تاريخ دمشق السياسي
تاريخ دمشق القديم
استولى الآشوريون والبابليون والفرس والأرمن واليونان والرومان على هذه المدينة، ومنهم مَن كان تطول أيامهم فيها كالرومان، حكموها سبعمائة سنة، واليونان حكموها ٢٦٩ سنة، ومنهم من كانت لهم منزل قلعة كالأرمن، استولوا عليها ثماني عشرة سنة، وكان الدمشقيون هم الذين استدعوا صاحب أرمينية لما سئموا تنازع الرومان والفراعنة عليها، والغالب أن الفراعنة لم يستولوا على دمشق، واكتفوا بالاستيلاء على ساحلها غير مرة، ووقعت في أيدي إسكندر المقدوني، ثم في أيدي خلفائه السلوقيين، وفي أيامهم كانت دمشق هيلينية يونانية، كما كانت في عصور كثيرة سريانية آرامية.
وكان شأن دمشق في النكبات شأن العواصم الكبرى إذا اضطرب حبل الأمن في البلاد المجاورة لها، ولا سيما في البوادي والأقاليم، أو تنافس الرؤساء، وكان أكثرهم أشبه بعصابات لصوص، تصاب بأذى كبير فتقف تجارتها وتضعف زراعتها، ويجوع فقيرها بل يزيد فقراؤها؛ لأن كل بائقة تنال الأقاليم المجاورة تحفز المنكوبين من أهلها على الاعتصام بدمشق، وما عرفت هذه المدينة طعم السعادة في أكثر أيام الرومان، وشقيت بهم في آخر عهدهم خاصة، فكانت رومية لا تعد أهلها وطنيين رومانيين، بل غرباء ورعايا، وكثيرًا ما كان الدمشقيون يبيعون أولادهم ليؤدوا ما تتقاضاهم رومية من الجزية.
دمشق قبل الفتح العربي
سقطت دمشق في أيدي دولة النبطيين العرب في سنة ٨٥ قبل الميلاد، فتحها الحارث النبطي، فكانت نبطية من سنة ٣٧ إلى سنة ٥٤ للمسيح، وظهر النفوذ العربي في دمشق في عهد مبكر جدًّا — وهل النبط إلا عرب بأصولهم؟ — وإذ كانت هذه المدينة تحت سلطان أهل الوبر لم يجعل منها الرومان عاصمة ولايتهم، بل جعلوا مدينة حمص قصبتهم، ولم تخضع دمشق خضوعًا تامًّا لأمراء العرب الحاكمين في أرجائها، حتى ولا للغسانيين الذين كانوا عمالًا للروم ويرابطون في الجنوب والشمال والشرق، فتتقي دمشق بهم عادية الأعراب.
ولنا بذلك أن نقول: إن اللغة العربية انتشرت في دمشق وأرجائها قبل الفتح الإسلامي بزمن طويل، وسبق إلى نشرها الوثنيون من العرب، ثم متنصِّرة العرب، وإلى هؤلاء يرجع الفضل في انتشارها، والفتح العربي مدين للمتنصِّرة العرب لانضمامهم إلى بني قومهم، وكانوا مع الروم يوم الفتح، فغلبت عليهم النُّعرة الجنسية أكثر من النُّعرة الدينية لما شاهدوا أعلام الدولة العربية الجديدة.
دمشق في الإسلام
تولى فتح دمشق كلٌّ من أبي عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان من كبار الصحابة، حاصروها بعد وقعة اليرموك أعظم وقائع العرب في الشام، من الشرق والغرب، ففُتِح نصفها عنوة والنصف الآخر صلحًا، فأجراها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صلحًا كلها، وذلك سنة ١٤ من الهجرة ٦٣٦م، وقبل فتحها فتح خالد بن الوليد غوطتها — أي ضاحيتها — لما جاء من العراق مددًا لأهل الشام، وركز العقاب — راية الرسول — في أعلى الثنية، ثنية العقاب التي يقال لها اليوم الثنايا، وهو الجبل الهرمي المشرف على شمال دمشق، وقاتل بني غسان يوم فصحهم، فغلبهم على أمرهم.
وما كان الفاتحون بغرباء عن دمشق لصِلاتهم التجارية بأهلها في الجاهلية، وامتزاجهم بساداتها من الروم، وكان أبو سفيان بن حرب شيخ بني أمية كثيرًا ما يرحل إليها، وقد زارها في الجاهلية بعض قواد العرب وخلفائهم، فعرفوا مداخلها ومخارجها، وصادفوا من أهلها بعد الفتح موادعة، فعاملوهم معاملة ليس أحسن منها، ولما لحق الرومُ بعد سقوط دمشق بقومهم في آسيا الصغرى، وخلت بهزيمتهم بيوتهم، أسكن المسلمون فيها بعض رجالهم، وجعلوا في أسفلها المِلِّيين، وخصوا أعاليها بأبناء الذمة حتى لا يتأذوا بالمسلمين إذا نزلوا العلالي.
ولما هلك أمير دمشق يزيد بن أبي سفيان وُسِّدت الإمارة إلى شقيقه معاوية، فتولاها عشرين سنة أميرًا، وعشرين سنة خليفة، وُسِّدت إليه الخلافة بعد وفاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فوضع أساس مُلْك بني أمية، وكان على غاية التسامح، عهد بوزارة ماليَّته إلى سرجون بن منصور من نصارى دمشق، ثم إلى ابنه من بعده، وكان بعض أطبائه من النصارى، وكان في جيشه الأنباط والجراجمة والعجم وغيرهم من العناصر غير العربية وغير المسلمة. ثم تولى الخلافة ابنه يزيد بن معاوية، ثم معاوية الصغير أيامًا قليلة، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك، وتولى الخلافة الأموية في دمشق أربعة من أبناء عبد الملك؛ فدعي لذلك بأبي الأملاك ومفتاح الخير، وهم سليمان بن عبد الملك، والوليد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وتولاها منهم عمر بن عبد العزيز حفيد عمر بن الخطاب لأمه، وضُرِب المثل بعدله وحسن سياسته، وكان آخرهم مروان بن محمد، وهو من خيرة خلفائهم، ولكن قضت الأقدار أن تسقط على يده الخلافة. قال جستاف لوبون: «أبان العرب عن تسامح مع كل مدن الشام، فرضي أهلها بسلطانهم، وطرحوا النصرانية وقبلوا دين الفاتحين، وتعلموا لسانهم». وأصاب دمشق من عناية بني أمية ما أصبحت به عاصمة أعظم دولة، وبهمَّتهم وعبقريَّتهم امتدَّ عمرانها، وذاق سكانها طعم العدل، وعرفوا الغنى والسُؤْدَد، وكانت دمشق بهم أعظم عواصم العالم وأجملها.
مدحهم شاعرهم الأخطل النصراني بقوله:
وكانت دمشق في أيام الأمويين كرومية في نظر أهل النصرانية، وما كانت قبلهم تعد في العواصم الكبرى. وللأمويين ابتكارات في الإدارة والسياسة لم ينسجوا فيها على منوال غيرهم، ولهم على العرب فضل لا يُنسَى على وجه الدهر، وهو أن أبا سفيان والد معاوية وجده حربًا، نقَلَا من الحيرة الخط إلى جزيرة العرب.
