السيد جون فيليبس
بدأ في إعادة وضع الصناديق والطرود المختلفة في الصندوق الكبير بينما كان يتحدَّث، ونظرنا جميعًا بعضنا إلى بعض مثلما يمكن أن ينظر الرجال الذين، بعد أن سلكوا طريقًا غير معروف لهم، وجدوا أنفسهم أمام جدارٍ مُصمت. لكن تشيسهولم، الذي كان رجلًا ذكيًّا، ذا عقل راجح، تحدَّث فجأة.
وقال: «تُوجَد حقيقة أن القتيل أرسل تلك الرسالة من بيبلز، ويبدو أنه سافر بنفسه من بيبلز بالأمس فقط. ربما نجِد بعض المعلومات عنه في بيبلز، ومما قد نجده، هناك أو في أي مكان آخر، قد نحصل على صلةٍ ما بينهما.»
قال السيد ليندسي: «أنت مُحقٌّ في كل ذلك، أيها الرقيب، وسيتعيَّن أن يذهب أحدكم إلى بيبلز. لأن الأمر واضح؛ لقد قُتِلَ هذا الرجل على يد شخصٍ ما، والخطوة الأولى للتوصُّل إلى ذلك الشخص هي معرفة هوية القتيل، وسبب مجيئه إلى هذه الأنحاء. أما بشأن هذا الرجل هنا»، تابع، وهو يشير باهتمامٍ نحو السرير، «فإن سِرَّه، أيًّا كان، قد ذهب معه. وسؤالنا الآن هو، هل يُمكننا معرفته بأيِّ طريقةٍ أخرى؟»
أجرَينا المزيدَ من الحديث في الطابق السفلي، واتُّفِق على أن أذهب أنا وتشيسهولم إلى بيبلز على متن أول قطارٍ في ذلك الصباح، ونكتشف قدرَ ما نستطيع هناك، ونعود للبحث في محطة كورنهيل، حيث وفقًا لنصف التذكرة التي وُجِدَتْ معه، بدا أن القتيل جاء منها مساء يوم مقتله. في هذه الأثناء، كان موراي سيجعل رجاله يفتِّشون مسرحَ الجريمة بدقةٍ وتمعُّن؛ إذ قد يكشف ضوءُ النهار عن أشياءَ لم نتمكَّن من اكتشافها بواسطة ضوء المصابيح.
قال ليندسي: «وثمة شيءٌ آخر يُمكنكم فعله.» وتابع: «تلك القصاصة من رأس فاتورة المكتوب عليها اسم وعنوان في دندي، والتي وجدتموها معه، يمكنكم إرسالُ برقية إلى هناك ومعرفة أيِّ معلومةٍ عن الرجل. أي معلومة يُمكنكم الحصول عليها بتلك الطريقة …»
اعترض تشيسهولم قائلًا: «لقد نسيت، يا سيد ليندسي، أنَّنا لا نعرف أيُّ اسمٍ يُمكننا أن ندعو به الرجل.» ثم أضاف: «سيتعيَّن علينا العثور على اسمٍ له قبل أن نُرسِل برقيةً إلى دندي أو أي مكانٍ آخر. ولكن إذا تمكَّنا من العثور على اسمٍ له في بيبلز …»
قال موراي: «أجل، ستكون تلك هي الطريقة.» ثم أضاف: «لنحصل على كل المعلومات التي يمكننا الحصول عليها خلال اليوم، وسأرتِّب الأمر مع ضابط تحقيق الوفيات من أجل الاستجواب في ذلك النُّزُل حيث أخذتموه؛ لا يمكن إجراؤه قبل صباح الغد. يا سيد ليندسي»، تابع، «ماذا ستفعل بخصوص هذا الرجل الذي يرقُد ميتًا في الطابق العلوي؟ تقول السيدة مونيلوز إن الطبيب قد زاره مرَّتَين، وسيكون بمقدوره تقديمُ شهادة؛ لذلك لن يُجرى تحقيق بشأنه، ولكن ما الذي يجب فعْله بشأنِ أصدقائه وأقاربه؟ من المُحتَمَل أنه سيكون ثمة شخصٌ ما، في مكانٍ ما. وماذا عن … كل هذه الأموال التي بحوزته وفي صندوقه؟»
هزَّ السيد ليندسي رأسه وابتسم.
