أعدته سابا
أعدت نوار سعد الإفطار الذي أتت به من المدينة؛ ويتكون من السجق والزبادي وأنواع متعددة من السلاطة، أشارت إلى واحدة منها قائلة: هذا الطبق أعدته سابا، وهي تقرئكم التحايا، وعما قريب ستحضر، فهي الآن مشغولة بتعلم الكمبيوتر في مكتب خاص بالمدينة.
تناول المُختار قليلًا من الزَّبادي، صابًّا عليه عسل النحل، واعتذر عن أكل السجق والسلاطة الحبشية، أَمَّا أمين فرفض في بادئ الأمر المُشَاركة في الأكل، ولكنه قَبِلَ تحت إلحاح المختار، وكان صامتًا وكأنَّه يُفَكِّر في أمر ما بكل ما يمتلك من طاقة، قُلت في نفسي: ماذا لو اكتشف أمين أننا نعرف أنه يعشق نوار سعد، وأننا استمعنا ذات مرة للحوار الذي دار بينه وبين الحبشية سابا عن قطعة من ملابس نوار سعد الداخلية كان يحتفظ بها، وتريد الحبشة استردادها؟!
طلبت منه أن يسمعنا قصيدة من شِعْره الذي كتبه مُؤَخَّرًا، ولكنه اعتذر لأنَّه لا يحفظ شعره، والكراسة التي يكتب بها ليست معه، ولكنه سيسمعنا مقاطع من قصيدة … حكاية فاطمة، فأنشد لغونار اكليف:
أنشَدَها كناسِك يُرَتِّل صحائف مُقدسة، كان منفعلًا مع كل حرف وكلمة انفعالًا عميقًا يتجسد في صوته وتقاسيم وجهه وحركة أنفاسه، وارتعاشة طفيفة في أناملِه، كل ذلك يتجسد في حركة شفتيه الجافتين الحزينتين، ثم استأذننا وانصرف.
كنا نرقبه من تحت شجرة الدوم، وهو يتلاشى بسرعة بين أشجار الغابة التي بدأت تكسوها الخضرة.
شربنا القهوة ثم أخذت نوار تحدثنا عن أشيائها؛ قالت إنها قدمت من إسبانيا للاطمئنان على أهلها، ولكن عودة مايازوكوف هي الأخرى كانت حاسمة في صنع القرار بالعودة إلى البلاد، قال: أريد أن أتخلص من بعض الغرائز … فقط بعضها، أريد أن أصير — ولو قليلًا — منكم، فقط لو تحكمت في نفسي، إنَّ لدي نفسًا جموحة، أُريد أن أقترب مني … أقترب مني أكثر، أكثر. أريد أن أعرف ماذا أريد؟
قال المختار بصوت واهن تعب: كلنا يودُّ أن يلتصق أكثر بِذَاته، ثم أضاف وهو يتنهد بعمق: لا، لستُ أدري، إن كنت قويًّا كما في الماضي … هل يمكنني مقاومة الرغبة في الاستسلام؟ قالت نوار مندهشة: الاستسلام!
– الاستسلام، نعم، الاستسلام لغرائزي وشهواتي … لمخالب نفسي وشياطينها.
– ألم تتخلص من ذلك؟ قال في يأس وبؤس: لا، لم أتخلص من شيء، أخيرًا وجدتُ نفسي في قفص الألم، كانت معي دائمًا ولكني كنتُ أكبتها وأتستر عليها وأزجرها إذا دعا الأمر … ولكني أبدًا ما كنت تقيًّا، أبدًا، ثم قص علينا أشياءه ونام.