دمشق في عهد العباسيين
فتح عبد الله بن علي عم الخليفة العباسي السفاح مدينة دمشق سنة ١٣٢ﻫ، ووضع السيف في أهلها، واستصفى أموالها، ودخلت أباعر جيشه جامع بني أمية وظلت فيه سبعين يومًا، وقُتِل من النصارى واليهود خلق، كما قُتِل كثير من العلماء والأمراء، ونبشوا قبور بني أمية وأحرقوا جثثهم بالنار وذروها في الهواء، ونقضوا أسوار البلدة حجرًا حجرًا. انتقم العباسيون من الأمويين أحيائهم وأمواتهم انتقامًا فظيعًا، وصَفَتْ لهم دمشق، إلا أنهم لم يجعلوا فيها دار خلافتهم، وصيَّروها قصبة ولاية، فذهب ما كان لها من عظمة على عهد الأموي.
ومع هذا كان عظماء رجال بني العباس أمثال إبراهيم بن المهدي وعبد الله بن طاهر يتولَّون أمرها، وأعظم مَن عَطَف عليها من خلفائهم الرشيدُ، وكان أميرًا عليها قبل أن يلي الخلافة، وكذلك ابنه المأمون، كانا يختلفان إليها ويعدلان في أهلها، حتى لقد ذكَّراهم بما كانوا يلقون من عدل بني أمية أيام سلطانهم.
وما خلت البلاد حتى في أيام عظماء العباسيين من دعاة يدعون إلى إرجاع الملك للأمويين، فوضعوا لذلك ملحمة بنوها على معرفة المستقبل، زعموا أنه يظهر رجل من بني أمية اسمه السفياني، فاعتقد الناس بظهوره، كما اعتقد أهل المغرب بالمهدي، وفي خلافة الأمين — والعباسيون يشتغلون بأنفسهم — ظهر هذا السفياني، اسمه علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وهو الملقب بالعميطر، وكان من أهل العلم والرواية، فدعا إلى نفسه، وكان أصحابه يوم ادَّعى الخلافة يدورون في أسواق دمشق، ويقولون للناس: قوموا بايعوا مهدي الله. وكان يفتخر بقوله: «أنا ابن شيخي صفين» يعني عليًّا ومعاوية؛ لأنه كان ينتسب لبني أمية من جهة أبيه، ولآل أبي طالب من أمه، وتعصَّب على اليمانية وقاومه القيسية، فنهب دورهم وأحرقها، وقتلهم وفتك بأهل دمشق، وكان أصحابه يمرون بالدار فيقولون: ريح قيسيٍّ نشم من هذه الدار. فيضربونها بالنار، فهرب القيسية من دمشق، وكان مَن لم يبايعه سمَّر عليه بابه. ثم قام رجل آخر من الأمويين فنازع العميطر السلطة، فلقيت دمشق بسبب هذه الفتنة شدة، وأعظم ما لقيت من تنازع قيس ويمن أو النزارية واليمانية، وبقي الاختلاف في الشام بين هذين الحيَّين من العرب إلى العصر الأخير.
دمشق في عهد ملوك الطوائف
كان أول من اقتطع جزءًا عظيمًا من جسم الخلافة العباسية أحمد بن طولون التركي، استولى على مصر نائبًا عن أحد أمراء الأتراك في بغداد أولًا، ثم صفت له أصالة واستولى على الشام، وكان حكمه فيها وفي الثغور ضئيلًا، وَسَّده إلى بعض العمال الذين ارتضاهم، ولما هلك ابن طولون، وكان أحسن سيرة من بعض المتأخرين عن خلفاء العباسيين، خلفه ابنه خُمَارَوَيْه في الشام ومصر، فأحسن هذا لأهل دمشق. ولما انقرضت دول الطولونيين سنة ٢٩٢ وقضى العباسيون على القرامطة الباطنية الذين جاءوا دمشق وأزعجوا أهلها وأخذوا منهم جزية عظيمة وأموالًا كثيرة حتى يكفوا عن تخريب بلدهم، ظهرت الدول الإخشيدية دولة محمد بن طغج، فصادر الإخشيد أغنياء دمشق، واستصفى أموالهم.
وقد وُجِد بدار الإخشيد في مصر رقعة مكتوب عليها «قُدِّرتم فأسأتم، وملكتم فبخلتم، ووُسِّع عليكم فضيَّقتم، وأدرت عليكم الأرزاق فقطعتم أرزاق العباد، واغتررتم بصفو أيامكم، ولم تتفكروا في عواقبكم، واشتغلتم بالشهوات واغتنام اللذات، وتهاونتم بسهام الأسحار وهن صائبات، ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها، وأكباد أجمعتموها، وأجسام أعريتموها، ولو تأملتم في هذا حق التأمل لانتبهتم، أوما علمتم أن الدنيا لو بقيت للعاقل ما وصل إليها الجاهل؟ ولو دامت لمن مضى ما نالها من بقي؟ فكيف بصحبة ملك يكون في زوال ملكه فرج العالم؟ ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم حتى لا يبقى منهم أحد ويبقى المنتظر به، افعلوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، وثقوا بقدرتكم وسلطانكم فإنا بالله واثقون، وهو حسبنا ونعم الوكيل».
قالوا إن الإخشيد بقي بعد هذه الرقعة في هواجس، وسافر إلى دمشق فمات فيها سنة ٣٣٤، وفي السنة التي قبلها كان سيف الدولة بن حمدان استولى على حلب ودخل دمشق، ودهش بغوطتها، فصرح بأنه سيستولي عليها جملة، فكتب أهلها إلى المتغلب على مصر كافور الإخشيدي، فبعث جيشًا طرده عنها وضمها إلى مصر، فنجت دمشق من جشع سيف الدولة وتحكمه في أصحابها.
وآذنت شمس الإخشيديين بالأفول سنة ٣٥٧ ولم تلقَ دمشق من دولتهم ودولة الطولونيين سوى راحة نسبية، ما خرجت عن حد ما كانت تلقاه في أدوار عظماء الخلفاء من بني العباس.
وجاءت دولة الفاطميين أو العبيديين فاستولت على هذه المدينة سنة ٣٥٩، وخُطِب على منبرها للمعز الفاطمي الشيعي، وانقطعت خطبة بني العباس السنيين، وعادت دمشق تشهد حظها يسوَدُّ، والفتن فيها تتكاثر وتشتد، وكان من سياسة الفاطميين ألا يولوا الولاة مدة طويلة، وبذلك كان سوء الإدارة ماثلًا في أيامهم، ومن ضعفهم أن يتولى أمر دمشق رجل كان ينقل التراب على الحمير اسمه قسام الحارثي من تلفيتا في جبل قلمون، ولا تقدر الدولة على نزع السلطة منه، وكانت أرسلت لحربه الأمير الأفضل، فحاصر دمشق وضاق بأهلها الحال، ثم رضي القائد عن قسام، وأعاد إليه حكم البلد.
