ثلاثة رجال
نزل المطر مرة أخرى غزيرًا وعنيفًا، ذابت مساكن الطين الساقطة، مات الميتون وشبعوا موتًا، أقام الفُقراء في العَرَاء، ثم هطل المطر مرة أخرى غزيرًا وعنيفًا. قال البعض: إنه غضب الله على البلاد الكبيرة. قال البعض: إنها رحمة من الله على البلاد الكبيرة.
وقمنا بزيارة المدينة، أنا والمختار تاركين سارة بالمحراب وحدها، فلم تك المدينة غير مستنقع من مياه الأمطار تبيض عليه الضفادع، ويتكاثر فيه البعوض وأم مقص، وبه جثث الحيوانات النافقة المجروفة مع السيل والقاذورات، وتذمر الشعب في الشوارع والتظاهرات.
الناس يتبرزون في العراء خوفًا من أن تسقط بهم آبار المراحيض.
المدينة كوم خراء.
ولكي نتمكن من المشي على الطين قمنا بخلع أحذيتنا ومشينا حفاة؛ محاولين ما أمكن تجنب شظايا الزجاج والأشواك والحصى الحادة أطرافه، ورَغم ذلك وجدنا صعوبة بالغة في ولوج وسط المدينة عن طريق الشارع العام، فلقد كان عبارة عن بحيرة طويلة مستطيلة مشحونة بالحيوانات النافقة، الضفادع وأم مقص، فاتخذنا طريقًا جانبيًّا، وعبْر بعض الأزقة المحاطة بالمنازل المتساقطة استطعنا دخول السوق لنفاجأ بالفوضى.
كان الناس الفقراء الجوعى كالحيوانات المتوحشة وهم يتعاركون بين بعضهم البعض، بينهم وأفراد الاحتياطي المركزي والشرطيين، يكسرون المتاجر ويستولون على جميع ما فيها من بضائع أو أثاثات، كانوا مُسلحين بالعصي والفئوس وبعض البنادق التي أخذوها من أيادي الشرطيين، هناك نهب للأفراد، وقد اكتشفنا ذلك مؤخرًا عندما تقدم نحونا ثلاثة رجال، يمسك أحدهم بخنجر مسلول في يده والآخران يحملان عصا غليطة، وطلبا من المختار أن يعطيهم ساعته وقميصه وحذاءه التي يمسك بها في يده، فأعطى دون أي مقاومة أو اعتراض، ثم أخذوا ساعتي أيضًا وحذائي ثم طلبوا منا مُغادرة المكان؛ لأنَّه قد يأتي من لا يقبل بأقل من اغتصابي، خاصة وأنه لم يعد لدينا ما ينهب.
فتسللنا كفأرين بائسين عبر الأزقة عائدين إلى الطريق العام حيث استقللنا عربة أجرة إلى غابتنا.