ثم قال: «إذا كنتَ تظنُّ أن كلَّ هذه الأحداث ستظلُّ طي الكتمان، أيها الرئيس، فأنت لستَ رجلًا حكيمًا كما أحسبك. ليُباركك الرب، يا رجل، ستنتشر الأخبار في البلاد في غضونِ ثمانٍ وأربعين ساعة! إن كان لهذا الرجل جيلفرثويت أهلٌ، فسيُهرعون إلى هنا سريعًا كما تُهرَع الغربان إلى حقلٍ نُثِرتْ فيه البذور حديثًا! دعِ الخبر ينتشر، وستتمنَّى لو لم يُولد مراسلو الصحف أبدًا. لا يمكنك إبقاء هذه الأشياء هادئة، وإذا كنَّا نريد كشف غموض هذه القضية، فإن الدعاية هي الشيء الذي نحتاجه.»
قيل كل هذا في حضور والدتي التي، لأنها بطبيعتها هادئة للغاية، لم تكن بأي حالٍ من الأحوال مسرورةً بمعرفة أن منزلها، كما هو مُتوقَّع، سيتحوَّل إلى مركز جذب. وعندما غادر السيد ليندسي والشرطة، وبدأتْ في إعداد بعض الإفطار لي قبل ذهابي لمقابلة تشيسهولم في المحطة، شرعتْ في ندب سوءِ حظِّنا لتأجيرنا غرفةً لجيلفرثويت في المنزل، وتورُّطنا بهذا في أشياء فظيعةٍ مثل القتل. وقالت إنه كان ينبغي أن تتحقَّق من هوية الرجل، قبل أن تستقبله، وأن تعرف مع مَن كانت تتعامل. ولم يكن أيُّ شيءٍ يمكن أن أقوله أنا أو مايسي — التي كانت لا تزال موجودة هناك؛ إذ بقِيَت لتمدَّ يد العون، بعد أن عاد توم دنلوب إلى المنزل لإخبار والده بالأخبار الهامة — سيُخرِج من رأسها فكرةَ أن جيلفرثويت، بطريقةٍ أو بأخرى، كان له علاقة بمقتل الرجل الغريب. وبصفتها أنثى، ولا تحتكِم للمنطق، لم تجد أيَّ سببٍ يدعو إلى ضجةٍ كبيرة حول هذه القضية في منزلها، بأي حالٍ من الأحوال. حيث قالت إن الرجل قد مات، وليأخذوه بعيدًا بطريقةٍ لائقة، وليحتفظوا بأمواله حتى يتقدَّم شخصٌ ما للمطالبة بها؛ كل ذلك بهدوءٍ ودون إحداث ضجة في الصحف مثلما قال السيد ليندسي.
فسألت: «وكيف لنا أن نجعل الناس يعرفون أيَّ شيءٍ عنه إذا لم تُنْشَر أخبارُ القضية في الصحف؟» ثم أضفت: «بهذه الطريقة فقط يُمكننا جعل أقاربه يعرفون أنه مات، يا أمي. أنت تنسين أنَّنا لا نعرف حتى من أين جاء الرجل!»
ردَّت بحدَّة، وهي ترمقني أنا ومايسي بنظرةٍ حادة: «ربما يكون لديَّ تصوُّر أفضل عن المكان الذي جاء منه عندما أتى إلى هنا، من أيِّ مُحامٍ أو ضابط شرطة أيضًا، يا رجلي!» ثم تابعت: «لديَّ عينان في رأسي، على أي حال، ولا يستغرق الأمر منِّي وقتًا طويلًا لأرى شيئًا كان واضحًا أمامهم.»
قلت، وقد أدركتُ بسرعةٍ كافية أن لدَيها فكرةً ما في عقلها: «ماذا؟» وتابعت: «هل اكتشفتِ شيئًا ما؟»
دون أن تجيب على السؤال بالكلمات خرجتْ من المطبخ وصعدتِ السُّلَّم، ثم عادت إلينا بعد قليل، وهي تحمِل في يدٍ ياقةَ قميص رجلٍ وفي الأُخرى سترةَ جيلفرثويت الزرقاء. وأدارت داخل الياقة نحونا، مُشيرة بإصبعها إلى بعض الكلمات المختومة باللون الأسود على الكتان.