واستولى الأحداث على دمشق، فأرسل الفاطميون أحد قوادهم جيش بن الصمصامة، فتلقَّاه أهلها خاضعين، فأمَّنهم واستخص رؤساءهم، واستحجب جماعة منهم، وكان يبسط الطعام كل يوم لهم ولمن يجيء معهم من أصحابهم، وأمرهم ذات يوم إذا فرغوا من الطعام أن يحضروا إلى حجرة يغسلون أيديهم فيها، وأوعز إلى أصحابه إذا دخل رؤساء الأحداث الحجرة أن يغلقوا بابها ويضعوا السيف فيمن دخلها، فقتل من أصحابهم بهذه المكيدة نحو ثلاثة آلاف رجل، ثم قبض على الأشراف واستأصل أموالهم، وأتى على نعمهم، ووظف على البلد خمسمائة ألف دينار.
وبعد سنين قليلة ثار بدمشق رجل من أهلها يعرف بالجزار، فاجتمع إليه جمع كثير من أحداثها، فقبضوا عليه وقتلوه، وأظهروا الطاعة للفاطميين، وذلك بعد أن اجتمع على الناس بدمشق الجوع والحريق والنهب والقتل. وفي سنة ٤٦١ وقع الخلف بين الدمشقيين والعسكرية، فطرحت النار في جانب من المدينة فاحترقت، واتصلت بالجامع الأموي، وكانت دمشق في هذه الحقبة قد خرَّبها أعراب البادية وأهل العيث والعيَّارون وانتقل أهلها إلى حمص، وهذا القرن من أشأم القرون على دمشق، فقد أصيبت في سنة ٤٦٧ بكارثة لم يسجِّل تاريخها أعظم منها، وذلك بانتشار الطاعون أولًا، ثم عمت المجاعة البلاد من قابل، فلم يبقَ من أهل دمشق سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد أن كانوا خمسمائة ألف كما قال المؤرخون، أفناهم الغلاء والجلاء والوباء، وكان بها مائتان وأربعون خبَّازًا فصار بها خبازان، وخلت الأسواق وأقفرت القصور والدور، ونعق البوم في البراري، والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار يُنادى عليها بعشرة دنانير فلا يشتريها أحد، والدكان الذي كان يساوي ألف دينار ما يُشترى بدينار، وأُكِلت الكلاب والسنانير والميتات، وأكل الناس لحم الآدميين، وهذا هو الطاعون الأسود الذي عمَّ العالم، وأصاب مصر ما أصاب الشام من فجائعه.
دمشق في عهد السلجوقيين
ساءت سيرة المعلى بن حيدرة أمير الفاطميين مع الجند والرعية في دمشق، فثار به العسكر وأعانهم العامة، فخربت في الفتنة دمشق وأعمالها، وجلا عنها أهلها، وهان عليهم مفارقة أماكنهم وبيوتهم بما عانوه من ظلمه. قال المؤرخون: وخلت الأماكن من قاطنيها، والغوطة من فلاحيها، وغلت الأسعار حتى أكل الناس بعضهم بعضًا لانعدام الأقوات، فجاء أتسز من أمراء السلجوقيين واستولى على المدينة بالأمان، وأعاد إليها الخطبة العباسية سنة ٤٦٨، وانقضت أيام الفاطميين فيها، إلا أن أتسز لم يكن بالدمشقيين أرحم من المعلى، يضاف إلى المصيبة بالسلف والخلف أن رجاء الفاطميين لم ينقطع من استرجاع دمشق، فحاصروها غير مرة ورجعوا عنها خائبين، حتى قُيِّض لها رجل عظيم من مماليك السلجوقيين اسمه طغتكين.
تولى طغتكين دمشق فأحسن السيرة، واستمر في حكمها من سنة ٤٩٧ إلى سنة ٥٢٢، فأحبه الدمشقيون كثيرًا لبعده عن الظلم، وإعادته إلى الناس أملاكهم التي اغتصبها منهم ولاة الجور، وإحيائه الأراضي المعطَّلة، فباع منها ما كان شاغرًا، وصرف ما حصل من ثمنها في الأجناد المرتبين للجهاد، فعمرت عدة ضياع، وأُجْرِيت عيون، وحسنت بإيالته دمشق وأعمالها، وانبسطت الرعية في عمارة الأملاك في باطن العاصمة وظاهرها، ولما مات اشتد حزنها عليه، ولم تبقَ محلة ولا سوق إلا والمآتم قائمة فيه عليه، وبحسن سياسته أوقف توغُّل الصليبيين في أحشاء البلاد، وقصر حكمهم على الساحل، وعقد بين المتخالفين من أمراء المسلمين في الديار الشامية صلات الود، ومعاهدات عدم الاعتداء، وألَّف بين قلوبهم ليجتمعوا كلهم على حرب الصليبيين الذين كانوا وصلوا إلى الأراضي الشامية سنة ٤٩٠ﻫ، واستولوا على أنطاكية وعلى الساحل الشامي وبيت المقدس.
وعدوا من غلطات طغتكين أنْ سلَّم الباطنية الإسماعيلية قلعةَ بانياس ليسلطهم على الإفرنج، ويحول دون اعتداء هؤلاء على المسلمين، فقوي بهذه القلعة أمرهم، وخف بهرام داعيتهم من العراق، ودعا إلى مذهبه جهرة، فتبعه خلقٌ من العوام والجهال والفلاحين، ووافقه الوزير المزدقاني وزير دمشق، فعظم أمر بهرام بالشام، وملك عدة حصون، وكاتب الإفرنج ليسلم إليهم دمشق، وجعلوا موعدهم يوم الجمعة ليقتلوا المسلمين وهم في صلاتهم، فعلم صاحب دمشق بالأمر فقتل الوزير المزدقاني، وأمر الناس فثاروا بالإسماعيلية، فقُتِل منهم بدمشق بضعة آلاف، ولم يتعرضوا لحرمهم وأموالهم، ووصل الإفرنج في الميعاد فلم يظفروا بشيء، فتبعهم المسلمون يضربون رقابهم، فما نجا من جيشهم إلا القليل.
ولولا قيام طغتكين ذلك القيام المحمود لاستولى الصليبيون على دمشق وحلب، وكثيرًا ما كانوا يغزون ربضهما، ولم تؤدِ دمشق للصليبيين غرامة على عهده، وظهرت بمظهر دولة قوية، وكأن طغتكين كان مبشرًا بالدولتين النورية والصلاحية اللتين جعلتا من دمشق عاصمتهما، وكان لهما شأن وأي شأن في دفع عادية الصليبيين عن الأرض المقدسة، والقضاء على ذاك التذبذب الذي ظهر من الدولة الفاطمية، وكان بعض رجالها كاتب أهل الحملة الصليبية. وطغتكين هو الذي ضرب على أيدي صغار الأمراء في الشام، ممن كان يهون على بعضهم الوقوع في سلطان الصليبيين على أن تبقى لهم إماراتهم الموهومة الضئيلة.
