وصف لها بلادًا وجاء بها إلى أخرى
تحدث الناس عن استياء زوجة مايازوكوف عندما داهمها الذباب والبعوض، وهي تعبر شوارع المدينة وزوجها إلى الجامعة في اليوم الأول، ولو أنَّهما استغلا عربة كانت في انتظارهما عند المطار، إلا أنَّ العربة كانت غير مكيفة الهواء، والجو حار؛ لذا كانت النوافذ مشرعة، لذا عندما تنخفض سرعة العربة عند برك المياه ونتوءات الطريق؛ فإن رائحة الفضلات الآدمية والحيوانية مصحوبة بجيوش الذباب لا مفر من معانقتها، وقيل إِنَّها أحست بأنَّ مايازوكوف قد خدعها؛ لأنَّه وصف لها بلادًا وجاء بها إلى أخرى.
في عودتهم من الجامعة إلى البيت، لم يعرف مايا المكان الذي توقفت عند بوابته القديمة المُتهالكة العربة، هو بيته الذي كان جنته، ولو أنَّ أشجار العرديب الشامخة والدليبات بدأت في الإيراق. لكن المكان كان موحشًا تمامًا، نشفت النريم والورد الإنجليزي، حتى تمثال مداح المداح أصابه العطب، فقد صرعته الريح الشمالية الحارقة القوية، وحينها أحس مايا بانقباض رغم مُحاولته جعل زوجته أكثر تفاؤلًا، مؤكدًا لها أنَّ النافورة التي كانت على زهرة لوتس الجبل سيعيد لها حياتها، وحينها تستطيع أن تُغني هذه البئر المهجورة التي سكنتها الوطاويط والثعابين، وأنَّ شجيرات الباباي التي تنمو قرب السور الذي كانت تحفه شجيرات الأركويت هي الأُخرى ستنبت مرة ثانية، وأن الأرانب … وأن النعامات، وأنَّ السلاحف، وأن طيور ود أبرق، وأن المجانين ومُدَّعي النبوة … الداعرات … وأن عرق العرديب وميادة الحناوي … مداح المداح.
وأن سارة حسن … آدم وأمين.
وأنَّ الرحلات إلى المدن البعيدة، وأنَّ الكهوف وحدأة الحرية التي بجناحي فراشة وأنامل سيدة جميلة …
وأن كمنجة مداح المدفونة في الطين، وأنَّ الطلاب …
في اليوم الثاني في الصباح الباكر ذهب مايازوكوف للكهوف فوجدها بيتًا للسحالي والعناكب والثعابين وحمامات الجبل المتوحشات، وجدنا المطر قام بغسل ألوانها الزَّاهية وحطم الحجارة المنحُوتة، ما عدا كهفًا واحدًا كان نظيفًا، وبه بقايا شموع وهو الكهف الذي اختبأت به سارة حسن من قبل. قال لزوجته: العالم كله يسيرُ إلى الأمام، وغده أجمل من يومه، إِلَّا هذه البلاد الكبيرة تسير للخلف ويومها فرصة لا تتوافر في الغد … عالم غريب.
عندما شاءت الكلية أن تحتفل بعودته وعمادته لم يأت حتى القليل من أصدقائه لحضور الحفل. أتت الشخصيات الرَّسمية، وهي وحدها من البشر الذين لا يُحبهم مايا ولا يحب لغتهم المتكلفة وبروتوكولاتهم العميقة … أمَّا المجانين: الطلاب والنساء الجميلات … الحزبيون وغيرهم فقد كانوا مشغولين بالملاريا والكوليرا والذباب … أو أنهم ماتوا … تحت الأنقاض أو غرقوا أو يحتضرون.
الحفل كان باردًا ورسميًّا لا طعم له غير طعم الكوكاكولا التي وُزِّعت للمُحتفين، ورائحة دخان السجائر. قيل إن مايا سأل رجلًا رسميًّا كان بقربه أثناء الحفل: أين نوار سعد؟
– من هي نوار سعد؟ هل تقصد مسجلة الكلية السابقة؟ قال مايا: كانت أستاذة النحت بالكلية قبل أربع سنوات. قال الرجل: لا، لا أعرفها. فسأله: هل تعرف أين المختار؟ أهو بغابته أم لا؟ قال الرجل: لا، لا أعرفه. فقال لزوجته: إذن دعينا نعود للمنزل، أريد أن أذهب للمرحاض، قد يكون …