التحقيق بشأن جون فيليبس
كان العديد من أعيان المنطقة قد جاءوا إلى النُّزل بالخيول أو السيارات، يجتذبهم، الفضول، بالطبع، وانضمَّ إليهم الرجل ذو اليد المشوهة على الفور بينما وقفوا يتحدثون بعيدًا عن بقيتنا. حينئذٍ عرفت كل هؤلاء الأشخاص من منطقتنا جيدًا عندما رأيتهم، لكنني لم أكن أعرف هذا الرجل، الذي كان ينتمي بالتأكيد إلى طبقتهم، والتفتُّ إلى السيد ليندسي، وسألته عن هذا الرجل النبيل الذي كان قد وصل للتوِّ على صهوة حصانه. فنظر إليَّ في دهشةٍ واضحة من سؤالي.
وقال: «ماذا؟» ثم تابع: «ألا تعرفه؟ ذلك هو الرجل الذي دار حوله الكثير من الحديث مؤخرًا؛ السير جيلبرت كارستيرز من هاثركلو هاوس، الوريث الجديد للقب البارونية العتيق.»
عرفت على الفور ما كان يقصده. إذ بين نورهام وبيرويك، المُطلَّتين على نهر تويد، وعلى الجانب الإنجليزي من النهر، يُوجَد مكان عتيق، ورائع، وخيالي، شبْه قصر، وشبْه قلعة، يقع في أراضيه الخاصة، ومعزول عن بقية العالم بجدرانٍ عالية وبساتين من الصنوبر والتنوب، وكان مملوكًا منذ عدة أجيال إلى عائلة كارستيرز العتيقة. وكان آخر مالك له، السير ألكساندر كارستيرز، البارونيت السادس، منعزلًا إلى حدٍّ كبير، ولا أتذكَّر مُطلقًا أنني رأيته سوى مرةٍ واحدة، عندما لمحتُه يقود سيارته في البلدة؛ كان رجلًا مُسنًّا للغاية بدا مثلما كان عليه حقًّا، ناسكًا. كان أرملًا لسنواتٍ عديدة، وعلى الرغم من أنه كان لدَيه ثلاثة أطفال، بدا أنه لم يتمتَّع بصحبتهم إلَّا قليلًا؛ لأن ابنه الأكبر، السيد مايكل كارستيرز، كان قد رحل منذ فترة طويلة إلى بلادٍ أجنبية ومات هناك، وكان ابنه الأصغر، السيد جيلبرت، حسبما علمنا، طبيبًا في لندن، ولم يَدنُ مُطلقًا من القصر العتيق؛ وابنته الوحيدة، السيدة رالستون، على الرغم من أنها كانت تعيش على بُعد عشرة أميال من والدها، لم تكن على علاقةٍ جيدة به. قيل إن الرجل العجوز كان غريب الأطوار وغير طبيعي، ومن الصعب إرضاؤه أو التعامُل معه؛ أيًّا كان الأمر، من المؤكَّد أنه عاش حياةً وحيدةً حتى تجاوز الثمانين من عمره. وكان قد مات فجأة، قبل قدوم جيمس جيلفرثويت ليسكن في منزلنا بمدةٍ قصيرة؛ ونظرًا لوفاة السيد مايكل، دون أن يتزوَّج، ومن ثَمَّ دون عائلة، فقد انتقل اللقب والملكية إلى السيد جيلبرت، الذي كان قد جاء مؤخرًا إلى هاثركلو هاوس واستحوذ عليه، وأحضر معه — رغم أنه هو نفسه كان كبيرًا في السن، وبالتأكيد تجاوز الخمسين — زوجةً شابةً جميلةً كان، كما قالوا، قد تزوَّجها مؤخرًا، وكانت، وفقًا للروايات المتنوِّعة التي انتشرت، هي نفسها امرأةً ثرية جدًّا.
