الوحدة الوحدة
البيت الذي انتقلت إليه بعد الزواج بيت كبير، به خمس حجرات ومطبخ كبير وسفرة، به ثلاثة حمامات، وبالتالي عددٌ لا بأس به من الشبابيك والأبواب، وخاصة إذا كانت مُشرعة، فكنت أحس كما لو أنَّ وحشًا مُرْعِبًا سيقفز للداخل ليمزقني إربًا إربًا أو يبتلعني، وقد نما هذا الخوف منذ الطفولة الأولى إلى أن التقيت بمحمد أحمد، فاختفى ولم يظهر إلا عندما انتقلت إلى هذا المنزل، منزل الأشباح التي تطرق الباب وتفتح النافذة وتمشي في الغرفة …
أسمع وقع أقدامها ولا أراه.
أسمعها تنادي ولا أراها.
كنت أصرخ كالملسوعة في وضح النهار إذا طرق الباب شخص أو إذا حط عصفور على النافذة، إذا غنى مغنٍّ بالطريق، أو داعب الريحُ شباكًا أو …
ولولا أنَّ أهلي يعلمون خوفي من النَّوافذ منذ الصغر لم يترددوا في إيداعي المصحة، نما أيضًا عندي الخوف من الظلام، ثم هاجمتني الكوابيس والأحلام المرعبة، قطط وبراغيث أموات تأكل أمواتًا، حريق، جدري، وحمى شوكية، فئوس نارية تبتر أطرافي، طريق طويلة تؤدي إلى رجل قصير ميت، ناموس وأحشاء مكومة كالجبال، جنيات ترقص المانجي والمردوم على ضوء القمر وعروس تلبس كفنًا عطش … عطش … عطش …
– طلقني أرجوك أو …
اقتلني كما قتلت محمد آدم!
– من قتل محمد آدم؟
– أنت وأبي أغرقتماه، وركبت أنت على ظهره إلى أن مات … ثم حطمت صحف الحساء على رأسه، عضيته بصدره مرتين، فجاء بالمختار الطبيب النفساني.