في بلادنا
يجلس مايازوكوف فلادمير على مَقْرُبة من نصب «مداح المداح» يتوسط رجل أجنبي أبيض الإهاب، له ذقن كبيرة شقراء، قيل إنَّه مستشرق قام بترجمة رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» إلى لغة الهوسا والفولاني، وهنالك امرأة عربية بدينة ذات وجه جميل أبيض، سورية وزوجة رجل بالقنصلية العراقية، وهي مُحاضرة المهرجان عن «مداح المداح» كانت تقوم بسرد تفاصيل حياته أيام دراسته بمعهد جوركي للآداب بروسيا، ثم تحدثت عن إصابته في حادث سير متعمد ببغداد، ثم اختطافه في بيروت بواسطة جيش لبنان، ثم كيف أنه هرب متخفيًا في زي جندي إسرائيلي ثم غنَّت.
غنَّت خمس أغنيات من أحلى ما سمعناه من غناء لمداح المداح، ثم قدمت مايازوكوف؛ ليتحدث عن عادات مداح المداح الخاصة جدًّا، وذلك كدأبه في كل عام، ولو أنَّه كان حديثًا شيقًا وجديدًا وممتعًا. وفيما قال: كان المداح يعشق النساء إلا أنه كان دائمًا يفضل الاستمناء.
قال: إذا جاع مداح المداح شرب الزيت، أو أكل البطاطا نيئة، وقد يأكل كل ما يقع على يديه … قال: حاول المداح أن يتزوج مرة، ولكنه خاف على حريته وربابته، قال: كان يُؤمن بأنَّ حل القضية العربية الإسرائيلية لا يكمن في الرصاص والحرب الاقتصادية، ولكن في المعايشة السلمية بين العربي والإسرائيلي وفوق دستور غير عنصري وقانون عادل ونظام حكم ديمقراطي، قال: قبل موته بأيام كان يحلم مداح المداح بالقدوم إلى بلادكم — البلاد الكبيرة — ثم قال إنه يستطيع البقاء في سوريا بعد وفاة مداح المداح، ولكنه لم ينفك من حبه للشرق الذي زرعه فيه المداح فجاء إلى هذه البلاد الكبيرة.
ثم قال: علمني اللغة العربية ووجهني لدراسة القرآن الكريم والغناء العربي، وهو من قال لي ذات يوم: إنَّ العالم أوسع بكثير من هذا المعهد، معهد جوركي، وإنه قد يُساوي المعهد مضروبًا في ثلاثة.
رقصنا على ألحان سورية، واستمعنا لمايازوكوف يغني لميادة الحناوي: حبينا واتحبينا.
ثم لم يتمالك نفسه من البكاء فانفجر بالضحك.
مما أبكى معظم الحاضرين.