سجلَّات الأبرشية
كنتُ قد لاحظتُ القسَّ السيد ريدلي جالسًا في القاعة مع بعض السادة الآخرين من الحي، وتساءلت عما أتى به، وهو رجل دين، إلى هناك. كنتُ أعرفه جيدًا بالنظر. حيث كان نائبًا لأبرشية وحيدة مُنعزلة بعيدًا أعلى التلال؛ وهو رجل طويل، ونحيف، ذو مظهرٍ مُتأمِّل قد تراه أحيانًا في شوارع بيرويك، يمشي بسرعةٍ كبيرة وعيناه على الأرض، كأنه، كما يقول الصغار، كان يبحث عن ستة بنسات؛ وما كنتُ أظن أنه من المُحتمل أن ينجذِب إلى قضيةٍ من هذا النوع لمجرَّد الفضول. وأيًّا كانت شخصيته فوق منبر الوعظ، فقد بدا مُتوترًا وخجولًا جدًّا وهو يقف بين مُحقق الوفيات وهيئة المُحلَّفين للإدلاء بشهادته.
همس السيد ليندسي في أذني: «ما الذي سنسمَعه الآن؟» وتابع: «ألم أُخبرك أنه سيكون ثمة اكتشافات حول جيلفرثويت، يا هيو، يا بني؟ حسنًا، شيءٌ سينكشف! ولكن ما الذي يمكن أن يعرفه هذا القس؟»
حسبما اتضح سريعًا، كان السيد ريدلي يعرف الكثيرَ. بعد قليلٍ من الاستجواب الأوَّلي، الذي أُجري بالطريقة القانونية الصحيحة فيما يتعلَّق بالتحقق من هويته، وما إلى ذلك، طرح عليه المُحقِّق استفسارًا واضحًا. وسأل: «يا سيد ريدلي، هل تعاملتَ مؤخَّرًا مع هذا الرجل جيمس جيلفرثويت، الذي ذُكِر للتوِّ فيما يتَّصِل بهذا التحقيق؟»
أجاب رجل الدين: «بعض التعامُلات في الآونة الأخيرة، أجل.»
قال المُحقِّق: «إذن أخبِرنا، بطريقتك، عن ماهية تلك التعامُلات.» وأضاف: «و، بالطبع، متى حدثت.»
قال السيد ريدلي: «لقد جاء جيلفرثويت إليَّ، في مقرِّ إقامتي، منذ حوالي شهر أو خمسة أسابيع. وكنت قد رأيتُه سابقًا حول الكنيسة وفِنائها. وأخبرني أنه مُهتم بسجلات الأبرشية، وبالآثار عمومًا، وسأل عما إذا كان يُمكنه الاطلاع على سجلاتنا، وعرض دفْع أيِّ رسوم يجب تحصيلها. فسمحتُ له بالاطلاع على السجلَّات، لكنني سرعان ما اكتشفتُ أن اهتمامه كان مقتصرًا على فترةٍ معينة. كانت الحقيقة، أنه يرغب في فحص البيانات المُختلفة التي سُجِّلت بين عامي ١٨٧٠ و١٨٨٠. أصبح ذلك واضحًا جدًّا؛ ولكن بما أنه لم يُعبِّر عن رغبته بكلماتٍ كثيرة، فقد سايرته. ومع ذلك، بما أنني كنتُ معه طوال الوقت الذي كان يفحص فيه السجلات، فقد رأيتُ ما كان يفحصه.»
عندئذٍ توقَّف السيد ريدلي، ناظرًا إلى المُحقِّق.
ثم قال: «ذلك في الحقيقة كلُّ ما يُمكنني قوله.» وأضاف: «لقد جاء إليَّ في تلك المناسبة فقط.»
علَّق المُحقِّق مبتسمًا: «ربما يُمكنني الحصول على المزيد منك، يا سيد ريدلي.» ثم أضاف: «سؤال أو اثنان، الآن. ما هي تحديدًا السجلات التي فحصها هذا الرجل؟ المواليد، الوفيات، الزيجات؛ أيها؟»
أجاب السيد ريدلي: «ثلاثتها جميعًا، بين التواريخ التي ذكرتها؛ من ١٨٧٠ إلى ١٨٨٠.»
