تاجر الأدوات البحرية
كان السيد ليندسي يقف داخل غرفته عندما جاءت مايسي والمرأة الغريبة إلى المكتب، وعند سماعه ما قيل، دعانا ثلاثتنا جميعًا للدخول إليه. ومثلما فعلت، نظر إلى المرأة بقدرٍ كبيرٍ من الفضول، وأراد، مثلما فعلت، أن يلحَظ بعض الشَّبه بينها وبين الرجل المُتوفَّى. لكن لم يكن يُوجَد أي شبهٍ يمكن ملاحظته؛ لأنه في حين أن جيلفرثويت كان رجلًا ضخمًا وقويًّا، كانت هذه المرأة هزيلة وضئيلة الحجم، وجعلتها ملابسها السوداء الباهتة تبدو أكثر نحافةً وضآلة مما كانت عليه في الواقع. على الرغم من ذلك، عندما تحدَّثت أدركتُ أنه يُوجَد شبهٌ بينهما؛ لأن حديثها كان، مثل حديثه، مختلفًا تمامًا عن حديثنا في بوردر.
بدأ السيد ليندسي الحديث، مُشيرًا للزائرة بالجلوس، وأومأ لمايسي بالبقاء معنا، وقال: «إذن أنتِ تعتقدين أنكِ أخت هذا الرجل جيمس جيلفرثويت، يا سيدتي؟» وتابع: «ما اسمكِ، إذن؟»
أجابت المرأة: «أعتقد أن هذا الرجل الذي تحدَّثت عنه الصحف هو أخي، يا سيدي.» وتابعت: «وإلا ما كنتُ سأتكبَّد عناء قطع كل هذا الطريق. اسمي هانسون، السيدة هانسون. أتيت من جارستون، بالقُرب من ليفربول.»
قال السيد ليندسي، وأومأ برأسه: «أجل، هكذا إذن، امرأة من لانكشاير.» ثم أضاف: «إن اسمكِ هو جيلفرثويت، إذن، قبل أن تتزوَّجي، أليس كذلك؟»
أجابت: «بالتأكيد، يا سيدي، مثل جيمس.» وتابعت: «هو وأنا الشخصان الوحيدان اللذان يحمِلان هذا الاسم. لقد أحضرتُ معي أوراقًا تثبت ما أقول. لقد ذهبتُ إلى محامٍ قبل أن آتي، وطلب مني الحضورَ على الفور، وإحضارَ شهادة زواجي، ونسخةً من شهادة ميلاد جيمس، وشيئًا أو شيئين آخرَين من هذا القبيل. لا شك أن هذا الرجل الذي قرأنا عنه في الصحف هو أخي، وبالطبع أودُّ تقديم مُطالبتي بما تركه، إن لم يكن قد تركه لأي شخصٍ آخر.»
قال السيد ليندسي: «قطعًا.» وتابع: «حسنًا، وكم مرَّ من الوقت منذ آخر مرةٍ رأيتِ فيها أخاكِ؟»
هزَّت المرأة رأسها وكأن هذا السؤال كان صعبًا.
ثم أجابت: «لا أستطيع أن أجزم إن كانت مدة عامٍ أو عامَين، كلَّا، ولا حتى بضعة أعوام.» وأضافت: «وعلى حدِّ علمي يا سيدي، منذ ثلاثين عامًا، على الأقل. كان ذلك مباشرةً بعد زواجي من هانسون، وكنتُ آنذاك في حوالي الثالثة والعشرين، وأنا الآن في السادسة والخمسين. لقد جاء جيمس، مرةً واحدة، لرؤيتي أنا وهانسون بعد فترةٍ وجيزة من استقرارنا، ولم أرَه منذ ذلك اليوم حتى هذه اللحظة. لكن، أستطيع أن أُميز ملامحه الآن.»
قال السيد ليندسي: «لقد دُفن بالأمس.» ثم أضاف: «إنه لأمر مؤسِف أنكِ لم تُرسلي برقية لأحدنا.»