دمشق في عهد الدولتين النورية والصلاحية
لم ترَ دمشق عزًّا بعد دولة الأمويين مثل العز الذي نالته على عهد الدولتين النورية والصلاحية. كان نور الدين محمود بن زنكي تركيًّا، وخلفه صلاح الدين يوسف بن أيوب وهو كردي، وكلاهما خدم العرب والإسلام خدمة جليلة لا ينساها التاريخ، وفي دولتيهما عمرت دمشق عمرانًا عظيمًا على اشتغال السلطانين برد الصليبيين عن الديار الشامية، وقوَّتْ هذه الكارثة العظيمة من متن الأمة، فانتظم شملها بالنظام المحكم، ووجهت وجهتها إلى هدفها الأسمى، وهو القضاء على الصليبيين، وكانت الأمة إذ ذاك على غاية الحماسة الدينية، حتى إن والدة شمس الملوك وافقت أرباب الدولة على قتل ابنها لما استصرخ الإفرنج لتسليمهم البلاد، وكان جده طغتكين المثال الكامل في دفعهم عنها، وقد وصلوا مرة إلى المرج الأخضر من ضواحي دمشق بقيادة كونراد الألماني، ولويز السابع الفرنسي، وبودوين الثالث ملك القدس، في جيش عظيم فهزمهم المسلمون شر هزيمة ودفعوهم إلى الساحل.
أبطل نور الدين في دمشق المظالم والمغارم، ورفع الحيف عن الضعاف، ووجَّه القوة إلى مقصد واحد، وفتح بعض البلاد التي كان أمراؤها ضعافًا في وطنيتهم، ولما استعان شاور وزير العاضد الفاطمي بالصليبيين على قتال جيش نور الدين، بعث العاضد يستنجد بنور الدين، فجهَّز له حملة بقيادة أسد الدين شيركوه وقصد مصر سنة ٥٦٢ ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف، فاستنجد شاور بالإفرنج، فساروا في إثر شيركوه إلى الصعيد فهزمهم، ثم ظهر التبلبل في السياسة الفاطمية، وتولى صلاح الدين القيادة فقضى على دولتهم آخر الدهر، وصفت مصر والشام والجزيرة لنور الدين.
وكانت سيرة نور الدين كسيرة صحابة الرسول من التقشف والعفة عن أموال الرعية؛ أسقط كل ما يدخل في شبهة الحرام، وما أبقى من الجبايات سوى الخراج والجزية وما يحصل من قسمة الغلات، وكتب أكثر من ألف منشور بذلك، وأطلق المظالم، وأسقط من دواوينه الضرائب والمكوس عن المسافرين، وسامح الرعايا بمئات الألوف من الدنانير، وكان يأخذ مال الفداء ويعمر به الجوامع والمارستانات، وأخذ من أحد ملوك الإفرنج — وكان في أسره — ثلاثمائة ألف دينار، وشرط عليه ألا يغير على بلاد الإسلام سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام، وأخذ منه رهائن على ذلك، وبنى بالمال المستشفى النوري بدمشق، ولما بلغ الملك الإفرنجي مأمنه هلك. ووقف نور الدين الأوقاف العظيمة على جوامع دمشق، وكان يبيع ما يصل إليه من الهدايا، وينفقه في عمارة المساجد المهجورة، وعمَّر المدارس والطرق والجسور ودور المرضى والبائسين والخانات والأبراج والرباطات، وبنى المكاتب وأجرى عليها وعلى المعلمين فيه الجرايات الوافرة إلى غير ذلك.
أما خَلَفُه صلاح الدين فقد كان مثله في حسن السيرة، وبُعْد الهمة، وجميل المفاداة، وكان له عطف خاص على الدمشقيين؛ سامحهم بمئات الألوف من الدنانير على نحو ما فعل معلمه نور الدين، وزيَّن مدينتهم هو وآله وعتقاؤه وجواريه بالمدارس والرباطات والمساجد، ولم يُنسَب إليه شيء منها، وكان يحب دمشق ويؤثر الإقامة فيها، ولما بنى له أحد عمَّاله قصرًا، لامه ولم يرضَ أن ينزله؛ لأنه ما كان يفكر في غير حرب الصليبيين. مات صلاح الدين بعد هذه الفتوح العظيمة ومنها مصر، ولم يخلف سوى جرم واحد من الذهب وسبعة وأربعين درهمًا، ولم يترك ملكًا ولا دارًا ولا عقارًا ولا بستانًا ولا قرية ولا شيئًا من أنواع الأملاك، وكان يهب الأقاليم، ويعطي في وقت الضيق كما يعطي في حال السعة، ويفتح بابه للمتحاكمين حتى يصل إليه كل أحد، ويجلس إليهم مجلسًا عامًّا يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء، ويفعل ذلك سفرًا وحضرًا. قال سبط ابن الجوزي: ويقال إن صلاح الدين فتح ستين حصنًا، وزاد على نور الدين مصر والحجاز والمغرب واليمن والقدس والساحل وبلاد الإفرنج وديار بكر، ولو عاش لفتح الدنيا شرقًا وغربًا.
وما كان أولاد صلاح الدين وحفدته — مع وقوع الخلف بينهم — بغافلين عن زحزحة الصليبيين من مصر والشام، ويولون دمشق عطفًا عظيمًا، ويقيمون فيها المصانع والمرافق مقتفين أثر مؤسس دولتهم الأعظم، وعلى خطته جروا في الحرمة وحب الخير، وكان الملك العادل أبو بكر بن أيوب عظيمًا بأخلاقه، سار بسيرة أخيه صلاح الدين وكان مستشاره وأمينه، ولولا هذا الاختلاف الناجم بين الأسرة الأيوبية للنزاع على الملك لكانت دولتهم خير دولة قامت؛ ذلك لأن أصحابها كانوا عارفين بصناعة الملك، يحسنون حمل الناس على الجهاد، لإنقاذ بلادهم من العدو، وكان صغارهم وكبارهم على غاية التهذيب مثقفين بأدب الدين والدنيا، ولقد توصَّل الملك العادل بدهائه إلى أن كان يرشي نساء قواد الصليبيين بالجواهر والحلي الدمشقية، فيخدمْنَه مقابل ذلك خدمات مهمة ويتجسسن له على قومهن، وكثيرًا ما كان أمراء المسلمين يعمدون إلى مثل هذه الوسائط، وقد قدَّم أحد أمراء دمشق ذات يوم مائتين وخمسين ألف دينار لأحد أمراء الصليبيين، فلما فحصها وجدها زيوفًا، ولكن كان السهم نفذ، وحصل الأمير المسلم على ما أهمه الوصول إليه من الصليبي، والحرب خدعة.
أوعز الملك العادل على الواعظ سبط ابن الجوزي مرة أن يحث الناس على الجهاد؛ لما شاهد من فتور في العزائم والقعود عن الحرب، فأشار الواعظ أن يقص النساء شعورهن لتُسْتعمَل في الأدوات اللازمة للحرب، ويعمل منها شكال وكرفسات، وصعد منبر جامع دمشق الأعظم وأمر بإحضار الشعور، فحُمِلت على الأعناق، وكانت ثلاثمائة شكال، فلما رآها الناس ضجوا وشهقوا بالبكاء، وتعاهدوا على أن يقصوا من شعور نسائهم مثلها، ثم سافروا للقاء العدو، وما كفوا حتى وقع الصلح بين العادل والأعداء، وبهذا أثبت نساء دمشق في القرن السادس ما انطوت عليه أنفسهن من الوطنية، وأنهم لسن دون نساء بني أمية في القرن الأول يوم أتين مع جيش العرب لفتح دمشق، وكُنَّ يقاتلن في صفوف الرجال، ويتولين منهم ما تتولاه نساء أهل المدنيات الحديثة في الحروب من طهي الطعام، وغسل الثياب، وتضميد الجراحات، وتمريض المرضى.