«هل ظننتَ أنه كان يبحث عن بياناتٍ مُعينة؟»
«لقد ظننتُ ذلك بالتأكيد.»
سأل المُحقِّق، مع نظرةٍ ذكية: «هل بدا أنه وجدها؟»
أجاب السيد ريدلي ببطء: «لو كان قد وجد تلك البيانات، فهو لم يُعطِ أيَّ إشارةٍ على ذلك؛ ولم ينسخ أو يكتُب ملاحظةً عنها، ولم يطلُب مني أيَّ نسخةٍ منها. إن انطباعي، لو كان ذا قيمة، هو أنه لم يجد ما يُريده في سجلاتنا. أنا مُقتنع للغاية بذلك لأن …»
هنا توقَّفَ السيد ريدلي، كما لو كان غير مُتأكِّدٍ هل يجب أن يتابع أم لا؛ ولكن مع إيماءةٍ مُشجِّعةٍ من المُحقِّق تابع حديثه.
وأضاف: «كنتُ سأقول فقط، ولا أفترض أن هذا دليل، إنني قد فهمتُ أن هذا الرجل زار العديد من إخوتي من رجال الدين في المنطقة لنفس المهمة. وقد تحدَّثنا عن ذلك في الاجتماع الأخير بمقرِّ عمادتنا الريفية.»
قال المُحقِّق باهتمام: «أه!» وتابع: «يبدو، إذن، أنه كان يتنقَّل لفحص سجلات الأبرشية، يجب أن نحصُل على المزيد من الأدلة على ذلك لاحقًا، لأنني مُقتنع أن له تأثيرًا على موضوع هذا التحقيق الحالي. ولكنْ لديَّ سؤال أو سؤالان آخران، يا سيد ريدلي. تُوجَد رسوم مُحدَّدة مقابل البحث في السجلات، حسبما أعتقد. هل دفعها جيلفرثويت في حالتك؟»
ابتسم السيد ريدلي.
وأجاب: «إنه لم يدفع الرسوم فقط، لكنه أجبرني على قَبول تبرُّعٍ من أجل صندوق الفقراء. لقد استرعى انتباهي أنه كان رجلًا يميل إلى التصرُّف بكرَم في أمواله.»
نظر المُحقِّق إلى المحامي الذي يُمثِّل الشرطة.
وسأل: «هل تُريد أن تُوجِّه إلى هذا الشاهد أيَّ أسئلة؟»
قال المحامي: «أجل.» ثم التفت إلى السيد ريدلي. «هل سمعتَ ما قاله الشاهد هيو مونيلوز؛ إن جيلفرثويت كان قد ذكر عند مجيئه إلى بيرويك أنَّ لديه أقاربَ مدفونين في المنطقة؟ هل سمعته؟ حسنًا، يا سيد ريدلي، هل تعرف ما إذا كان يُوجَد أشخاص بهذا الاسم مدفونون في فناء كنيستك؟»
أجاب السيد ريدلي على الفور: «لا يُوجَد.» ثم أضاف: «علاوة على ذلك، فإن اسم جيلفرثويت غيرُ مُسجَّل في سجلات أبرشيتنا. إن لديَّ فهرسًا كاملًا للسجلات منذ عام ١٥٨٠، عندما بدأ الاحتفاظ بها، ولا يُوجَد مثل هذا الاسم فيها. يُمكنني أيضًا أن أُخبرك بهذا»، أضاف، «وأظن أنه يُمكنني القول، إنني أُمثِّل ما يمكن اعتباره سلطةً على سجلَّات الأبرشية في هذه المقاطعة، لقد أعددتُ وكتبتُ العديد منها للنشر، وأنا على درايةٍ بمعظمها. ولا أظنُّ أن ذلك الاسم، جيلفرثويت، قد ورد في أيٍّ منها.»
سأل المحامي: «ماذا تستنتج من ذلك، إذن؟»
أجاب السيد ريدلي: «إن أيًّا ما كان الذي يبحث عنه الرجل — وأنا مُتأكد من أنه كان يبحث عن شيءٍ ما — فلم يكن ذا صلةٍ ببيانات عائلة والده.» ثم أضاف: «هذا، بالطبع، إن كان اسمه حقًّا هو ما أطلقه على نفسه؛ جيلفرثويت.»