ردَّت السيدة هانسون: «إن المُحامي الذي ذهبتُ إليه، يا سيدي، قال: «اذهبي بنفسكِ»!» وأضافت: «لذا سافرتُ إلى هنا، على الفور هذا الصباح.»
قال السيد ليندسي: «دعيني أُلقي نظرةً على تلك الأوراق.»
أشار لي كي أنتقل إلى جانبه، وفحصنا معًا وثيقتَين أو ثلاثًا أخرجتها المرأة.
كان أهمها نسخةً موثَّقة من شهادة ميلاد جيمس جيلفرثويت، والتي أثبتت أن هذا الرجل وُلِد في ليفربول قبل حوالي ٦٢ عامًا؛ وذلك، كما أشار السيد ليندسي سريعًا، كان يتوافَق مع ما قاله جيلفرثويت لي ولأُمِّي عن عمره.
قال، وهو يلتفت إلى السيدة هانسون: «حسنًا، يُمكنكِ الإجابةُ على بعض الأسئلة، بلا شك، حول أخيك، وحول الأمور ذات الصلة به. وأولها هو، هل تعرفين ما إذا كان أيٌّ من أفراد عائلتك ينحدِر من هذه البلدة؟»
فأجابت: «لم أسمع عن هذا الأمر من قبل يا سيدي.» وتابعت: «كلَّا، أنا مُتأكدة من أنهم لم يكونوا كذلك. كانوا جميعًا من لانكشاير، من كِلا الجانبَين. أعرف كلَّ شيءٍ عنهم منذ عهد جدي الأكبر وجدتي الكبرى.»
سألها السيد ليندسي، وهو ينظر نحوي نظرةً خاطفةً: «هل تعرفين إن كان أخوكِ قد جاء إلى بيرويك وهو صبي؟»
قالت السيدة هانسون: «ربما يكون قد فعل ذلك، يا سيدي.» وأضافت: «لقد كان فتًى ضخمًا، بارعًا، قويًّا، وقد فرَّ للعمل في البحر عندما كان في العاشرة من عمره؛ لم يكن قد وجد أيَّ عملٍ البتة لمدة عامَين قبل ذلك. وعلمتُ أنه عندما كان في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمره تقريبًا عمل على متن باخرةٍ ساحلية بين سندرلاند ونيوكاسل، وربما حطَّ رحاله هنا.»
قال السيد ليندسي: «بالتأكيد.» وتابع: «ولكن الأهم من ذلك هو الانتقال إلى تاريخه اللاحق. أنت تقولين إنك لم ترَيه مُطلقًا طيلة ثلاثين عامًا، أو أكثر، أليس كذلك؟ ولكن ألم تصلك أيُّ أخبارٍ عنه؟»
أومأت برأسها إيجابًا بحسمٍ على هذا السؤال.
وأجابت: «بلى، لقد وصلتني أخبارٌ عنه، مرة واحدة فقط. كان رجل، جار لنا، قد عاد إلى الوطن من أمريكا الوسطى، ربما قبل خمس سنوات، وأخبرَنا أنه رأى جيمس هناك، وأنه يعمل مقاولًا من الباطن، أو شيئًا من هذا القبيل، في قناة بنما تلك التي كان يدور الكثير من الحديث عنها في تلك الأيام.»
نظرتُ أنا والسيد ليندسي أحدُنا إلى الآخر. بنما! كانت تلك هي كلمة السرِّ التي أعطاني إيَّاها جيمس جيلفرثويت. لذلك، ها هو ذا، على أي حال، شيء، مهما كان ضئيلًا، له مقومات القرينة.
قال: «أجل!» وتابع: «بنما، أليس كذلك؟ هل كان هناك؟ وهل ذلك آخر ما سمعتِ من أخبارٍ عنه؟»
أجابت: «ذلك آخر ما سمعت يا سيدي.» ثم أضافت: «بالطبع، حتى طالعنا هذه الأخبار في الصحف في اليوم أو اليومين الأخيرَين.»
دار السيد ليندسي حولها وهو يتفحَّصها بنظرةٍ حادة.
