القتيل
ربما يُوجَد أناسٌ في العالم يعتبرون أن العثورَ على جثةِ رجل، مُمدَّدة مُتيبِّسة بشكلٍ مُخيف على جانب الطريق، والدم ما زال يتدفَّق منها ويصنع بُقعًا قبيحةً من اللون القرمزي على العُشب والحصى، أمرٌ عاديٌّ؛ لكن لي أنا الذي لم يسبق أن شاهدتُ الدماء تتدفَّق في عُنف، إلا في مراتٍ كأن يضرب طفلٌ زميله بقبضته في المدرسة، كان هذا أكبر شيءٍ حدث على الإطلاق، ووقفت أُحدِّق في الوجه الأبيض كما لو أنني لا يجِب أن أنظر أبدًا إلى أيِّ شيءٍ آخر ما حييت. أتذكَّر الآن كلَّ شيءٍ عن ذلك المشهد وتلك اللحظة كما لو كان الأمر قد حدث الليلة الماضية. كان الرجل الميت يرقُد على العشب المسحوق؛ وذراعاه مُرتميتان بلا حولٍ ولا قوة على جانبَيه؛ وظلمة الأشجار في كل مكان؛ خرير المياه، حيث كان نهر تيل يصبُّ فَيضه البطيء في الدوَّامة الأكثر نشاطًا واندفاعًا لنهر تويد؛ وهواء الليل الحار الخانق؛ والدم على الطريق الجاف؛ كل ذلك كان ما خرجتُ من بيرويك، بناء على طلب السيد جيلفرثويت، لأجده في تلك البقعة المنعزلة.
لكنني علمت، بالطبع، أن جيمس جيلفرثويت نفسه لم يكن يتوقَّع هذا الأمر، ولا فكَّر في أنني سأجِد رجلًا مقتولًا. وبينما كنتُ ألتقط أنفاسي أخيرًا، وتوقَّفتُ قليلًا عن التحديق في الجثة، اندفعَتْ أفكارٌ كثيرة للغاية إلى رأسي، وبدأ يصطدم بعضها ببعض. هل كان هذا هو الرجل الذي أرادني السيد جيلفرثويت أن أُقابله؟ هل كان السيد جيلفرثويت سيُقتَل، هو الآخر، لو أنه كان قد جاء إلى هنا بنفسه؟ وهل قُتِلَ الرجل من أجل السرقة؟ لكنني أجبتُ على ذلك السؤال الأخير بمجرَّد أن طرحته، وكان الجواب بالنفي؛ لأن ضوء مصباحي أظهر سلسلةَ ساعةٍ ذهبية ثقيلة وراقية مُثبَّتة على صديري الرجل؛ لو كان لصوص يَميلون إلى القتل قد هاجموه، ما كان من المُحتمَل أن يتركوا تلك الساعة. ثم تساءلتُ عما إذا كان قدومي قد أزعج القتلة؛ إذ كانت راسخة في عقلي من البداية فكرة أنه لا بدَّ من وجود أكثر من شخصٍ في هذه اللعبة المُروِّعة — وتساءلتُ عما إن كانوا لا يزالون يتربَّصون بي ويُراقبونني من الغابة؛ وبذلتُ مجهودًا، وانحنيتُ ولمست إحدى يدَيه الساكنتَين. فوجدتها مُتيبِّسة بالفعل، وأدركتُ عندئذٍ أن الرجل كان قد لقي حتفه منذ بعض الوقت.
