في الخلاص
كنا بحجرة المحراب نحيك ملابس التيل السوداء للشتاء حينما خطرت بي فكرة أنْ نتخلص منه، من زوجي، قال المُختار سائلًا: موضوعيًّا، أم ذهنيًّا؟
قلت: إنه رفض الطلاق.
وبدأنا طقوس صلاة الخلاص، التحرر الذهني، السلمي، قمنا بتمارين التركيز الأولية ثم قليلًا، قليلًا تسلل صوته في دمي بكل هدوء وسهولة، عميقًا كحلم الفيلسوف، أو رؤية نبي.
ركِّزي. ركِّزي. ركِّزي.
ثم اخترنا شُعيرة دموية تقود إلى الذاكرة، صنعنا مركبين صغيرين من الصفائح الدموية وانطلقنا نحو الذاكرة، ذاكرتي، كنا نحمل معنا طلاء لطمس معالمه، «كلور» أيضًا لتشويهه، أخذنا معنا أدوات التنقيب أدوات حقيقية وفعَّالة.
كان صوته السهل الواثق العارف القوي يتسلل في مسامي، لقد هيأنا لك الذاكرة، ادخلي.
ادخلي.
ادخلي.
فدخلت ثم غصت، تعمقتُ عميقًا … عميقًا.
كانت رطبة لكنها مُضاءة بشكل جيد ومُريح، كانت أضخم مما كنت أتصَوَّرُ وأضخم من جمجمتي، أضخم من دولاب ملابسي، أضخم من المِحراب، كمن أُدخل سوقًا سحرية تمتد وتتنوع أشياؤها وتتعدد، وكان صوته السهل القوي الواثق العارف يتسلل في دمي حلوًا عميقًا.
ركِّزي.
ركِّزي.
ركِّزي … والآن.
والآن، فلنبحث عنه!
الأشياء متراكمة في بهو الذاكرة، الأموال، الأشجار، الأجهزة، راديوهات، أنغام، طريق مستنيرة، طريق مُظلمة، طريق ميتة، إماء، أطفال، محمد آدم، المختار، أبي، أزهار دفلي وشجيرات عرديب صغيرة، وكثير من الذي لا ندري له اسمًا، أسماك.
كنَّا نقلب ونرفع هذا وذاك، ونزيح قليلًا الى أن وجدناه مختبئًا في ركن من شتاء الذاكرة، في ركن ثلجي به كومة متجمدة من الحوادث، والأوراق والحقد، كان هزيلًا، باردًا ومُتشَائِمًا وهو يحتضن أطلس محمد آدم وسط صقيع شتاء الذَّاكرة، عيناه غائرتان، التقطه المُختار بملقاط أُعِدَّ لهذا الغرض خصيصًا، مصنوع من قوة الذهن وعناد العاطفة.
نعم.
صب عليه قليلًا من الكلور المركز حتى طمس معالم المقاومة فيه وبدأت تحت جلده ملامح لذئب مريض، قال المختار: لنسرقه خارج الذاكرة كليًّا، رُبَّما استطاع هذا الذئب المريض افتراس أشياء مقدسة بالذاكرة.
– ركِّزي، ركِّزي …
خرجنا بمسام في الظهر، قذفنا به في الرَّماد وانتظرنا نرمقه إلى أن أصبح ذرة غبار لا لون، لا رائحة، ولا وزن.
ثم.
سمعت الصوت الواثق الهادئ العارف يقول، أيضًا: الآن عودي … عودي أيتها الملكة الجميلة …
عودي.
عودي.
عودي.