وقالت: «انتبِها لذلك!» وتابعت: «كان لدَيه عشْر من تلك الياقات، جديدة تمامًا، عندما جاء، وهذا، كما تريان، هو المكان الذي اشتراها منه، كما اشترى، من هناك، أيضًا، بدلات جاهزة — كانت جديدة أيضًا — ها هو ذا الاسم على بطاقةٍ داخل السترة: براون براذرز، ملابس للرجال، إكستشينج ستريت، ليفربول. ما الذي يُثبته كلُّ هذا سوى أنه جاء من ليفربول؟»
قلت: «أجل!» وتابعت: «ويثبت، أيضًا، أنه كان يريد ملابس جديدة عندما جاء إلى ليفربول من … من أين؟ من مكان بعيد للغاية، حسبما أظن! لكنه أمر تلزم معرفته بقدرِ ذلك الأمر، ولا شك أنكِ قد اكتشفتِ دليلًا قد يكون مُفيدًا يا أمي. وإذا اكتشفنا أن الرجل الآخر قد جاء من ليفربول، أيضًا، فبالقطع عندئذٍ …»
لكنني توقَّفت فجأة عند هذا الحد؛ إذ راودتني رؤيةٌ مفاجئة لعالمٍ واسعٍ للغاية لم تكن ليفربول سوى منفَذٍ له. من أين جاء جيلفرثويت عندما وصل إلى ليفربول، وتزوَّد بملابس جديدة؟ وهل أيضًا جاء هذا الرجل الغامض الذي واجه ذلك المصيرَ الرهيب من مكان بعيد، لينضم إليه في الهدف الذي جاء من أجله إلى بيرويك؟ كذلك، وهو الأمر الأكثر أهمية، وبنفس قدرِ غموض هذين الرجُلَين، ماذا عن الرجل الغامض بنفس القدر الذي كان في مكانٍ ما في الخلفية؛ القاتل؟
لم نُواجِه أنا وتشيسهولم صعوبةً كبيرة؛ في الواقع، لم نُواجه أيَّ شيءٍ يمكن أن تُسميه صعوبة، في اكتشاف شيءٍ ما في بيبلز عن القتيل. أخذنا نصف التذكرة معنا، وسرعان ما قابلنا موظف الحجز الذي أصدرها بعد ظهر اليوم السابق. وقد تذكَّر ملامح الرجل الذي كان قد باعها له ووصفه لنا على نحوٍ جيد. علاوة على ذلك، أرشدَنا إلى مُحصِّل تذاكر تذكَّر وصول نفس الرجل إلى بيبلز قبل ذلك بيومَين، وترك تذكرةَ سفرٍ من جلاسجو. كان لديه سبب لتذكُّره؛ لأن الرجل كان قد طلب منه أن يُرشِّح له فندقًا جيدًا، وأعطاه شلنَين مقابل جهده. حتى هذا، آنذاك، كانت مُهمتنا سهلة، واستمرَّت بسيطةً وسهلة خلال الفترة القصيرة التي قضيناها في بيبلز. وقد توصَّلنا إلى ما يلي: جاء الرجل الذي كنَّا نسأل عنه إلى المدينة في وقتٍ مبكِّر من بعد ظهر اليوم السابق للجريمة؛ وأقام في أفضلِ فندقٍ فيها؛ وكان يغادر ويعود طَوال فترةِ ما بعد الظهر والمساء، ومكث هناك حتى منتصف عصر اليوم التالي، عندما دفع فاتورته وغادر. وكان الاسم الذي كتبه في سجل النزلاء هو: السيد. جون فيليبس، جلاسجو.
أخرجني تشيسهولم من الفندق حيث سمعنا كلَّ هذا وسحب قصاصة رأس الفاتورة من دفتر جيبه.