وأدركتُ أمرًا آخرَ في تلك اللحظة: أن مايسي المسكينة، التي ترقُد مُستيقظةً كي تسمع النقر على نافذتها، حتى تنهض وتختلس النظر من طرَف ستارتها لتُطمئن نفسها أن حبيبها هيو لا يزال حيًّا وآمنًا، ستظلُّ في حالة قلقٍ وتخمين خلال الساعات المظلمة لتلك الليلة؛ لأنه كان يُوجَد هنا عملٌ سيُبقيني منشغلًا حتى طلوع النهار. شرعتُ في عملِ ما يتوجَّب عليَّ هناك في تلك اللحظة، فتركت الرجل كما وجدته، وأسرعت عائدًا في اتجاه الطريق الرئيسي. ولحُسن الحظ، سمعتُ أصوات رجالٍ على جسر تويزل، وركضتُ مباشرةً نحو رقيب شرطة محلي وشرطي، كان قد التقيا هناك خلال جولتيهما الليليتَين. كنتُ أعرف كليهما؛ إذ كان الرقيب يُدعى تشيسهولم، والشرطي رجلًا يُدعى تورنديل، وكانا يَعرفانني جيدًا من رؤيتي في المحكمة في بيرويك؛ وقد استمعا بذهولٍ بالغ إلى ما تعيَّن عليَّ أن أُبلغهما به. بعد قليل كان ثلاثتنا واقفين جميعًا حول الرجل الميت، وهذه المرة سُلِّط ضوء المصابيح الثلاثة على وجهه وعلى بُقعة الدم التي كانت تُحيط به، وطقطق تشيسهولم بلسانه بحدةٍ عندما رأى ما رآه.
قال بصوتٍ خفيض، بينما ينحني ويلمس إحدى يديه: «هذا مشهد مؤلم للأُناس الأبرياء!» ثم أضاف: «أجل، لقد مرَّ على وفاته ما يقرب من ساعة، في رأيي، من خلال الإحساس ببرودة جثته! ألم تسمع شيئًا عندما كنت تقترب من المكان، يا سيد هيو؟»
أجبت: «لم أسمع أيَّ شيء!»
فسأل: «ولم ترَ شيئًا؟»
قلت: «لا شيء ولا أحد!»
فقال: «حسنًا»، وتابع، ملتفتًا إلى الشرطي، «سيتعيَّن علينا إبعاده من هذا المكان. لذا يجب عليك إحضار مَن يساعدنا.» وأضاف: «أحضِر بعض الرجال لمساعدتنا في حملِه. يجب أن يُنقَل إلى أقرب نُزُل من أجل التحقيق؛ فهذا هو القانون. لم أكن سأسأل بينما كان ذلك الرجل هنا، يا سيد هيو»، تابع، بعدما كان تورنديل قد ذهب مُسرعًا نحو القرية؛ «لكنك لن تُمانع أن أسألك الآن؛ ماذا كنتَ تفعل هنا، في هذه الساعة؟»
قلت: «لديك الحقُّ تمامًا، يا تشيسهولم»؛ وسأُخبرك؛ لأنه من خلال ما يُمكنني رؤيته، لن يُوجَد سبيل لكتمان الأمر، ولا يُهمني كتمانه، ولا يُهمني مَن يعرف كلَّ شيءٍ عنه، ليس أنا! الحقيقة هي أن لدَينا مُستأجِرًا في منزلنا، هو السيد جيمس جيلفرثويت، وهو رجل غامض، يرقُد حاليًّا في سريره مُصابًا برجفةٍ أو شيءٍ من هذا القبيل يستلزم بقاءه هناك، والليلة طلب منِّي أن أقود دراجتي إلى هنا للقاء رجلٍ كان يجِب أن يُقابله هو بنفسه؛ ولهذا السبب أنا هنا، وهذه كل صِلتي بالأمر.»
صاح، وهو يُشير بإبهامه نحو الرجل الميت: «أنت لا تقصد أن تقول أن … أن هذا! هذا … هذا هو الرجل الذي كان من المُفترَض أن تُقابله؟»
قلت: «مَن غيره؟» ثم أضفت: «هل يُمكنك التفكير في أي شخصٍ آخر غيره؟ وأنا أتساءل عما إذا كان مَن قتل هذا الرجل، أيًّا كانت هويته، كان سيقتُل السيد جيلفرثويت أيضًا، لو كان قد جاء؟ هذه ليست جريمة قتل عرَضية، يا تشيسهولم، كما ستكتشف.»