دمشق في عهد المماليك
اشتد الخلاف بين أبناء العادل اشتداده من قبلُ بين أبناء أخيه صلاح الدين، وأهم ما كان من الأحداث أيام هذا الضعف مجيء الخوارزمية من الشرق يريدون الاستيلاء على الشام، فعاونهم بعض أمراء دمشق واشتد البلاء فيها، وأُحْرِقت عدة أحياء وقصور ومساجد وخانات، ودام حصارها خمسة أشهر، وهلك الخلق موتًا وجوعًا، وقَلَّ الشيء، وأكلوا الميتة، وبيعت الأملاك والأمتعة بالشيء اليسير، وأنْتَنَ البلدُ بالموتى على الطرق. قال المؤرخون: وجرى بدمشق أمور شنيعة بشعة جدًّا، لم يتم عليها مثلها قَطُّ.
بويع الملك الظاهر بيبرس البندقداري ملكًا على مصر والشام، بعد أن قُتِل تورانشاه آخِر الأيوبيين سنة ٦٤٧، ولُقِّب الملك الظاهر، وهو رأس دولة المماليك البحرية، وجاء جماعة هولاكو إلى دمشق بعد تخريبهم بغداد والقضاء على الخلافة العباسية فيها سنة ٦٥٦، وفي السنة التالية خرب هولاكو حلب، وأوقع بها خمسة أيام حتى لم يبقَ بها أحد، وأنفذت دمشق مفاتيحها إلى هولاكو لتأمن من شره، ومع هذا خرَّب سورها، وما نجت من غائلته إلا بانهزام جيش التتر على عين جالوت شر هزيمة، وبعد حين وصل غازان من حفدة هولاكو دمشق، فبذل له أهلها مالًا عظيمًا، وباستيلائه عليها خربت الدور والمساكن بظاهر دمشق، واستُبِيح ما لم يصبه الحريق من الأماكن، وأسَر ألوفًا وقتل مئات في التعذيب على المال، ودام التتر أربعة أشهر على ذلك، فخربت بعض المدارس الكبرى ودار السعادة مقر نواب السلطنة وما حولها، وبعد مدة فتح ببغا أروس التتري دمشق، ونهب ضياعها وقطع أشجارها، وجرى على أهلها من عسكره ما لم يجرِ من عسكر غازان.
كان ملوك المماليك أجناسًا، منهم الكفاة وبعضهم دون ما يجب من الكفاءة السياسية، فاتسع المجال في عهد الضعاف للواغلين من الشرق، فعسفوا أهل هذه المدينة، وما لقيت من جنكيز وهولاكو وغازان من المصائب زاد أضعافًا بضعف الدولة القائمة، فلما وافاها تيمورلنك أنساها ما لقيت منه ما كان حلَّ بها في القرنين الماضيين من أجداده التتر، فإنه ضرب عليها غرامة عظيمة كان مقدارها ألف ألف دينار، ولما استوفاها دخلها أمراؤه فحل بأهلها البلاء تسعة عشر يومًا، هلك من ساكنيها خلال ذلك ألوفٌ من التعذيب والجوع، وسبوا النساء وساقوا الأطفال والرجال، ثم طرحوا النار في المنازل والقصور والجوامع والمدارس، فعم الحريق في يوم عاصف جميع البلد، ولم يبقَ غير جدران جامعها، وحُرِق في هذه الفتنة معظم خزائن الكتب التي كانت زينة المدارس، وأكد رجل من باڨاريا اسمه جوهان شيلتبرجه كان جنديًّا من الأرقاء في جيش تيمور أن ثلاثين ألف إنسان بينهم النساء والأطفال قد اختبئوا في المسجد الجامع، فهلكوا لما سرت إليه النار.
قال ابن تغري بردي: ولقد ترك المصريون دمشق أكلة لتيمور، وكانت يوم ذاك أحسن مدن الدنيا وأعمرها، وكان يُرجى بعد تلك الفتنة المشئومة سنة ٨٠٣ أن تتنفس هذه المدينة الصعداء، بيد أن أمراءها ما كفوا عن مظالمهم، وظلوا يصادرون كل من يعتقدون أن لديه مالًا، وانتشر فيها الطاعون سنة ٨١٤، فأُحْصِي من مات من سكانها خاصة، فكانوا نحوًا من خمسين ألفًا، وخلت عدة قرى من السكان وبقيت الزروع قائمة لا تجد من يحصدها، وأشبه هذا الوباءُ وباءَ سنة ٨٩٧، وكان يموت فيه كل يوم ثلاثة آلاف إنسان، والأوبئة والمجاعات والزلازل والقحط ليست أكثر بلاء على هذا البلد من جبابرة الملوك المفسدين من الفاتحين؛ فإن تيمورلنك مثلًا أخذ من دمشق جميع صناعها ومفننيها وعلمائها وقرائها، ونهب آثارها النفيسة ثم أحرقها، ولم تأخذه بها وبأهلها شفقة.
وجاء ملوك عظام من المماليك البحرية والبرجية اهتموا لسعادة دمشق، وفي مقدمتهم الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون وبيبرس الجاشنكير وقايتباي وبرسباي، وجاء أيضًا منهم صغارٌ بعقولهم وبأعمارهم، ومع هذا وُفِّقت دولتهم إلى إخراج بقايا الصليبيين من ساحل دمشق، فخفف عنها الضغط الذي دام نحو مائتي سنة مشفوعًا بغارات التتر من الشرق.
دمشق في عهد العثمانية
استولى السلطان سليم الأول العثماني على دمشق سنة ٩٢٢، بعد وقعة مرج دابق التي قتل فيها قانصوه الغوري آخِر ملوك المماليك، وكان سليم جبارًا سفاكًا للدماء، قتل إخوته وبضعة من وزرائه.
ومن سوء حظ هذه العاصمة أن أرباب الرحمة من ملوك آل عثمان مضوا قبل استيلاء العثمانيين الأتراك على الشام ومصر، ولئن كانت هذه الديار بمعزل عن شئون الدولة السياسية في القسطنطينية دار الملك وشأنها شأن سائر الولايات العثمانية، فإن جهل الأتراك بالإدارة أذهب عن دمشق نضرتها التي كانت لها على عهد نور الدين وصلاح الدين مثلًا، وكان يتحكم فيها المتوثبون على الملك وأرباب الإقطاعات، والدولة لا تهتم إلا لجباية أموالها من الرعايا، وقصاراها أن يُخطب لها على المنابر، وتُضرَب السكَّة باسم ملوكها، وتراعي فيها الظواهر، وتحس في أهلها الخضوع لما تأمر به، ولم ينكر الدمشقيون على الأتراك القادمين سوى استرسال بعض رجالهم في الشهوات، ومجاهرتهم بالفسق وتعاطي الخمور، وضرب حكومتهم رسومًا حتى على بيوت الدعارة، واستغربوا من الفاتح ورجال حملته أن يحلقوا لحاهم، وما كانت عيون الناس في بلاد العرب تألف غير اللحى تزيِّن وجوه الرجال.
