما كان تشيسهولم يُفتِّش الجثة، في صمتٍ حتى انتهى الأمر، ثم أشار برأسه نحو السُّلَّم.
وقال: «يُوجَد بعض الصناديق، أو الحقائب، في السيارة بالأسفل.» وتابع: «كلها مُغلقة وعليها ملصقات، قد يكون من المفيد إلقاء نظرةٍ عليها، أيها الرقيب. والأكثر من ذلك، تُوجَد أدوات مُلقاة في السيارة تبدو وكأنها قد استُخدِمَت لغلقها.»
قال تشيسهولم: «سنُحضِرها إلى هنا إذن.» ثم أضاف: «انتظِر أنت هنا يا سيد هيو، بينما نُحضِرها، ولا تَدَع خطيبتك تنزل إلى هنا بينما تلك الجثة مطروحة هنا. ربما يُمكنك تغطيتها»، تابع بإيماءةٍ ذات مغزًى. وأضاف: «إنه مشهد مُرعب حتى على رجل!»
كانت هناك بعض الستائر القديمة التي أكلها العثُّ على الجدران هنا وهناك، فأخذت واحدة وبسطتها فوق هولينز، مُتسائلًا، بينما أفعل هذا الطقس من أجله، عن السرِّ الغريب الذي حملَه معه بعدما لقِيَ حتفه، ولماذا ارتسم هذا التعبير الغريب والحائر على وجهه لحظة الموت. وبعدما فعلت ذلك، صعدتُ إلى مايسي مرةً أخرى، وطلبتُ منها التحلِّي بالصبر لبعض الوقت، وتحدَّثنا قليلًا بصوتٍ خفيض حتى دعاني تشيسهولم للنزول لفحص الصناديق. كان يُوجَد أربعة منها؛ صناديق خشبية متينة حديثة الصنع، مدعمة بالحديد عند الزوايا، ومُغلقة بإحكام؛ وعندما دعاني الشرطيان لكي أختبر الوزن، خطر على بالي، بدرجةٍ أقل، صندوق جيلفرثويت من خشب البلوط.
سأل تشيسهولم: «ما الذي يُحتمَل أن يُوجَد بداخلها في رأيك، يا سيد هيو؟» وتابع: «أتعرف ماذا أظن؟ يُوجَد العديد من المعادن الثقيلة في العالم، أجل، أليس الذهب من أثقلها؟ ليس معدن الرصاص هو الموجود هنا! وانظر إلى هذا!»
أشار إلى بعض الملصقات الموجَّهة بعناية والمُثبتة بقوة على كل غطاء؛ كانت الكتابة بحروف ثابتة وغليظة تُشبه الحروف المطبوعة:
«جون هاريسون، مسافر، عبر أس أس آيرولايت. من نيوكاسل إلى هامبورج.»
كنتُ أتفحَّص الملصقات ووجدتها جميعًا متشابهة، عندما سمِعنا أصواتًا عند أسفل السلَّم، ومنها جاء صوت المدير موراي، يسأل في حدَّة بصوتٍ عالٍ عمَّن بالأعلى.