في الهواء
كانت نوار سعد تقود السيارة وأنا وسارة نجلس على المقاعد الأمامية. أمَّا أمين وآدم والسجان فبصندوق العربة، إلى أن خرجنا من المدينة حيث تولى آدم القيادة وركب قربه السجان، أمَّا أنا وأمين وسارة ونوار أيضًا فبصندوق العربة، كنا نجلس نثرثر عن الطين والمطر وثورة الفقراء المقموعين، ونحن نعبر البرك الصغيرة في عرض الأسفلت ونقفز فجأة عندما يفاجأ آدم بحفرة في الماء ما كان يتوقع وجودها، وتسقط العربة فيها سقوطًا عنيفًا، ثم تقفز كالغزالة في الهواء فنطير معها ونهبط ونحن نلعب أو نضحك أو نخاف.
اتجهت العربة شمالًا … اتجهت شمالًا … لمدى ساعة وربع الساعة حيثُ تركت الطريق العام متوغلة في الصحراء غربًا، ثم توقفت قرب شجرة صبار ضخمة ونزل آدم والسجان وهما يتشاجران.
سألتهما نوار عما حدث فأجاب منفعلًا: هذا الشخص — مشيرًا لآدم — له أخلاق ضيقة جدًّا، والمسألة تحتاج لسعة صدر وصبر. وقلت له من قبل إنني لست متأكدًا تمامًا من المكان، فلقد اصطُحبت من السجن إلى جهة الشمال ما يقارب الساعة سيرًا بالعربة بسرعة جنونية … رُبَّما بأقصى ما تستطيع عربة اللاندكروزر أن تسير … ثم اتجهنا غربًا لما يقارب ربع الساعة، ثم جنوبًا لبعض الوقت حيث أُمرنا بحفر مطمورة ثم أُمرنا بدفنهما فيها. قالت سارة لآدم: طوِّل بالك يا آدم. ثم سألت السجان: هل هناك أي مَعْلَم يدلنا على القبر؟ شجرة، قوز … أو أي شيء؟
قال محاولًا أن يكون هادئًا: فقط شجرة صبار.
نزل الجميع من العربة وبدأنا البحث بقيادة عالمة الآثار وخبيرة التربة نوار سعد وجهازها العجيب الذي يستخدم لمعرفة مدى التغيير في نوع التربة، بمعرفة عمرها تحت أشعة الشمس المباشرة، وهذا مفيد جدًّا بالنسبة لنا؛ لأنَّه تم دفن الجثتين في حفرة؛ فبالتالي بإمكان جهاز نوار سعد أن ينبهنا إلى أن هنالك رمالًا عمرها أحدث من الرمال التي تجاورها. قالت نوار: إنها عملية شاقة أن نقوم بمسح الصحراء كلها، ولو أنَّ الجهاز يستطيع أن يفحص كيلو مترًا مربعًا في كل دقيقة انطلاقًا من موقع التشغيل.
قال آدم بإصرار: حتمًا سنجده. إنَّ هذا الرجل — مشيرًا إلى السجان — رغم عدم تأكده، إلا أنه زودنا بمعلومات مهمة جدًّا وهي: سرعة العربة والزَّمن. أضاف أمين: والاتجاهات أيضًا، إنها مهمة.
أسبوع بأكمله ونحن نعانق رمال الصحراء بحثًا وتنقيبًا عن قبر حافظ، وقد سئمنا السجان وسئم منا فأخذ أجره وغادرنا.