إذن كان السير جيلبرت كارستيرز، البارونيت السابع، واقفًا أمامي، يتبادل الحديث مع بعض السادة الآخرين من المنطقة، ولم يكن يُوجَد شكٌّ في ذهني في أنه هو الرجل الذي رأيتُه على الطريق ليلةَ وقوع الجريمة. كنتُ حينئذٍ قريبًا منه بما يكفي للنظر إلى يدِه بتدقيقٍ أكبر، ورأيتُ أن الأصبعَين الأُوليَين كانتا قد اختفتا تمامًا، وأن ما تبقَّى منها كان مُجرَّد مخلب. كان من المُستبعَد أنه يمكن أن يُوجَد رجلان في منطقتنا لديهما نفس الإعاقة. علاوة على ذلك، أقنعتني البنية العامة للرجل، وبدلة التويد الرمادية التي كان يرتديها، والأسلوب الذي كان يقف به، أن هذا هو الشخص الذي رأيتُه عند مُفترَق الطرق، مُسلِّطًا مصباحه الكهربي على خريطته. واتخذتُ قراري في التوِّ واللحظة ألَّا أذكر شيئًا خلال استجوابي عن ذلك اللقاء؛ لأنه لم يكن لديَّ سبب لربط رجلٍ نبيل مثل السير جيلبرت كارستيرز بجريمة القتل، وبدا لي أنَّ تَواجُدَه عند مُفترق الطرق كان يمكن تفسيره بسهولةٍ كافية. إذ كان رجلًا رياضيًّا، ضخمَ الجثة، ومن المُحتمَل أنه كان مولعًا بالمشي، وأراد التنزُّه في ذلك المساء، ولأنه لم يكن حتى ذلك الوقت على درايةٍ كافية بالمنطقة — إذ عاش بعيدًا عنها لفترة طويلة — فقد ضلَّ بطريقةٍ ما عن طريق العودة إلى المنزل. كلَّا، لن أقول شيئًا. كنت قد نشأت على إيمانٍ راسخ بالمَثَل القديم الذي يقول إن الكلام القليل يسهُل إصلاحه. اكتظَّت بنا جميعًا القاعة الكبيرة في النُّزل عندما بدأ مُحقِّق الوفيات تحقيقه. وفي بداية الإجراءات أدلى بملاحظةٍ توقَّعناها جميعًا، نحن الذين كنا نعرف كيف تجري هذه الأمور وتمضي خطواتها. لم نتمكَّن من فعلِ الكثير في ذلك اليوم، ووجب التأجيل، بعد الاطلاع على ما قد يُسمِّيه الأدلة الظاهرية. وأشار إلى أنه قد فهِم، مع توجيه نظرةٍ ذاتِ مغزًى نحو مسئولي الشرطة ومحامٍ واحدٍ أو اثنين حضرا الجلسة، أن ثمَّة بعضَ الغموض غير العادي في خلفية هذه القضية، وأنه يجب تسليط الضوء على أشياء كثيرةٍ قبل أن تتوصَّل هيئة المُحلَّفين حتى إلى فكرةٍ عمَّن قتل الرجل الذي عُثِرَ على جثته، وعن سبب مقتله. وتابع قائلًا إن كلَّ ما يُمكنهم فعله في ذلك اليوم، هو سماع تلك الأدلة، التي لم تكن كثيرة، كما جُمِعتْ بالفعل، ثم رفع الجلسة.
