في الخلاص
فتحت الجامعة ثم أغلقت مرة أخرى عندما تفشَّى وباء الكوليرا في الداخليات، وثكنات أساتذة الجامعة، وجُنِّد طلاب الطب والمعاهد الصحية، وكليات الصحة والمختبرات الطبية في حملة قومية ضد الكوليرا والملاريا وغيرها من الحميات المتفشية في البلاد، ولكني لم أشارك في الحملة نسبة لمرض المختار بالغابة الذي دخل في أسبوعه الثاني، حمى هذيان، عدم مقدرة على المشي، ثم عودة للحياة الطبيعية بكل حيوية ونشاط لمدى يومين أو ثلاثة، ثم الانتكاس مرة أخرى، حمى، هذيان، عدم مقدرة على المشي … ورفض الذهاب إلى أخصائي باطنية، وهو صديق له بالمدينة، كان يعمل كطبيب للسجن الكبير، مشهود له بالكفاءة. قال: أنا طبيب، ولكني لا أعترف بما يُسمى بالطب الحديث، فالإنسان طبيب نفسه، فإذا عجزت عيادته الذاتية عن علاجه؛ فكيف يُعالجه الأطباء وهم أقل معرفة به عن ذاته؟
كان وضع المختار الصحي لا يحتمل الفلسفة، فذهبت للأخصائي صديقه بالسجن الكبير وحدثته بمرض المختار؛ فصحبني للغابة بعربته وهو في غاية التأثر، قال لي إنه درس والمختار في الجامعة الكبيرة، وإنَّ المُختار كان يَسْبِقُه بدفعة واحدة، ولكنه كان مشهورًا بين التلاميذ بخرافاته وصوفيته؛ وكان رئيسًا لرابطة «البراسايكولوجست»، وسألته عن أسرة المختار؟ قال: ما كان يحدثنا عن أسرته أبدًا، إلا إذا أصيب بحُمَّى يهذي، وهو أيضًا نادرًا ما يُصاب بالحمى أو بمرض عضال، ولكن الحمى تجعله يهذي كالمجنون ويتحدث عن أُمِّه، أمه فقط.