ثم سأل: «هل تعرفين أيَّ شيءٍ عن ذلك الرجل، جون فيليبس، الذي ورد اسمه في الصحف أيضًا؟»
ردَّت على الفور: «كلَّا يا سيدي، لا شيء!» وأضافت: «لم أسمع به من قبلُ!»
تابع قائلًا: «ولم تسمعي قطُّ عما إذا كان أخوك قد شُوهد في ليفربول مؤخرًا؟» وأضاف: «ألم تسمعي قطُّ أنه ذهب لرؤية أيِّ أصدقاء قُدامى على الإطلاق؟ لأننا نعلم، كما طالعتِ في الصحف، يا سيدة هانسون، أن من المؤكد أنه كان في ليفربول، واشترى ملابس من هناك، خلال الأشهر الثلاثة الماضية.»
فقالت: «لم يزُرني قط يا سيدي.» وتابعت: «ولم أسمع قط كلمةً من أي أحدٍ عن وجوده هناك.»
ساد الصمت قليلًا، وفي النهاية طرحت المرأة السؤال الذي كان واضحًا أنها كانت مُتلهفةً على الحصول على إجابةٍ قاطعة له.
حيث سألت: «هل تعتقد أنه تُوجَد وصية يا سيد؟» وأضافت: «لأنه، إن لم يكن الأمر كذلك، فإن المحامي الذي ذهبت إليه قال إن ما كان معه سيئول لي — ويُمكنني أن أنتفع به.»
أجاب السيد ليندسي: «لم نرَ أيَّ وصية.» ثم أضاف: «وبوسعي أن أقول إنه لا تُوجَد وصية، وبناءً على دليل مُقنع على كونكِ أقرب أقربائه، ستحصُلين على كلِّ ما تركه. ليس لديَّ شك في أنكِ أخته، وسأتحمَّل مسئولية فحص مُتعلقاته معكِ. هل ستظلِّين في البلدة يومًا أو يومَين؟ ربما تستطيع والدتك، يا هيو، أن تجد غرفةً للإيجار للسيدة هانسون؟»
أجبتُ بأن والدتي ستفعل بلا شكٍّ ما في وسعها لرعاية السيدة هانسون، وبعد برهةٍ ذهبت المرأة مع مايسي، تاركةً أوراقها مع السيد ليندسي. والتفت نحوي عندما أصبحنا وحدنا.
وقال: «قد يظن بعض الناس أن ذلك يساعدني قليلًا في كشف الغموض يا هيو، لكنني أقسم أنني أظنُّ أن هذا يجعل الأمر برمَّته أكثرَ غموضًا من أي وقتٍ مضى! وهل تعرف، يا ولدي، أين، في رأيي، قد يكون من الضروري البحث عن أول طرف الخيط؟»
أجبته: «ليس لديَّ إجابة على ذلك يا سيد ليندسي.» وتابعتُ: «أين يا سيدي؟»
صاح، مع هزةٍ من رأسه: «بنما!» وأضاف: «بنما! بكل تأكيد! لقد بدأ الأمر بعيدًا؛ في بنما، بحسب ما أرى. وما الذي بدأ هناك، وماذا كان يحدث؟ الرجلان اللذان كانا يعرفان، وكان بوسعهما أن يجيبا، قد انتهت حياتهما، ودُفِنا، بسبب ذلك الأمر.»
لذلك، على الرغم من مجيء السيدة هانسون وكشفها عن بعض ماضي جيمس جيلفرثويت، على أي حال، كان لا يزال لدينا نفس القدْر من المعلومات التي كانت لدينا في نهاية الأسبوع الأول بعد مقتل جون فيليبس. وفي الليلة الثامنة بعد عثوري على الجثة وَقَعتُ بين يدَي أبيل كرون.