أما الجيش العثماني فكان دأبه الاعتداء على السكان؛ ينزلون بيوتهم بالقوة، ويعتدون على الأعراض، ويقطعون الأشجار، ويرعون الزرع، ويوغلون في المنكرات والسلب والنهب.
ولما رحل السلطان سليم بعد فتحه مصر خلا الجو لنائبه جان بدري الغزالي، فخرج عن الطاعة وبايعه الأهلون بالسلطنة مكرَهين، وسمَّى نفسه بالملك الأشرف، وخُطِب له على المنابر، وزُيِّنت دمشق ثلاثة أيام، وأُوقِدت الشموع على الدكاكين، وضُرِبت السكَّة باسمه، ثم أرسلت الدولة العثمانية جيشًا قضى عليه، وكان هو من قبلُ قضى على حامية المدينة، وكانوا خمسة آلاف جندي من الانكشارية، وفي وقائعه خرب نحو ثلث دمشق من ضِياع وأحياء وحارات وأسواق وبيوت، وقُتِل من أهلها نحو سبعة آلاف، وهجم العسكر التركي على أحياء المدينة وربضها فكسروا الأبواب والحواصل والدكاكين، وآذوا النساء والأولاد، وكان النساء اجتمعن في مدرسة الحنابلة ومدرسة أبي عمر وغيرهما من مدارس الصالحية، فهجموا عليهن وعروهن من ثيابهن، أخذوا من راقهم من النساء والغلمان. ويمكن حصر مصائب الدور العثماني الأول في ظلم الوالي إذا كان عاتيًا مرتشيًا، وظلم الجند في كل مكان نزلوه، وشقاء البلاد بأرباب النفوذ من أهلها.
ومن الولاة من لم يكن حدٌّ لظلمهم ولا لسرقاتهم، أمثال سنان باشا، كان يقتل ألوفًا من الأبرياء، ويعمر المساجد! فقد خلف من الذهب والجواهر والحلي والأحجار الكريمة ما عزَّ وجود مثله في غير خزائن كبار الملوك المستبدين، هذا عدا ما أنفقه في بناء الجوامع والمدارس والتكايا والخانات مما قدَّره مؤرخو الترك بمليوني ليرة ذهبًا بسكة زماننا.
وكانت الدولة العثمانية تخشى ولاتها، ولذلك ما كانت تبقيهم في دمشق إلا أشهرًا معدودة، حتى لقد بلغ مَن تولَّاها منهم في قرن واحد من سنة ١٠٠٠ إلى سنة ١١٠٠ أحدًا وثمانين واليًا، وزاد في هذا الدور ظلم الانكشارية جيش الدولة وكُثْر أذاهم، ويعبثون بأعراض الرعية وعروضها، ويستبيحون المدنية وقراها، ولا يكاد إنسان يأمن شرهم وعتوهم، وزادت فظائعهم لما أُنشِئت فرق جديدة من الجند، وبدت المنافسة بين العسكر القديم والعسكر الجديد، حتى أدت إلى أن يقتلوا في الشوارع، وإلى أن يتغلب أحد الفريقين المتقاتلين على القلعة، يُقتل الأبرياء وتُخرب بيوت وحوانيت، وتتعطل الأعمال أيامًا، وأقل ما كان ينال أهل القرى من الظلم متى طولبوا بعوارض سنتين أي بأموال عامين لحاجة الدولة أبدًا على المال، فيرسل الوالي زبانيته من الجند يخربون المساكن ويقطعون الأشجار، وعادة قطع الأشجار تأصلت في نفوس رجال الترك حتى أتوا في بعض الأقاليم على أشجارها كلها، فأصبحت بتكرر قطعها وإحراقها جرداء مرداء بعد أن كانت غابات غنَّاء، وكان الجند إذا شتوا بدمشق — وهم ألوف — يلزمون أهل المدينة بأكلهم ومبيتهم، فإذا عزموا على السفر يأخذون من كل دار ترحيلة أيْ مبلغًا من المال نفقة الطريق، وأصبح الأمر في بعض الأدوار على غاية الأخلوقة، فقد حدث أن خصص السلطان إبراهيم الخالع الماجن جباية إيالة الشام كلها لامرأته السابعة، فكانت قرينة السلطان ترسل رجلًا يجبيها باسمها.
وحدث بعض السنين أن أرسلت رجلًا اسمه محمد أغا، وهو الذي نهض بعد مدة بالدولة باسم محمد باشا الكوبرلي الكبير، قال أبو الفاروق: ولا عجب، فقد توجد الدرة النفيسة بين الكناسات والقمامات «راجع الجزء الثاني ص٢٦٧ من كتاب «خطط الشام» من تأليفنا».
وفي العهد العثماني كانت الفتن بدمشق متصلة اتصال الشُّؤْبُوب، البلاد ساحة وغي على الدوام، وكذلك كانت الحال في الأقاليم، تتعطل الأسواق والمعاملات بسبب الاضطرابات بين الانكشارية جيش الدولة والفرق الجندية الأخرى كالدالاتية والقبوقولي، وقد عُطِّلت البلد سنة ١١٦١ﻫ مرة ما يقرب من سنة، لا تقام جمعة، ولا يُسمَع أذان، ولا يُفتَح جامع، ولا يتمكن أحد من الخروج من منزله، وأغلقت دمشق دكاكينها مرة تسعة أشهر احتجاجًا على مسائل آذتها، وكانت ذريعتها العظمى في إنكار ما يؤذيها إغلاق الحوانيت والمتاجر.
نعم، انقلب عيش الدمشقيين في القرون الأخيرة من حكم العثمانيين عيشًا رتيبًا ليس فيه غير المغارم والمظالم، ونشوب الفتن فيها من الأمور الطبيعية، وذلك لضعف الحكومة، وقلة بصيرة ولاة الأمر وفسادهم، وسرعة تبديل الولاة وسائر العمال، والقاعدة أن المناصب الكبرى لا تدوم لمتوليها أكثر من بضعة أشهر، وندر من يتولَّاها سنة كاملة أو سنتين، ومعظم العمال يبتاعون مناصبهم من رجال الآستانة بالمال الوافر، والجند لأقل سبب يشعثون القرى ويأكلون مغلها، ويقتلون في أهلها، ومعنى تخريب قوى دمشق انقطاع مادة حياتها. وكاد الموت والحياة يتساويان في نظر الناس على عهد الترك؛ لأن كل ما يدخرونه يُنهَب، وكل ما يعمرونه يُخرب، وجاء الوالي أحمد باشا الجزار يقتل في الأهلين ويعسفهم، وكثيرًا ما كان يصادر الناس ثم يقتلهم، وطال حكمه في أوائل القرن الثاني عشر، وهو يلقي الشغب بين الأهلين، وينمي روح الفتن بينهم، حتى ينقذ القطر بزعمه من عسف المشايخ والأمراء، وكان جوره بالقياس إلى جور هؤلاء أقل وطأة، فحفظ المساواة بين الرعية، وكان يحبس علماء المسلمين كما يحبس قسيسي النصارى وحاخامي اليهود وعقال الدروز، ويصادر المسلمين كما صادر اليهود.