قال المُحقِّق: «بالضبط!» وتابع: «ربما كان اسمًا مُستعارًا.»
علَّق المحامي قائلًا: «ربما كان الرجل يبحث عن بيانات عائلة والدته.»
قال المُحقِّق: «ذلك الخطُّ الفكري سيقودنا بعيدًا جدًّا الآن.» ثم التفت إلى هيئة المُحلَّفين. وقال: «لقد سمحتُ بهذه الشهادة عن الرجل جيلفرثويت، أيها السادة، لأنه من الواضح جدًّا أن جيلفرثويت جاء إلى هذه المنطقة لغرضٍ خاص، وأراد الحصول على بعض المعلومات المُحدَّدة، ومِن المُحتمَل جدًّا أن يكون الرجل الذي نُحقِّق في ظروفِ وفاته شريكًا له في غرضه. ولكن لا يُمكننا إجراء المزيد من التحقيق اليوم»، وقال مُختتمًا، «وسأُرجئ التحقيقَ لمدة أسبوعين، عندما يُوجَد، بلا شك، المزيدُ من الأدلة لعرضها عليكم.»
أظن أن الناس الذين كانوا قد احتشدوا في تلك القاعة مُفعَمين جميعًا بالحماس لسماعِ أيٍّ مما يمكن قوله، قد خرجوا منها في حيرةٍ أكثر مما كانوا عليه عندما دخلوا. انقسموا إلى مجموعاتٍ خارج النُّزل، وبدءوا في مناقشة الأمور فيما بينهم. وبعد قليل، جاء إليَّ شابان أنيقا المظهر، كنتُ قد رأيتُهما يُدوِّنان الملاحظات عند طرَف الطاولة الكبيرة حيث يجلس المُحقِّق والمسئولون، وأخبراني أنهما صحفيَّان، أُرسِلا خصيصًا، أحدهما من إدنبرة، والآخر من نيوكاسل، وتوسَّلا إليَّ أن أُقدِّم لهما سردًا أمينًا ومُفصلًا لأفعالي وخبراتي في ليلة وقوع الجريمة؛ كان يُوجَد بالفعل اهتمام كبير بهذه القضية في جميع أنحاء البلاد، حسبما أكَّدا، وكلُّ ما يُمكنني إخبارهما به سيُحقِّق نسبة قراءةٍ رائعة وسيُطبع بالبُنط العريض في صحيفتيهما. لكن السيد ليندسي، الذي كان قريبًا، أمسك بذراعي وأبعدَني عن هؤلاء الباحثين اللحوحين في طلب الأخبار.
وقال بلطف: «ليس الآن، أيها الشابان!» وأضاف: «إن لديكما الكثير لتُتابعاه؛ لقد سمعتُما الكثير بالداخل هذا الصباح مما سيُبقي قرَّاءكُما مُنشغِلين لفترة. لا تُصرِّح بكلمةٍ واحدة، يا هيو! أما أنتما، أيها السيدان، إن كنتما تُريدان أن تفعلا شيئًا من أجل كشف هذا الغموض، والمساعدة في تحقيق العدالة، فثمَّة شيء يمكنكما فعله، ولا يمكن لأحدٍ أن يفعله على نحوٍ أفضل.»
سأل أحدهما بلهفة: «وما هو؟»
أجاب السيد ليندسي: «اسألا من خلال صحيفتيكما عن الأقارب، والأصدقاء، والمعارف، وأيِّ شخص يعرفهما أو يعرف عنهما أيَّ معلومات، عن هذين الرجُلين، جيمس جيلفرثويت وجون فيليبس.» ثم أضاف: «وانشُرا الخبرَ في الخارج بقدرِ ما ترغبان وتستطيعان! إن كان لديهما أقارب ومعارف، فليتقدَّموا. لأنه»، تابع، وهو يَحدِجهم بنظرةٍ مدروسة، «ثمة غموض في هذه القضية أكبر مما قد يتصوَّر أيُّ شخص، وكلَّما اكتشفنا معلوماتٍ أكثرَ حُلَّت في وقتٍ أبكر. وسأقول هذا لكما أيها الشابان: يُمكن للصحافة أن تفعل أكثر من الشرطة. ثمة فرصة أمامكما!»
