رحلة طويلة على الأقدام
في الصباح التالي، وفي اللحظة التي بدأت فيها الشمس تشرق، تسللت خارجًا من الباب الأمامي مراعيًا ألا أوقظ أحدًا. انطلقت بخطى ثابتة نحو منحدرات جبال الألب، على أمل أن يصفي هواء الجبل المنعش البارد ذهني. وبعد مرور وقت قليل اتجهت صوب الطريق المؤدي إلى مدينة شامونكس؛ وهي مدينة صغيرة مقامة في وادٍ جميل.
بدت الطرق ممهدة تحت حذائي طويل الرقبة، وكان الجو معتدلًا ومشرقًا. وخفت الهموم التي أحملها كلما ابتعدت أكثر نحو الجبال، التي كانت شاهقة الارتفاع على جانبيّ! وبدا كأنما يعلو قمة كل منها أهرامات عملاقة من الجليد، وكانت المنحدرات الشديدة خلابة للغاية حتى إنني لم أملّ أبدًا من النظر إليها، مهما طال الوقت الذي سرت فيه على هذا الدرب. ثمة شيء سحري في بلادي. وقد أحببت السير عبر جبال الألب.
استغرقت يومًا حتى أصل إلى مدينة شامونكس، وكان بها نزل رائع وجدت به غرفة لأقضي فيها ليلتي. وفي اللحظة التي وضعت فيها رأسي على الوسادة رحت في سبات عميق.
استيقظت في الصباح التالي وانطلقت مرة أخرى. تجولت عبر وادي شامونكس وأصوات الطبيعة تصدح من حولي. هفت الريح وسط الأشجار، وأزبد النبع، والمياه تنحدر على الجبل. لقد أفادتني الرحلة، لكنني ما زلت مضطربًا، لذا قررت أن أمكث يومًا آخر قبل أن أعود أدراجي.
هطلت الأمطار في اليوم التالي، لكنني لم أشأ أن أقضي اليوم بالداخل. وما الذي ستفعله العاصفة لي؟ لقد مررت بما هو أسوأ منها بكثير. استعرت بغلًا من النُّزل حتى أستطيع أن أصل إلى قمة جبل مونتينفيرس. كانت الأنهار الجليدية عند القمة رائعة للغاية. لقد كنت بحاجة إلى أن أراها بالفعل هذا اليوم، إذ كنت موقنًا من أن المنظر وحده سيجعلني أشعر بتحسن.
وكان الدرب المؤدي إلى أعلى الجبل وعرًا، لكنه لم يكن مستحيل السير فيه. اصطفت أشجار الصنوبر على جانبي الطريق، وكان الدرب يتلوى وينعطف فيما نشق أنا والبغل طريقنا لأعلى. كان الوادي تحتنا بمسافة بعيدة، وكانت هناك أكواخ للتدفئة، ورأيت النيران المضطرمة، والناس بداخل الأكواخ يقضون أيامهم كعادتهم في سعادة.
قلت في نفسي: «هذه هي أمارات الحياة الرائعة، هل يمكن أن أكون يومًا ما سعيدًا هكذا؟»
لقد وقعت الكثير من الأحداث في حياتي، وتوالت على ذهني أفكار بشأن الأحداث التي وقعت طيلة السنوات القليلة الماضية وأنا أرتقي الجبل: موت أمي، والأوقات التي قضيتها في الجامعة، وتجربتي البشعة، ورؤية المسخ، وويليام المسكين، وجاستين البريئة؛ فأدركت أن الأمور لن تعود أبدًا لسابق عهدها، ولن أعود أبدًا ذلك الصبي الذي كان ينظر إلى صاعقة البرق في تعجب.
هطلت الأمطار من السماء، لكنني واصلت المسير. وفي الوقت الذي بلغت فيه قمة مونتينفيرس كان قد حل وقت الظهيرة تقريبًا. تركت البغل ليستريح إلى جانب الطريق ثم انطلقت. سرت ساعتين أخريين ثم جلست على إحدى الصخور المطلة على نهر الجليد. وبعدما استرحت هناك لبعض الوقت، ظننت أن لديّ طاقة كافية تمكنني من عبور النهر الجليدي، لكنني استغرقت ساعتين للوصول إلى الجانب الآخر، ولكن ممارسة المشي نفعتني بشدة.