وأهم ما وقع في القرن التالي قتل أعيان دمشق الوالي سليم باشا، وكان قضى على جيش الانكشارية في الآستانة وهو صدر أعظم، فحاول قتل بعض أعيانهم وهو والٍ، فبدءوه بالشر قبل أن يبدأهم، وجعلوا الحجة في إثارة العامة أنه يريد وضع ضريبة جديدة على البيوت والحوانيت، فهاج الرعاع لذلك وقتلوه، ولولا أن اتفق في تلك السنة خروج محمد علي باشا والي مصر على الدولة، وإعداده حملة لفتح الشام، لجعلت الدولة عالي دمشق سافلها لما أصابها من الذل بمقتل واليها.
وشُغِلت دمشق بفتح إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ونفس خناقها بالدولة الجديدة، وقد رأى الدماشقة إدارتها أحسن من الإدارة في عهودها من العثمانيين، وكان من أول أعمال المصريين ترتيب المجالس الملكية والعسكرية، وإقامة مجلس الشورى، وترتيب المالية، ووضع نظام للجباية، ومعاملة الرعايا بالمساواة والعدل، ومع هذا استثقل أرباب النفوذ والمشايخ ظل هذه الدولة، وودوا رجوع العثمانيين، ليعيشوا معهم كالحلمة الطفيلية تمتص دماء الضعفاء وتفتك بالآمنين والأبرياء.
أما إبراهيم باشا فمضى في إصلاحه وأبطل المصادرات، وقرر حق التملك، ووطد الأمن، وأحيا الزراعة والصناعة، وهيأ الطرق لرواج التجارة، وبتشويقه عمَّتْ تربية دود الحرير ودود القز، واستُخرِجت بعض المعادن، فاستعادت بعض القرى عمرانها القديم، ورخص الفاتح الجديد للأجانب في إرسال معتمديهم إلى دمشق، وكانوا قبله يُمنَعون من دخولها، ودام حكمه في الشام تسع سنين، ومن دمشق خرج عائدًا إلى مصر، فبكاه الدمشقيون بكاءً شديدًا، على شدته في تطبيق القوانين، وما عُهِد منهم أن ودَّعوا فاتحًا بما ودَّعوا به إبراهيم بن محمد علي الكبير.
مدح قنصل بريطانيا العظمى الإدارة المصرية في الشام بقوله: «لو طال الحكم المصري لاستعادت الشام قسمًا عظيمًا من وفرة سكانها القدماء، وأصابت شطرًا كبيرًا من الثورة التي كانت في الماضي وآثارها لم تزل ظاهرة للعيان في القرى والمدن العديدة، ولم يكد المصريون يطردون ويتقلص ظل سطوتهم، وقد كانوا أخضعوا الجميع لحكمهم الشديد، حتى عاد القوم إلى نبذ الطاعة، وخلفت الرشوة والتبذير في إدارة المالية النزاهة والاقتصاد، ومنيت المداخيل بالنقص، واستأنفت عرب البادية غاراتهم على السكان، فخلت القرى والمزارع المأهولة بالتدريج، حتى أمكن القول إنه لا يوجد ثَمَّ ظلٌّ للأمن على الحياة والأملاك، وكل شيء يدعو إلى عودة الفوضى إلى الديار».
وأهم ما وقع في القرن حادثة النصارى المعروفة بحادثة الستين سنة ١٨٦٠م، وخلاصتها قيام رعاع المسلمين والدروز على نصارى دمشق وقتلهم ونهبهم، وإلقاء النار خمسة أيام في حيهم حتى خرب كله، وكانت هذه المذابح بدأت من قبلُ في لبنان، وهلك في دير القمر وزحلة ووادي التيم ألوف من النصارى بِيد جيرانهم الدروز، جرى هذا في مدينة التسامح واللطف، فسوَّد الأشقياء سمعة دمشق بعد أن عاش المواطنون قرونًا في صفاء وولاء، وكانت لبعض الدول الغربية يدٌ في إثارة نفوس النصارى من جهة، وإثارة الدروز من أخرى.
ويكاد المؤرخون يُجمِعون على أن الدولة هي التي دفعت الرعاع أو غضت الطرف عنهم، فارتكبوا ما ارتكبوا، وكان والي دمشق لما رأى أهل زحلة يجمعون جموعهم للغارة على الدروز، أرسل إليهم وفدًا من دمشق لينصح لهم بالعدول عن فتح باب الشر، فقبل الدروز بمقترحه إلا أن الزحليين لم يقبلوا، وكان بعد ذلك ما كان من إثخان الدروز في جيرانهم النصارى في لبنان ووادي التيم، ثم سرت هذه الشرارة إلى دمشق وهلك فيها من النصارى ٥٥٠٠ مسيحي، وقدَّر بعضهم عدد القتلى في لبنان ودمشق باثني عشر ألفًا، وهو عدد مبالغ فيه، وأرسلت الدولة على الأثر أحد عظماء رجالها فؤاد باشا لإطفاء الفتنة، وإرضاء الدول العظمى حامية النصارى في الشرق، فقتل من مسلمي دمشق ١١١ رجلًا رشقًا بالرصاص، وصلب ٥٦، ونفى ١٤٥، وحكم بالأشغال الشاقة على ١٨٦، وكان في جملة من قتل ١٨ رجلًا من كبار الأسر، وأرسل زُهاء ألف رجل إلى المنفى والسجون خارج دمشق، وقتل الوالي أحمد باشا رميًا بالرصاص؛ قالوا لتساهله في الفتنة، والحقيقة أنه نفَّذ أوامر الآستانة فخافت الدولة شيوع الخبر فقتلته، بعد أن أخذ فؤاد باشا أوراقه، وأخذت الحكومة تجبي المال للتعويض على المنكوبين، فجبت مئات الألوف من الليرات غرامة من أهل دمشق يبنون بها الحي الذي أصبح طعام النار، وجنَّدوا ثلاثة آلاف جندي، وجعلوا بدل الخدمة في الجندية من النقد مائتي ليرة ذهبية، وبلغت الخسائر مليونًا وربع مليون من الليرات.
وعاد من دانوا بالإسلام من النصارى كرهًا إلى دينهم الأصلي، وعوضت الدولة على المنكوبين من أموال الأهالي، ولم يصل إلى مَن أريدت معاونتهم مما جُبِي بهذا الاسم أكثر من الربع، وضاع الربع الثاني في النفقات، واختلس الربع الثالث عمالُ الحكومة، وأصاب صيارفة اليهود الربع الرابع، وكانت الخسارة عظيمة على الحكومة وعلى رعاياها من المسلمين والنصارى، وربحت الدولة من كل هذا تذليل الرعية وإخضاع الزعماء وأرباب المقاطعات، وخسرت دمشق ألوفًا من البيوت المسيحية، هاجرت من دمشق إلى بيروت وقبرص ومصر واستوطنوها استيطانًا قطعيًّا.