ثم قادني مُبتعدًا، وركبنا العربةَ التي كنَّا قد خرجنا بها أنا وهو من بيرويك، وبمجرَّد أن بدأنا طريقَ العودة إلى المنزل، استغرق في تفكيرٍ عميق واستمرَّ فيه حتى أصبحت البلدة على مرمى البصر.
ثم صاح فجأة، وقد انتفض أخيرًا من حلم يقظته: «هيو، يا ولدي!» وتابع: «سأدفع نصف عمري إن استطعتُ أن أرى غموض هذه القضية ينكشف! إن لديَّ خبرةً في القانون تبلغ اثنين وعشرين عامًا، وقد صادفتُ بعض الأمور الغريبة، وبعض الأمور الغامضة، وبعض الأمور السيئة في حياتي؛ لكني أُقسِم أنني لم أصادِف يومًا ما هو أغرب وأسوأ وأكثر غموضًا مثل هذه القضية؛ هذه حقيقة!»
سألته، وقد عهدتُه رجلًا فطنًا بشكلٍ غير مألوف: «هل تظنُّ أن هذه القضية تنطوي على كل هذا، يا سيد ليندسي؟»
أجاب: «أظنُّ أنه يُوجَد الكثير من الجوانب الخفية.» ثم أضاف: «نعرف أنه تُوجَد جريمة قتل دموية قد وقعت — وربما سيقع المزيد، أو ربما وقع المزيد بالفعل. ما الذي كان ذلك العجوز الغامض جيلفرثويت يسعى خلفه؟ وما الذي حدث في الفترة بين خروج فيليبس من تلك الحانة عند كولدستريم بريدج وعثورك على جثته؟ مَن قابل فيليبس؟ مَن الذي أودى به إلى مقتله؟ وما الذي كان الاثنان يسعيان خلفه في هذه الناحية من الريف؟ ثمَّة غموض أسود، يا ولدي، على كل الأصعدة!»
لم أجد إجابةً آنذاك. كنتُ أفكِّر، وأتساءل عما إذا كان ينبغي أن أخبره بأمر مُشاهدتي للسير جيلبرت كارستيرز عند مُفترق الطرق. كان السيد ليندسي هو بالضبط الرجل الذي يمكنك إخباره بأي شيء، وربما كان مِن الأفضل لو أنني كنتُ قد أخبرته بهذا الأمر في التوِّ واللحظة. ولكن تُوجَد نزعةٌ غريبة من الحذَر والتحفُّظ في عائلتنا. تعلَّمتُها من أبي وأمي، وتعمَّقَت في شخصيتي مع الوقت، ولم أستطِع أن أجبر نفسي على الاشتباه في الرجل الذي قد يكون وجوده بالقُرب من مكان القتل بريئًا بدرجة كافية. لذلك أمسكتُ لساني.
قال، بعد برهة: «أتساءل هل كل الدعاية في الصحف ستؤدي إلى تقدُّم أيِّ شخصٍ من معارفهما؟» وتابع: «يجِب أن تفعل! إن كان يُوجَد أيُّ معارف لهما.»
ولكن، لم نسمع نحن أو الشرطة أيَّ أخبارٍ جديدة طيلة ثلاثة أو أربعة أيام؛ وبعد ذلك — أظن أنه كان اليوم الرابع بعد التحقيق — نظرت من فوق طاولتي في مكتب السيد ليندسي الخارجي بعد ظُهر أحد الأيام لأرى مايسي دنلوب تدخُل من الباب، وتتبعها امرأة مُسنَّة، ترتدي ملابس متواضعة ولكن محترمة، وهي غريبة عن البلدة.
قالت مايسي، وهي تقترب إلى جانبي: «هيو، لقد طلبَتْ منِّي والدتك إحضار هذه المرأة لمقابلة السيد ليندسي. لقد جاءت للتوِّ من الجنوب، وتقول إنها أخت جيمس جيلفرثويت.»