في السياسة
ونحن نقتلع أشجار البطيخ القديمة على الأرض، أطل علينا من بين رماد الأشجار، وجه تعِب، وجه مرهق، وجه سارة؛ فألقينا بمقلاعينا وجرينا نحوها، قد بلغ بها الإعياء والبؤس مبلغًا، فارتمت أمامنا على الأرض وهي تلهث؛ أسعفناها تحت ظل عرديبة كبيرة، كانت تتصبَّب عرقًا، سقيناها ماء الملح بقليل من السكر، أفاقت.
قالت: جئت من كهوف مايازوكوف، وكنت أختبئ هناك من البوليس السياسي منذ زمن، فقد هُجرت الكهوف — كما تعلمان — بعد أن ذهب مايا.
أخبرتنا نوار سعد بأنكم مطاردون، وأنَّ آدم هرب لجهة لا يعلمها أحد، وأنَّ حافظ بالسجن الكبير. قالت في أسًى: إنهم يقولون إنَّه هَرَبَ من السَّجن، ولكن معروف عن السجن الكبير دقة إحكامه، ويقال الأطيار والفئران تجد صعوبة في الخروج من جدرانه، إنهم رُبَّما قاموا بقتله وأعلنوا هروبه، إنها حيلة قديمة يستخدمها البوليس السياسي النازي، ولكن نأمل في أنه هرب فعلًا … لا نريد أن نعي فكرة أنه مات.
أن يموت حافظ يعني أن تخيم مليون سحابة سوداء عاقر هذه البلاد الكبيرة.
قالت: جئت ماشية على قدمي من المرسم المفتوح، سبع ساعات متواصلة عبر الشوك والخيران، صرير الأشجار الجافة، ولقد ضللت الطريق مرات عديدة إلى أن أرشدني بعض الرُّعاة إلى طريق جانبية تقود إلى مزرعتكم هذه.
– إذن لقد اكتشف البوليس السياسي مكانك؛ لذا هربت؟ قالت وفي فمها ابتسامة جافة: لا، مللت البقاء مثل السحلية بالكهوف المهجورة.
– أين تذهبين ليلًا؟
– يأخذني الخفير إلى أسرته، إلى أن ينادي أذان الصبح فأعود إلى الكهف، سحلية، مللت، مللت الوحدة. معكم أستطيع أن أحيا قليلًا، الوحدة قبر. قالت: أهلي سيعرفون أنني معكم هنا؛ سيخبرهم الخفير.
قالت: يظنون أننا نعمل لحساب دولة أجنبية بقيادة مايازوكوف! قالت: هل هنا آمن؟ إذن أريد أن أنام قليلًا، إنني مرهقة جدًّا وقدماي متورمتان؛ قال لي المختار: إنهم يبحثون عن طريق وما أصعب الطريق! قال: يستحيل إيجاد السبيل عن طريق البحث الجماعي، فالطريقُ ذاتية والإنسان دائمًا فرد، وإن كان فردًا في سياق جماعي، يبحث وحده، يجد وحده، ويموت في لقيته وحده، قلت وكان وجهها يبدو بريئًا وحلوًا وهي نائمة على فراش بالمحراب: إنها طفلة وجميلة وإنها تحلم كما أنها لا تعمل لحساب شخص ما، أنا أعرف ذلك. قال: وأنا أيضًا أعرف ذلك، إنها تحب وطنها مثلها مثل أصدقائها، ولكنها ترى في الأيديولجيا التي تؤمن بها المخرج الوحيد لأزمات الوطن.