وقال: «الآن بعد أن حصلنا على الاسم الذي يجب أن نتتبَّعه، سنرسل برقيةً إلى هذا العنوان في دندي ونسأل عما إذا كان يُوجَد أيُّ شيء معروف هناك عن السيد جون فيليبس. وسنطلب إرسال الرد إلى بيرويك، وسيكون في انتظارنا عندما نعود هذا الصباح.»
كان الاسم والعنوان في دندي يخصان جافين سميتون، آيجنت، ١٣١ إيه بانك ستريت. وكان السؤال الذي أرسله تشيسهولم إليه في البرقية واضحًا ومباشرًا للغاية: هل يمكنه إعطاء شرطة بيرويك أيَّ معلومات عن رجلٍ يُدعى جون فيليبس، وُجِدَ مقتولًا، واكتُشِفَ اسم السيد سميتون وعنوانه ضمن متعلقاته؟
قال تشيسهولم، عندما غادرنا مكتب البريد: «قد نحصل على شيء من ذلك، وقد لا نحصل على شيء على الإطلاق. والآن بعد أن علمنا أن هذا الرجل قد غادر من هنا إلى كولدستريم، فلنعُد إلى هناك، ونمضي قُدُمًا في تتبُّعنا لتحركاته الليلة الماضية.»
لكن عندما عُدنا إلى مَنطقتنا سرعان ما صِرنا في حيرةٍ كبيرة. حيث تذكَّر العاملون في محطة كورنهيل الرجل جيدًا. كان قد وصل إلى هناك في حوالي الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم السابق. وشُوهد وهو يسير في الطريق المؤدِّي إلى الجسر الذي يمرُّ فوق نهر تويد نحو كولدستريم. ولم نتمكَّن من معرفةِ ما إذا كان قد سأل أيَّ شخصٍ عن الطريق؛ بدا أنه سار في هذا الطريق فحسْب، كما لو أنه كان على دراية جيدة بالمكان. لكنَّنا حصلنا على أخبارٍ عنه في حانةٍ في الناحية الأخرى من الجسر مباشرةً. كان رجلٌ كهذا، رجل نبيل، هكذا وصفه العاملون بالحانة، قد دخل هناك، وطلب كأسًا من الويسكي، وظلَّ بضع دقائق بينما كان يشربها، وخرج مرة أخرى. ومن تلك النقطة فقدْنا كل أثرٍ له. كنا حينئذٍ، بالطبع، على بُعد أميالٍ قليلة من المكان الذي قُتِلَ فيه الرجل، وكان الناس على جانِبَي النهر جميعهم في حالةٍ من الانفعال الشديد حيال ذلك، لكن لم نتمكَّن من معرفة أيِّ معلوماتٍ أخرى. منذ اللحظة التي غادر فيها الرجل الحانة على جانب كولدستريم من الجسر، بدا أن لا أحد قد رآه حتى وجدتُ جثته بنفسي.
كانت بانتظارنا انتكاسةٌ أخرى عندما وصلنا إلى بيرويك؛ في الرَّد القادم من دندي. كان موجزًا وحاسمًا للغاية. «ليس لدَينا أيُّ معرفةٍ بأي شخصٍ يُدعى جون فيليبس — جافين سميتون.» وهكذا، في ذلك الوقت، لم يكن يُوجَد أيُّ شيءٍ يمكن الحصول عليه من تلك الجهة.
كنتُ أنا والسيد ليندسي في النُّزُل حيث نُقِلت الجثة، وحيث كان من المقَّرر إجراء التحقيق، في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي، بصحبة الشرطة، ووسط حشدٍ تَجَمَّع من جميع أنحاء البلاد. بينما كنَّا نُمضي الوقت، في انتظار وصول المُحقِّق، جاء رجلٌ نبيل يركب حصانًا رائعًا كستنائي اللون؛ كان رجلًا مُسنًّا حسنَ المظهر، جذب قدومُه الكثيرَ من الاهتمام. ترجَّل عن حصانه وجاء باتجاه باب النُّزل، وبينما كان يسحب القفاز من يده اليمنى رأيتُ أن الأصبع الأولى وكذلك الثانية من تلك اليد مفقودتان. كان هذا، بلا شك، هو الرجل الذي رأيته عند مُفترق الطرق قبل اكتشافي الجريمة!