في البيت
بيت مايازوكوف الخلوي يقع شرق جبل المرسم في مساحة شاسعة، مسور بأشجار الأركويت، ويبعد جبل المرسم زهاء الميل ونصف الميل، يَصِحُّ أن يوصف بأنَّه غابة صغيرة من أشجار العرديب الضَّخمة تتخللها بعض التبلديات وقليلٌ من أشجار الباباي التي توجد قرب السور في الأطراف، وهي طويلة.
تحمل ثمارها في صدرها كأثداء لبنيات أسطوريات في سنة المراهقة الأولى، وسط هذا المنزل الذي تبلغ مساحته ثلاثة أميال مربعة تقريبًا، يُوجد جبل صغير كان في الأصل بهذا الموقع وحوله التبلديات وكثير من العرديب وبعض أشجار الأكاسيا.
بنى مايازوكوف حوله بيته، بعد أنْ زَرَعه بالأَشْجَار النَّادرة ومختلف نباتات الزينة، ثم صَنَع في قِمَّة الجبل نافورة مياه تندفع مياهها في شكل زهرة لوتس كبيرة وتسقي الشجيرات، ثم تسيل في هيئة نهر صغير لتصب عند بئر تقع تحت الجبل؛ مُصْدِرة خريرًا ساحرًا نتيجة لتساقط الماء على انكسارات صخرية مَدْرُوسة فَعَلَها مايازوكوف بنفسه حول جدران البئر، وبساحة المنزل أيضًا تنتشر الأرانب البريَّة المُستأنسة والسلاحف وطيور الأوز والدَّجاج والنعام التي لا تخاف البشر.
أَمَّا المبنى، مبنى البيت فهو بسيط ويتكون من قاعة كبيرة للاستماع للموسيقى وتستغل كمحترف للرسم وقاعة اجتماعات، وهنالك أربع حجرات أخرى، وهي عبارة عن غرفة جلوس وغرفة نوم كبيرة، وغرفة أخرى أصغر حجمًا وصالون، بالإضافة إلى المعمل الصغير خلف المبنى لتقطير عرق العرديب.
ويُوجد هذا المبنى المُتداخل في بعضه في أول المنزل الكبير عند المدخل، وتقع الغابة ويقع الجبل خلفه.
حوى بيت مايازوكوف في هذا اليوم أشكالًا من البشر والجنسيات العديدة: عرب، طلاب وأميين، صعاليك ورجال دين متطرفين، أساتذة وعسكريين، نساء ورجال مسالمين مسامحين كزهر البرسيم، صبيان، داعرات، مثقفات، شعراء وأنبياء كذبة، شحاذين ومحسنين، أوربيين آسيويين وأفارقة ولا موطئ لقدم؛ الجميع في ساحة المنزل تحت أشجار العرديب والتبلدي الباسقات وتحت الجبل يطعمون الأوز والأرانب وطيور الود أبرق، وبعض المجانين يَرْكَبون على ظهور النَّعام والسلاحف الضخمة، وقد نجد بنتًا جميلة وولدًا نزقًا في أجمة من عشب المحريب عند أطراف السور تحت شجيرات الباباي يُقَبِّلان بعضهما البعض، أو يفعلان تحت الإضاءة الخافتة الآتية من بعيد جدًّا ومباركة المحريب.
وأيضًا هنالك نفر كثير يجلس حول البئر للاستماع إلى موسيقى تساقط مياه نهير الجبل بين انكسارات الصخور في البئر، أو لإمتاع العين بمُشَاهدة زهرة الماء التي تخلقها النافورة، حيث لا يُمكن تحديد مواقعها بالضبط؛ أشخاصٌ يلعبون الشطرنج وهم يُغَنُّون بالقاعة الكبيرة، يشربون عصير العرديب، يشربون العرق وهم متكئون على سوق البابايات والياسمين والتمرهندي، يأكلون مربى العرديب، الذي كما يؤكد مايا العزيز أنه يضعف الذَّاكرة، بالتالي يجعل الشخص أكثر ميولًا للخلق والإبداع.
في منصة قرب جبل الموسيقى يقف نصب مداح المداح مواجهًا نافورة المياه اللوتس مصنوعًا من الجبص، يحمل عوده وهو يصدح بالغناء وكأني أسمعه يردد أغنيته الشهيرة:
أو لربما لأنَّ الأغنية أصلًا على مقعد التمثال بحبر ذهبي يجبرك على قراءته، قلت لنوار: لقد سمعت هذه الأغنية من قبل في غير هذا المكان، بصوت الشيخ إمام المصري، وقالت وهي تحرك شفتيها بامتعاض: العجوز الشيوعي … ﻫ … هه … أنا لا أُحِبُّ أغاني الشيوعيين؛ لأنهم يقولون شيئًا ويعنون شيئًا آخر وقد يكون الشيء الأول. إنهم قد يقولون «بنتًا» ويعنون ثورة مسلحة أو ربما جيفارا نفسه؛ ولكنهم كأفراد رائعون، لفتيانهم مقدرة غير محدودة في الإشباع الجنسي.
– هذا شعر جميل وهو لمحمود درويش!
قالت في صورة حاسمة ونهائية أنا امرأة بسيطة أحب فاسيلي كاندنسكي وميشيل فوكو، والجنس أنا مخلوقة بسيطة.
بسيطة جدًّا …
ثم …
انفجرت بالضحك، الضحك … الضحك، مما أثار حفيظة طالب بكلية دينية كان قد حضر الحفل لأشياء في نفس يعقوب، وكان قريبًا فأخذ يصيح بأعلى صوته: قلة أدب وصعلكة فارغة، ثم أضاف بحرقة: لعنة الله عليكم يا بني إسرائيل.
وخرج وهو يسب ويلعن.