كان السيد ليندسي قد قال لي أثناء ذهابنا بالسيارة إلى النُّزل أنني سأُعتَبَر الشاهد الرئيسي، وأن جيلفرثويت سيكون عنصرًا جوهريًّا في القضية على نحوٍ أكبرَ مما تخيَّل أيُّ أحد. وبالطبع، سرعان ما تأكَّد هذا. ما كان يمكن أن يُقال عن القتيل، حتى ذلك الوقت، كان قليلًا. كان يُوجَد دليل طبي على أنه تعرَّض للطعن حتى الموت بضربةٍ من سكينٍ أو خنجر كبير، سُدِّدَ إلى قلبه من الخلف. وكانت تُوجَد الأدلة التي جمعتُها أنا وتشيسهولم في بيبلز ومحطة كورنهيل، وفي الحانة على الجهة الأخرى من جسر كولدستريم. وكانت لديهم البرقية التي أرسلها السيد جافين سميتون، أيًّا كان، من دندي. وكان هذا كلَّ شيءٍ تقريبًا، ومن ثم خَلُصَ الأمر إلى هذا: كان ثمَّة رجل، أثناء التسجيل في أحد فنادق بيبلز، أطلق على نفسه اسم جون فيليبس وكتب أنه جاء من جلاسجو، حيث، حتى تلك اللحظة، كانت الشرطة قد أخفقت في تتبُّع أيِّ شيءٍ له صلة بهذا الشخص؛ وسافر هذا الرجل إلى محطة كورنهيل من بيبلز، وشُوهد في حانةٍ مجاورة، ثم اختفى، وعُثِرَ عليه، بعد حوالي ساعتَين، مقتولًا في مكانٍ منعزل.
قال مُحقِّق الوفيات: «والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ماذا كان هذا الرجل يفعل في ذلك المكان، ومن الذي كان من المُحتمَل أن يلتقي به هناك؟ لدينا بعض الأدلة في تلك النقطة»، ثم أضاف، مع نظرةٍ ذكية نحو رجال القانون أمامه وأُخرى نحو أعضاء هيئة المُحلَّفين إلى جانبه، «وأظن أنكم، أيها السادة المُحلَّفون، ستجدون هذا كافيًا لإثارة شهيَّتكم للمزيد.»
كانوا قد أبقوا شهادتي للنهاية، وإن كان ثمة قدرٌ كبير من الإثارة المكبوتة في الغرفة المزدحمة أثناء تقديم تشيسهولم والطبيب ومالك الحانة على الجانب الآخر من جسر كولدستريم شهاداتهم؛ فقد كان أكثر بكثيرٍ عندما نهضتُ لأروي قصتي، ولأجيب على أي أسئلةٍ يرغب أيُّ شخصٍ في طرحها عليَّ. كانت قصتي، بالطبع، مباشِرة للغاية، حكيتها في بِضع جُمل، ولم أُدرك القدرَ الكبير من الاستجواب الذي يُمكن أن ينشأ عنها. ولكن سواء كان ذلك بسبب تخيُّله أنني أُخفي معلومةً ما، أو أنه أراد، حتى في تلك المرحلة الأولية من الإجراءات، أن يجعل الأمور واضحةً قدرَ الإمكان، فقد بدأ مُحامٍ كان يمثِّل شُرطة المقاطعة في طرح الأسئلة عليَّ.
حيث سأل: «هل كان يُوجد أيُّ شخصٍ آخر معك في الغرفة عندما أعطاك ذلك الرجل جيلفرثويت أوامره؟»
أجبته: «كلَّا، لم يكن يُوجَد أحد.»
«وهل أخبرتني بكلِّ ما قاله لك؟»
«بقدرِ ما يُمكنني أن أتذكَّر كل كلمة.»
«ألم يصف الرجل الذي كنتَ ستُقابله؟»
«لم يفعل ذلك مطلقًا.»
«ولا أخبركَ باسمه؟»
«ولا أخبرني باسمه.»
«حتى لا يُصبح لديك أيُّ فكرةٍ عن الشخص الذي ستُقابله، ولا لأيِّ غرضٍ كان آتيًا لمقابلة جيلفرثويت، لو كان جيلفرثويت قادرًا على مقابلته؟»
قلت: «لم يكن لدي أيُّ فكرة.» وأضفت: «لم أكن أعرف شيئًا سوى أنني سألتقي برجلٍ وأعطيه رسالة.»
بدا وكأنه يفكِّر في الأمور قليلًا، ملتزمًا الصمت، ثم انطلق في مسار آخر.