قال، وهو يُنقِّل بصرَه بيني وبين الجثة: «حسنًا، حسنًا، لم أعرف أبدًا مثيلًا لها!» ثم أضاف: «ألم ترَ أحدًا في الجوار، أو في الحي، ولا غرباء على الطريق؟»
كنتُ مُستعدًّا لذلك السؤال. منذ العثور على الجثة، أخذتُ أتساءل ماذا يجب أن أقول عندما تسألني السلطة، سواء على هيئة مُحقق أو شرطي، عن مُغامراتي في تلك الليلة. من المؤكَّد أنني قد رأيتُ شخصًا غريبًا، ولاحظتُ أنه قد فقد أصبعَين، الأولى والثانية، من يده اليُمنى، وكان من المؤكَّد أن وجودَه في ذلك الحي تحديدًا وفي الوقت الذي لقِيَ فيه هذا الرجل البائس مصرعه أمر غريب. لكنني كنتُ أعتقد اعتقادًا قويًّا أن الرجل الذي كنتُ قد رأيته ينظر إلى خريطته كان سائحًا يسير في المنطقة، وكنتُ أعتقد بالمثل أن قدَمه لم تطأ بلودن فيلد وتلك الناحية التاريخية من البلد قبل ذلك، وأن الظلام كان قد داهمه قبل أن يتمكَّن من الوصول إلى مقرِّ إقامته أيًّا كان مكانه. ولم أكن سأُثير الشكوك حول مَن كان على الأرجح غريبًا بريئًا؛ لذلك أجبتُ على سؤال تشيسهولم مثلما نويتُ الإجابةَ على أي سؤالٍ مُشابه … ما لم يكن لديَّ بالفعل سببٌ لتغيير رأيي.
فقلت: «لم أرَ أحدًا ولم أسمع شيئًا … في الجوار.» وأضفت: «من المُستبعَد أن يُوجَد غرباء في هذه البُقعة في منتصف الليل.»
قال، وهو يسلِّط مصباحه مرةً أخرى على وجه القتيل: «فيما يتعلَّق بهذا الشأن، هذا الرجل المسكين هو نفسه غريب.» ثم تابع: «على أي حال، هو مجهول لي، وأنا أعمل في هذه المنطقة منذ عشرين عامًا. وبوجهٍ عام، لقد صادفتُ لغزًا كبيرًا، يا سيد هيو، وستحدُث أفعالٌ غريبة قبل أن نسبر غورَه، على ما أظن.»
إن وجود لغز في هذه القضية كان أمرًا يزداد تأكُّدًا أكثرَ من أي وقتٍ مضى، بعد نقل الرجل إلى أقرب نُزُل، وإحضار المزيد من المساعدة، بما في ذلك طبيب، عندما بدءوا في فحص جثته وملابسه. والآن بعد أن رأيته في ضوءٍ أقوى، وجدتُ أنه رجل قوي ذو بنيةٍ جيدة، في مثل عمر السيد جيلفرثويت؛ لنَقُل إنه قد تجاوز الستِّين عامًا أو نحو ذلك، يرتدي ملابس راقية، وحذاءً جيدًا وجوربًا من الكتان وبدلة من صوف التويد من النوع الذي يُفضِّله السائحون. كان يُوجد قدرٌ كبير من المال في جيوبه — أوراق نقدية وعملات ذهبية وفضية — وساعةٌ وسلسلة باهظتا الثمن، وأشياء أخرى من هذا القبيل من تلك التي يحملها رجلٌ نبيل؛ وبدا واضحًا جدًّا أن السرقة لم تكن الدافع الذي من أجله ارتكب القتلة جريمتهم. لكنه لم يكن يحمل أوراقًا يمكن أن تحدِّد هويته؛ حيث لم يكن يحمِل قصاصةَ ورقٍ واحدة في جميع ملابسه، باستثناء نصف تذكرة عودة بالقطار بين بيبلز وكولدستريم، وقطعة من رأس فاتورة مُمزقة عليها اسم وعنوان تاجر في دَندي.
«ثمة خيطٌ ما يمكن متابعته، على أي حال»، علَّق تشيسهولم، وهو يضع هذه الأشياء جانبًا بعنايةٍ بعد أن أوضح لنا أن التذكرة كانت بتاريخ ما أصبح الآن اليوم السابق (لأن الوقت بالفعل كان قد تجاوز منتصف الليل بكثير، وكاد الصبح أن يطلع)، وأنه لا بدَّ أن القتيل جاء إلى كولدستريم قبل سويعات من مصرعه، ثم أضاف: «ومن المُحتمَل أن نجد معلومات عنه في دندي أو بيبلز. لكنني أميل إلى التفكير، يا سيد هيو»، ثم تابع، وهو يجذبني مُنتحيًا بي جانبًا، «في أنه على الرغم من عدم سرقة مال الرجل وأشيائه الثمينة، فربما يكون قد سُرِقَ منه شيء آخر له قيمة أكبر بكثيرٍ من أيٍّ منهما.»
