الأشياء
كنا في تلك اللحظة بالمزرعة عندما رأيناه فجأة يخرج من بين الأشجار التي على الشاطئ، أشجار الآيلانسس والمسكيت، كان يرتدي جلبابًا أبيض، وعلى رأسه عمامة ويحمل عصًا صغيرة بيده، وقف بعيدًا وألقى التحية، ثم شرع في الكلام مُباشرة موجهًا حديثه للمختار: هل تقبل أن تبقى زوجتك مع رجل آخر وأنت حيًّا تمشي على الأرض؟
قال المختار بكل هدوء: ليس لي زوجة.
قال: إذا كانت لك؟
قال المختار: دعنا لا نحكم على الأشياء بالفرضيات، قل ما تريد مباشرة.
قلت أنا: نحن مشغولون.
حملق فيَّ بعض الوقت قائلًا: أريدك في المنزل.
قلت: ليس لدي مانع في الذِّهاب إلى المنزل، لكن ليس الآن.
قال في إصرار: أريدك الآن.
قلت: أنت ترى أننا مشغولون بأمر هذه المزرعة، ولكني وقتما فرغت سأوافيك بالمنزل.
قال آمرًا: أنت زوجتي ومن حقي أخذك وقتما أشاء، وبدون أي اعتبار لأي نشاط تقومين به.
– كونك زوجي لا تستطيع أن تُصادرني كإنسانة لي أهداف مختلفة في هذه الحياة، لي أشيائي الخاصة وحياتي الخاصة وأصدقائي بعيدًا عنك، فأنت لم تتزوجني برغبتي ولا تعرف عني شيئًا إطلاقًا، وبالتالي ليس بإمكانك مصادرتي. هل تفهم؟
قال مفلسًا: تزوجتك برغبتك ورغبة ولي أمرك وجميع أهلك.
– أنت كذاب، ولم تتزوجني برغبتي، إنَّ والدي لا يَمْلكني ولا أحد في الكون يملكني غيري أنا، أنا إنسانة ولست كرتونة صابون! قالت نوار سعد ضاحكة: أنت رجل قديم، واسمح لي أن أقول أن لا أخلاق لك.
نظر إلى نوار سعد كأنَّه لأول مرة ينتبه لوجودها، بصق سعوطه ثم قال وفي ابتسامة ساخرة: أنت امرأَةٌ جَميلة حقًّا، ولكن كيف استطاع هذا الرجل معاشرة امرأتين في آن واحد؟ وربما سرير واحد، ألا تغاران؟ مجرد غَيْرة، أنتما تذكرانني بداعرات راسبوتين. ألك زوج؟
قال له بأدب: أيها الرجل حاول بقدر الإمكان أن تكون محترمًا.
قال: بالتأكيد أنا رجل محترم، وإلا لما سمحت لذئب مثلك أن يدخل بيتي ويسرق امرأتي.
قالت له نوار: أنت رجل غريب، هل امرأتك هذه قطعة أساس حتى تُسْرق، أهي كرسي؟!
ثم ضحكت في مكر وهي تمضي داخل الحقل وعلى ظهرها طلمبة الرش ثم لحق بها المختار، وبقيت وهو وحدنا.
قال بهدوء: سأفعل كل ما تطلبين إذا عدت إلى البيت الآن.
قلت: أنا لا أريد منك شيئًا إطلاقًا، فقط لو تطلقني.
قال وهو يُحاول جاهدًا أن يخبئ ابتسامة خبيثة كانت تحاول الإفصاح عن نفسها: سأطلقك.
– أيضًا لن أذهب معك.
وأخذنا في نقاش يبرد حينًا ويحمَّر جمرُه حينًا إلى أن عاد مرة أخرى المختار، وعادت معه نوار، وحان وقت الرجوع إلى المحراب، قال المختار: أنا رجل قانون درستُ القانون أربع سنوات … ولم أرَ في حياتي كلها مثل هذه الفوضى.
قلت له: أنت تاجر، ليس أكثر من تاجر، وكل شيء فيك تاجر …
وقالت نوار مقاطعة: لنفترض أنَّك حمورابي نفسه بعينه ولسانه، أنت خطأ، أنت خطأ.
قال: سأذهب ولكني غدًا سأعود ومعي عربة شرطة وسأريكم كيف تحترمون القانون، وسآخذك — مُشيرًا إليَّ — أنت بالقوة إلى بيت الطاعة. قلت: وستربطني في المطبخ بالجنزير؟ قال ساخرًا: لا، ليس في المطبخ، فأنت أرقى من ذلك، سأربطك في مكان آخر تعرفينه جيدًا … ثم أضاف مؤكدًا: غدًا سترين كل شيء، وذهب.