تلفت حولي وتفرست في الجبال، فرأيت بهاء مونتينفيرس يرتفع في الفضاء الفسيح ووراءه مباشرة الجبل الأبيض العظيم مونت بلانك. صرخت في السماء: «أرجوك اجعلني أكُن سعيدًا! أرجوك دعني أنسَ كل هذا. لا يمكنني أن أستمر على هذا المنوال! لا يمكنني حقًّا.»
وما إن نطقت بهذه الكلمات حتى رأيت رجلًا يركض بسرعة عبر نهر الجليد. قفز فوق مناطق كنت قد استغرقت بعض الوقت للمرور بها خشية أن أقع. وعندما نظرت إليه عن كثب تبين أنه أطول بكثير جدًّا من الإنسان الطبيعي.
فكرت في نفسي: «لا، مستحيل!» وشعرت بالدوار وكدت أسقط لولا أن هواء الجليد البارد أعاد لي توازني: لقد كان المسخ! وقد جاء يركض باتجاهي. واعترتني رجفة من الخوف والغضب معًا.
صرخت: «أيها المسخ! كيف تجرؤ أن تقترب مني بعد الذي اقترفته! ألست خائفًا مني؟ ألا ترى غضبي؟»
أجابني صائحًا: «أعرف أنك تكرهني. حيثما ذهبت كرهني الجميع. أنا بائس، لكنك أنت الذي صنعتني وأنت الوحيد الذي تجمعني به صلة.»
اقترب مني أكثر واسترسل: «أريدك أن تفعل شيئًا من أجلي. إذا وافقت سأتركك وشأنك، وإذا لم توافق سأجعل حياتك جحيمًا.»
صرخت: «كيف تجرؤ على تهديدي! كيف تجرؤ على تهديدي!» وركضت نحو البقعة التي يقف فيها رافعًا قبضتي يديّ. تنحى المسخ جانبًا بكل خفة فسقطت على الجليد. ونهضت من مكاني ونفضت الجليد عن بنطالي.
قال المسخ: «لا تتصرف بحماقة. طيلة العامين الماضيين رأيت السعادة تملأ الأرجاء من حولي، لكنني لم أذق طعم هذه السعادة. رأيت الناس يُحِبُّون ويُحَبُّون، لكن ما من أحد أحبني قط. تعلمت الكلام والقراءة والتفكير بوضوح، ومع كل هذا لا زال الناس يرفضونني. أنت صنعتني يا فرانكنشتاين، والآن لا بد أن تبارك حياتي كما بُوركت حياتك بالناس الذين يحبونك.»
صحت بأعلى صوتي: «ارحل! نحن عدوان أيها المسخ. لا يهم أنني صنعتك.»
نكس المسخ رأسه دقيقة ثم قال: «كيف أجعلك تنصت لي؟ كيف أجعلك تفهم؟ يا فرانكنشتاين، أنا وحيد تمامًا في هذا العالم. إذا كان صانعي يمقتني ويحتقرني، فكيف أتوقع خلاف ذلك من أي شخص آخر؟»
وتهدج صوته وهو يتابع حديثه: «إن منزلي الآن هو الجليد البارد في هذه الجبال. إنني أحيا حياة قاسية، وأنت وحدك الذي تملك القدرة على مساعدتي. أرجوك، اسمع قصتي فحسب، وعندما تسمعها كلها يمكنك أن تصدر حكمك عليّ.»
وضعت يديّ فوق أذنيّ وهززت رأسي وصحت: «كلا، كلا! لا أريد الاستماع إليك. أنت أحلت حياتي إلى جحيم. ارحل فحسب، ولا تتحدث إليّ ثانية.»
قال بإصرار: «ليس قبل أن تنصت إلى قصتي. ليس قبل أن تعرف ماذا أريد أن أطلب منك وماذا أريدك أن تفعل. أرجوك يا فرانكنشتاين، الجو قارس البرودة هنا، وهذا الجو ليس جيدًا من أجلك؛ فقد تمرض. تعال معي إلى كوخي.»
وبينما كنت أفكر لحظة في هذا الاقتراح أضاف: «لا تزال حياتي في يدك. وأنت وحدك الذي يمكنك أن تقرر هل أرحل إلى الأبد ولا أؤذي أبدًا أولئك الذين تحبهم مرة أخرى أم لا.»
واستدار المسخ ثم سار عائدًا عبر النهر الجليدي. وتبعته عبر الجليد في بطء. لقد كرهته، لكنني أدين له بهذا؛ سأنصت إلى قصته.