وسأل: «ماذا تعرف عن تحرُّكات هذا الرجل جيلفرثويت أثناء إقامته مع والدتك؟»
فأجبته: «لا شيء تقريبًا.»
وسأل: «ولكن ما مقدارُ ما تعرفه؟» وتابع: «لعلَّك تعرف شيئًا.»
كرَّرت: «بحسْب معرفتي، لا شيء تقريبًا.» ثم أضفت: «لقد رأيته في الشوارع، وعلى الرصيف، ويتمشى بجوار الأسوار وفوق جسر بوردر بريدج، وسمعتُه يقول إنه زار الريف. وهذا كل شيء.»
سأل: «هل كان دائمًا بمُفرده؟»
فأجبته: «لم أرَه مع أحدٍ مُطلقًا، ولم أسمع أبدًا أنه تحدَّث مع أحد، ولا عن رغبته في مقابلة أحدٍ في المكان.» ثم أضفت: «وأولًا وأخيرًا، لم يأتِ بأيِّ أحدٍ إلى منزلنا، ولا حضر أيُّ أحدٍ ليسأل عنه.»
قال: «وباستثناء ذلك الخطاب المُسجَّل الذي سمعنا عنه، لم يتسلَّم أيَّ خطاباتٍ طوال الوقت الذي أقامه معكم؟»
قلت: «ولا خطابًا واحدًا.» «من بداية إقامته وحتى نهايتها، ولا واحدًا.»
سكتُّ مرةً أخرى لبعض الوقت، وكان كل الناس يُحدِّقون فيه وفيَّ؛ ولم أستطِع التفكيرَ في الأسئلة الأخرى التي يمكن أن يُخرجها من دماغه ليطرحها عليَّ. لكنه وجد واحدًا، وطرحه مع نظرةٍ حادة من عينه.
سأل: «الآن، هل أعطاك هذا الرجل، بينما كان في منزلكم، أيَّ سببٍ كان لمجيئه إلى بيرويك؟»
أجبت: «أجل؛ فعل ذلك عندما جاء ليطلُب غرفةً للإيجار. حيث قال إن لديه أقاربَ دُفنوا في الجوار، وكان لديه رغبة في إلقاء نظرةٍ على قبورهم والأماكن القديمة التي عاشوا فيها.»
سأل: «يُعطيك هذا، في الواقع، انطباعًا بأنه إما كان مواطنًا من هذه الأنحاء، أو أنه عاش هنا في وقتٍ ما، أو كان لدَيه أقارب؟»
أجبته: «بالضبط.»
فسأل: «هل أخبرك بأسماء هؤلاء الأقارب، أو أين دُفنوا، أو أي شيءٍ من هذا القبيل؟»
قلت: «لا … مُطلقًا.» وأضفت: «لم يذكرِ الأمرَ مرةً أخرى.»
سأل: «ولا تعلَم أنه قد ذهب إلى أيِّ مكانٍ مُعيَّن لزيارةٍ في أيِّ قبرٍ أو منزل معيَّن؟»
أجبته: «كلَّا؛ لكننا عَلِمنا أنه تنزَّه في الريف على ضفتي نهر تويد.»
تردَّد قليلًا، ونظر إليَّ ثم إلى أوراقه، وبعد ذلك، جلس، وهو يُلقي نظرةً خاطفة على مُحقِّق الوفيات. فأومأ له المُحقق، كما لو كان هناك ثمَّة تفاهمٌ ما بينهما، والتفت إلى المُحلَّفين.
وقال: «قد يبدو الأمر خارج نطاق هذا التحقيق، أيها السادة، ولكن من الواضح أن وجود هذا الرجل جيلفرثويت في الحي له علاقة كبيرة بمَوت الرجل الآخر، الذي نعرفه باسم جون فيليبس، بحيث يجب ألا نتجاهل أيَّ دليلٍ ذي صلة. ثمة رجل محترم موجود هنا يمكنه إخبارنا بشيءٍ ما. استدعِ القسَّ سيبتيموس ريدلي.»