ولولا أن مئات من أعيان دمشق وتجارها وغيرهم من أرباب الدين والمروءة فتحوا بيوتهم وصدورهم لحماية المسيحيين والمسيحيات، لما بقي منهم ديار؛ لأن الأمر بعد أن خرج من يد الحكمة صار إلى أيدي الرعاع، والرعاع في العادة لا حد لتعديهم وإسرافهم، عمل المسلمون بما فرضه عليهم دينهم من حماية أهل الذمة، ولكن السياسة لعبت ألاعيبها، فعوقب حتى بعض من حمى مواطنيه، وأطعمهم وألبسهم وحنا عليهم.
وكانت الدولة تحاول أن تمثل مثل هذه الفتنة في دمشق قبل نحو ربع قرن، فلم تقع في أحبولتها؛ لأن الأمر رجع يومئذٍ إلى أرباب البصيرة والرأي، وذلك أن الدولة أرادت يوم ثورة المورة وجزائر البحر المتوسط سنة ١٢٤٤ﻫ أن تقتل طائفة الروم الأرثوذكس في الشام؛ انتقامًا منهم عمَّا أتاه أبناء دينهم في اليونان من عصيان الدولة للوصول إلى استقلالهم، فأمرت الحكومة واليها في دمشق أن يقتل أبناء طائفة الروم في إيالته، وكان الوالي عاقلًا على ما يظهر، فأحال المسألة على مجلس دعا إليه الأعيان وأرباب الشأن عليهم أوامر الآستانة، فكان جوابهم: ليس عندنا مفسدون من النصارى، وجميعهم ذميُّون وعاملون بشروط الذمة لا تجوز أذيتهم، والرسول أوصانا بالذميِّين، نحن لا نقدر أن نتحمل تبعة قتلهم، وكتبوا محضرًا بجميل سلوك نصارى الإيالة وحسن طاعتهم، وأنهم يؤدون الأموال الأميرية، وأنهم يستحقون الرعاية والمرحمة من السلطنة العثمانية، وبصنع أهل دمشق هذا نجا من القتل عشرات الألوف من النصارى، وهكذا كانت سياسة الدولة العثمانية مدة تزيد على أربعة قرون، تضرب الغني بالفقير، والموافق بالمخالف، والطائع بالعاصي، وتفرِّق بين أجزاء قلوب رعاياها في بلد فيه عشرون مذهبًا ودينًا، حتى تخلت عن هذه الديار في حرب سنة ١٩١٨م.
دمشق في العهد الأخير
فتح الجيش الإنكليزي والجيش العربي مدينة دمشق أواخر الحرب العالمية، وتولى الأمير فيصل بن الحسين حكمها بمعاونة البريطانيين، ووضع فيها أساس الحكومة العربية، ثم وقع الاتفاق بين الحلفاء على تقسيم الديار الشامية، فكانت فلسطين وعبر الأردن من حِصة بريطانيا العظيمة، وسورية ولبنان من نصيب فرنسا، وبعد حين جعلت عصبة الأمم الإشراف على هذا القطر لكلٍّ من الدولتين المشار إليهما على هذه الصورة، مع الاعتراف بأنه مستقل ويحتاج إلى من يدربه على الحكم من الدول، وهذا ما سمَّوه بالانتداب.
وفي عهد الأمير فيصل التأم مؤتمر من نواب الديار الشامية «فلسطين وشرق الأردن ولبنان وسورية» في مدينة دمشق، وقرروا فيه المناداة بالأمير فيصل ملكًا على هذه البلاد، فلم يَرُقْ الحكومتين المنتدبتين عمل المؤتمر على ما يظهر، وطلبت فرنسا دخول جيشها على الأرض السورية، فمانعت حكومة فيصل، فدخل الجيش الفرنسي دمشق عنوة بعد وقعة طفيفة في قرية ميسلون مع قوة قليلة من الجيش العربي والمتحمسين من الأهلين، وعهدت فرنسا بالحكم في سورية إلى رئيس سوري سمَّته تارة رئيس الوزراء، وأخرى رئيس دولة، وطورًا رئيس مجلس المديرين، وجعلوا لكل وزارة ولكل ديوان كبير مستشارًا فرنسيًّا، وتغلغل الفرنسيون في جميع فروع الإدارة، وتغلغل جيشهم المحتل في المراكز الحربية. وبينا كانت الهمة منصرفة إلى تقرير الأمن وإصلاح آلة الحكومة، والقوم يهنئون بالراحة وقد نجا أولادهم من خدمة الجندية في الجيش التركي، وكان كل سنة يهلك منهم ألوف في هذه السبيل، وقد نجوا من الاشتطاط عليهم في أداء المغارم، نشبت الثورة في جبل دروز حوران، ولم تلبث أن سرت شرارتها إلى دمشق، فكانت ثورة مؤلمة في زمن تحتاج فيه البلاد إلى السلام، فخربت بمدافع الحامية أجمل قصور دمشق الأثرية وجزء غير قليل من أعظم بيوت حي الميدان وحوانيته وحواصله ومستودعاته، وخربت عدة قرى في الغوطة، وهلك من الأهلين ألوف، وذهب من ثرواتهم مئات الألوف كانت جُمِعت في عشرات من السنين.
كان عمل فرنسا في التنظيم والإدارة والأمن حسنًا في مجموعه، لكن سياستها كانت غير مستقرة على حالة واحدة، فكان الرؤساء الوطنيون يُنصبون تارة بالتعيين وأخرى بالانتخاب، ينتخبهم مجلس له صورة المجلس النيابي، وبعد أخْذٍ وردٍّ طال أمرهما اختاروا الحكم الجمهوري، وجاء نواب الأمة إلى دمشق يجتمعون في دار الندوة أي البرلمان على نحو ما يجتمع العريقون في الحكم النيابي في الغرب، وإلى الآن تولَّى الأمرَ أربعةُ رؤساء جمهورية، اثنان منهم انتُخِبا انتخابًا نظاميًّا في الجملة، إلا أنهما لم يكملا مدتهما، وثالث عيَّنوه بمرسوم وقالوا إنه رئيس جمهورية، وربما كان هو أول رئيس جمهورية يعيِّنه الغريب بأمر منه! والرابع من الرؤساء جرى انتخابه على النحو الذي جرى عليه انتخاب الرئيسين الأولين، وكان ذلك بعد استيلاء البريطانيين على سورية ولبنان في سنة ١٩٤٠ لأسباب حربية، وقضوا على الفرنسيين الذين حافظوا على الطاعة لفرنسا الأم، وظلوا إلى الآن تحت الاحتلال الألماني، وأصبحت سورية ولبنان مستقلين بحسب العرف الدولي.
وأخذت المفاوضات بين البُلْدان العربية تدور حول تأليف وحدة من مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وإذا تمت هذه الأمنية التي تحرص على تحقيقها دمشق حرصًا كبيرًا، تصبح العاصمة الثانية لهذه الوحدة بعد القاهرة لتوسطها بين الأقطار العربية.