العاشق البدوي
كنا وأطفال الجيران في أيام القمر نستمع لأحاجيه وأخبار «السحاحير» والأموات الذين يتركون قبورهم في اليوم الثالث من دفنهم ليعودوا لمنازل ذويهم، أو ينتقمون من أعدائهم وخصومهم، وعن الشياطين الذين يسكنون على شاطئ النَّهر والقناطر، وكان يُحَدِّثنا بذلك وهو شديد الإيمان بما يقول وكأنه حقيقة رأى السحار، الشيطان أو البعاتي، ولا يقبل إطلاقًا أن يُجادله أحد في صحة ما يقول فيبادر بالقول: أستغفر الله، أستغفر الله …
في الحق لم نكن نحس أنَّ ما يقوله يُجانِب الصواب، لقد كان جادًّا وصادقًا، وكنتُ أقلده في كثير من مُمارساته؛ لإيماني بأنه يعرف أسرارًا عن الجنِّ والسحاحير لا أعرفها، فكان إذا أراد النوم دار حول سريره سبع مرات؛ قارئًا آية الكرسي حتى إذا دخلت الشياطين — شياطين الظلام — الحجرة فإنَّها تضل عن سريره، فلا تراه، وبذلك لا تستطيع أن تؤذيه، أخذت أفعل مثله فأدور حول سريري وسرير أخي الصغير، الذي ينام معي بالحجرة، أخبرت أمي بهذه الفكرة مرة ونصحتها بأن تقرأ آية الكرسي سبع مرات وهي تدور حول سريرها حتى تتجنب شياطين الظلام التي تضع الأمراض — بيضها — في أجساد النيام … قالت سائلة: من أخبرك بذلك؟
قلت: إنه محمد آدم.
فلم تقل شيئًا غير أنها ابتسمت ابتسامة غامضة ما زلت أذكرها إلى اليوم.