كان أبيل كرون رجلًا أتى إلى بيرويك منذ حوالي ثلاث سنوات قبل هذه الواقعة، ولم يكن أحد يعلَم من أين أتى، وافتتح متجر أدواتٍ بحرية، في شارعٍ خلفي يمتد إلى ضفة نهر تويد. كان رجلًا أحمر الشعر، شاحِب العينَين كجرذ، ذا لحيةٍ كلِحية العنزة، وكان هادئًا ومُسالمًا في طباعه وغير مؤذٍ بدرجةٍ كافية، ولكن كان لدَيه مَيل غريب إلى أن ينخرط في النميمة عند الشاطئ والأسوار؛ كان يُمكنك أن تجده في جميع الأوقات غير المُعتادة سواءً في هذه الأماكن العامة أو على باب متجره، يُمضي الوقت في الحديث مع أي شخصٍ خامل مثله. أما كيف تصادف أن تورَّطتُ في التحدُّث معه في تلك الليلة بالذات فقد كان الأمر هكذا: في ذلك الوقت كان توم دنلوب، شقيق مايسي الصغير، يهوى تربية الأرانب الداجنة، وكنتُ أساعده في بناء أقفاصٍ لها في الفناء الخلفي لمنزل والده، وكنَّا نُريد بعض الأغراض؛ حديدًا وأسلاكًا وما شابه، ولعِلمي أنه كان يُمكنني أن أحصل عليها مقابل بنساتٍ قليلة من متجر كرون، ذهبتُ إلى هناك وحدي. وقبل أن أعرف كيف حدث ذلك، كان كرون قد انخرط في الحديث حول جريمة القتل.
قال، وهو ينظر نحوي بفضولٍ على ضوء المصباح النفطي الوحيد الذي يتراقَص لهبُه في متجره غير المُرتَّب: «لن يكون رجال الشرطة، أولئك، قد توصَّلوا للكثير من المعلومات حتى الآن، بلا شك، يا سيد مونيلوز، أليس كذلك؟» ثم أضاف: «إنهم مجموعة بطيئة لا تتَّسِم بالكفاءة، رجال الشرطة هؤلاء، ليس لدَيهم خيال في أدمغتهم ولا براعة في عقولهم. إن مَن يلزم في قضيةٍ كهذه هو أحد أولئك العباقرة الذين تقرأ عنهم في الروايات البوليسية؛ الرجال الذين يُمكنهم تتبُّع جريمة قتْلٍ من الطريقة التي يُحرِّك بها الرجل أصابع قدمَيه، أو من الطريقة التي قضم بها قطعة الخبز التي تركها في طبقه، أو ما شابه ذلك؛ شيء فوق العادة، أتفهم ما أعني، يا سيد مونيلوز؟»
قلت، وأنا أفكِّر في المزاح معه: «لمَ لا تشارك بنفسك في هذه المطاردة يا سيد كرون؟» وأضفت: «يبدو أنك تمتلك الغريزة الصحيحة لذلك، على أي حال.»
أجاب: «أجل، حسنًا، وقد أُحسن صنعًا بقدرِ أيِّ شخصٍ آخر، وليس أسوأ. أنت لم تفكِّر في تتبُّع أيِّ شيءٍ بنفسك، يا سيد مونيلوز، أليس كذلك؟»
صحتُ قائلًا: «أنا!» وأضفت: «ما الذي يُمكنني أن أتتبَّعه، يا رجل؟ أنا لا أعرف أكثرَ من مجرد الحقائق السطحية للقضية.»
ومِن ثم ألقى نظرةً حادةً على بابه المفتوح عندما أجبتُه هكذا، وفي اللحظة التالية اقترب منِّي في العتمة ونظر بحدَّةٍ إلى وجهي.
همس بمكر: «هل أنت مُتأكد من ذلك؟» ثم أضاف: «هيا، سأطرح سؤالًا عليك، يا سيد مونيلوز. لماذا لم تذكُر في شهادتك أنك رأيتَ السير جيلبرت كارستيرز عند مُفترق الطرُق ذاك قبل أن تجد الرجل المقتول مباشرةً؟ هيا!»
كان من المُمكن أن تسقطني على الأرض بريشة، كما يقول المثل، عندما قال ذلك. وقبل أن أتمالك نفسي من المفاجأة، أمسك بذراعي.
وقال: «تعالَ معي.» وتابع: «سأتحدَّث معك على انفراد.»