فسألت: «مثل ماذا؟»
قال: «أوراق!» ثم أضاف: «انظر إلى المظهر العام للرجل! إنه ليس رجلًا عاديًّا أو مِن العامة. هل مِن المحتمَل، الآن، ألَّا يحمل مثل هذا الرجل رسائل أو هذا النوع من الأشياء في جيوبه؟ ومن غير المُحتمَل كذلك أنه لم يكن يحمل دفترَ جيبه، وربما كان دفتر جيبه هذا بما كان فيه هو ما كانوا يسعَون إليه، ولم يكونوا يهتمُّون بحافظة نقوده على الإطلاق.»
قلت: «لقد تحقَّقوا منه، على أي حال»، ثم خرجتُ من الغرفة التي وضعوا فيها الجثة، غير مُهتمٍّ بالبقاء لفترة أطول. لأنني كنتُ قد سمعتُ ما قاله الطبيب؛ أن الرجل قُتِل في الحال بضربةٍ واحدة من سكينٍ أو خنجر غُرز في قلبه من الخلف بقوةٍ هائلة، وكان التفكير في ذلك يُزعجني. سألت تشيسهولم، الذي تبعني: «ماذا ستفعل الآن؟» وأضفت: «وهل ما زلتَ بحاجةٍ إلى تواجُدي هنا، أيها الرقيب؟ لأنك، إن لم تكن بحاجةٍ إليَّ، فأنا أودُّ بشدة أن أعود إلى بيرويك.»
أجاب: «هذا هو بالضبط المكان الذي سأذهب إليه معك.» ثم أضاف: «إن درَّاجتي على مقربةٍ من هنا، وسنقود دراجتَينا إلى البلدة معًا في الحال. لأنه، كما ترى، يا سيد هيو، يُوجَد رجلٌ واحد فقط في هذه الأنحاء يُمكنه أن يكشف لنا بعضَ الغموض في هذه القضية على الفور، إن كان سيفعل، وهو ذلك المُستأجِر الذي أخبرتَني عنه. ويجب أن أدخل وأقابل مدير الشرطة، ولا بدَّ أن نتحدَّث مع السيد جيلفرثويت هذا؛ لأنه، إن لم يكن يعرف الكثير، فسوف يعرف مَن يكون هذا الرجل!»
لم أُجِب على ذلك. لم تكن لديَّ إجابة محدَّدة. كنتُ أتساءل بالفعل حول الكثير من التكهُّنات. هل يعرف السيد جيلفرثويت هوية الرجل؟ هل كان هو الرجل الذي كان يجب أن أُقابله؟ أم أن الرجل كان هناك، وشهد الجريمة، وهرب، خائفًا من التوقُّف في موقعها؟ أم، مُجددًا، كان رجلًا صادف مرسالَ السيد جيلفرثويت، ولسببٍ ما، قُتِل على يدَيه؟ ومع ذلك، فقد كان كل شيءٍ بعيدًا عن إدراكي آنذاك، وبعد برهةٍ كنت أنا والرقيب نقود دراجتَينا على الطريق نحو بيرويك. لكن لم تكن قد مرَّت سوى نصف ساعة، وكنَّا في موقعٍ يُمكِّننا من رؤية أضواء البلدة أمامنا في الليل، عندما جاء شخصان يركبان دراجتَين عبر الضباب الذي كان كثيفًا في مُنحدرٍ من الطريق، ولأنهما كانا يناديان عليَّ، تمكَّنتُ من معرفة أنهما كانا مايسي دنلوب وشقيقها توم الذي جعلَته يأتي معها، وبعد دقيقةٍ أخرى كنتُ أنا ومايسي نتهامس.
قالت بلهفة: «كل شيءٍ على ما يُرام الآن بعد أن علمتُ أنك سالم يا هيو.» وتابعت: «لكن يجب أن تعود معي بسرعة. لقد مات مُستأجِر الغرفة بمنزلكم، وأمُّك قلقة للغاية، وتتساءل أين أنت!»