أيام فيكتور فرانكنشتاين الأخيرة
قال فرانكنشتاين: «كان هذا عندما رأيت سفينتك يا كابتن والتون. كان لا بد أن أتصرف سريعًا، لذا كسرت مزلاجي إلى مجاديف وجدفت باتجاه سفينتك. وقررت أنه إذا كنت تنوي الإبحار جنوبًا فسأواصل أنا تقدمي شمالًا، إذ لم أشأ أن يهرب المسخ.»
قلت له: «من الجيد أنك صعدت على متن سفينتي، لقد أنقذنا حياتك يا صديقي.»
أجاب فرانكنشتاين: «أجل، وأنا أشكرك شكرًا جزيلًا من أجل هذا، لكن أريدك أن تعدني بأنك ستعثر على المسخ إذا لم أفلح أنا في هذا، وأنك ستقدمه للمحاكمة من أجل كل ما اقترفه، وكل ما مررت به بسببه.»
وعدته أن أفعل هذا. وعندئذ سقط فرانكنشتاين في فراشه في حالة مزرية، وراح في سبات عميق مضطرب.
مر أسبوع، وأردت أن أجعله يشعر بالتحسن كي أخفف عن عقله المضطرب، لكنني أدركت أنه ليس بمقدوري هذا. كانت صحة فرانكنشتاين واهنة للغاية. مكثنا بالداخل وقضينا الأيام نتسامر.
قال لي في صبيحة أحد الأيام: «عندما كنت صغيرًا كنت أؤمن بأنني خلقت لأصير عظيمًا. وكان لهذه المشاعر أهمية كبيرة في حياتي حتى إنني لم أفكر في أي شيء آخر، فتخليت عن حياتي برمتها كي أتفرغ للعلم من أجل هذا الهدف الوحيد وهو أن أصنع حياة من العدم.»
وتوقف عن الكلام ثم مسح الدموع التي ملأت عينيه وقال: «لكنني فقدت كل شيء.»
ساورني القلق من أن تتدهور صحة فرانكنشتاين وأفقده، فبعدما رجوت كثيرًا أن أجد صديقًا صالحًا لم أشأ أن أخسره. لقد قضينا أوقاتًا كثيرة معًا، ولا أستطيع أن أتخيل حياتي بدونه، لكنني أدركت أن لديه مخاوف أعظم.
قال فرانكنشتاين: «سأتعقبه حتى النهاية، فهذا هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الأمر.»
كنا مهددين في كل لحظة وكل يوم بأن تسحق جبال الجليد سفينتنا، وكان أفراد طاقمي مرتعدين، وحتى أنا كنت خائفًا من ألا نعود إلى إنجلترا، وشعرت أنني خذلتهم؛ فلقد ائتمنني أولئك الرجال على حياتهم، وإن لم نستطع العودة فستقع المسئولية كاملة على عاتقي؛ فرغبتي الأنانية في رؤية أرض لم يرها إنسان ستكون السبب في موت أنفس كثيرة.
وفيما ساورتني المخاوف هدأ فرانكنشتاين من روعي، وحاول أن يخبرني بأن الجليد سينكسر ولسوف نرى سماء إنجلترا الزرقاء مرة أخرى. كان من الصعب عليّ أن أصدقه ولا سيما كلما نظرت إلى وجوه الرجال المضطربة يومًا بعد يوم.
وأخيرًا، جاء بضعة بحارة لرؤيتي في غرفتي، وأخبروني أن الطاقم لم يعد يرغب في المضي قدمًا في هذه الرحلة حتى لو انفتح الجليد، فهم يرغبون في العودة بالسفينة والإبحار نحو الوطن، لأنهم يرغبون في رؤية أسرهم. وهل بمقدوري أن ألومهم على هذا؟
أخبرتهم بأننا سندير السفينة بالفعل فور انفتاح الجليد وتحرير السفينة.
وفي الصباح التالي مباشرة سمعت صيحات التهليل في كل الأرجاء عقب سماع الأصوات العالية الصادرة عن تشقق الجليد وانكساره. وعندما عرجت على فرانكنشتاين لأتفقده كعادتي كل يوم، سألني عن سبب هذه الجلبة المفاجئة؛ إذ تناهت إلى مسامعه صيحات التهليل من سطح السفينة، فأخبرته أن الجليد قد تحرك وأننا سنبحر إلى الوطن حالما نستطيع أن نحرر السفينة.
رد في عجالة: «لا، لا يمكنني أن أغادر هذا المكان قبل أن أعثر على المسخ. لا بد أن أغادر سفينتك، لن أعود معك.»
حاول أن ينهض، لكن عسر عليه ذلك في ظل حالته الصحية المتدهورة، فسقط وغاب عن الوعي على الفراش. استدعيت طبيب السفينة الذي جاء لتوه.
قال الطبيب لي وفرانكنشتاين راقد: «يؤسفني أنه في حالة مزرية للغاية، سيكون محظوظًا إذا تمكن من العيش حتى الليل.»
أجبته: «أشكرك أيها الطبيب.» وعندئذ عدت إلى جانب فراشه لأرافقه خلال هذه الساعات الأخيرة.
استفضنا في الحديث حول حياته وما حدث. وأخبرني أن قرار العودة إلى الوطن هو قرار صائب. قال لي: «إن حياة أولئك الرجال أهم بكثير من أهدافنا الأنانية.»
وأردف فرانكنشتاين: «لا بد أن تعي جيدًا هذا الدرس يا صديقي العزيز. أنت محظوظ لأنني علمتك إياه، وانتبه جيدًا إلى أخطائي.» ثم ضغط على يدي بقوة وعندئذ أغلق عينيه للأبد، وابتسامة رقيقة تداعب شفتيه.
انهمرت الدموع من عينيّ، فمسحتها سريعًا وخرجت من غرفته لأستنشق نسمات من الهواء المنعش. ولم تمر لحظات على صعودي إلى سطح السفينة حتى سمعت ضوضاء غريبة تأتي من غرفة فرانكنشتاين. هرعت إلى هناك فوجدت المسخ يقف إلى جانب الفراش!
كان ضخمًا للغاية؛ أضخم من أي رجل رأيته في حياتي، وقد توارى وجهه وراء خصلات شعره الطويلة المنسدلة، وقد وضع يده الضخمة على كتف فرانكنشتاين. سمعني وأنا أفتح الباب فاستدار. وعندما رآني أقف بالباب قفز نحو النافذة.
أوه! ما هذا الوجه! لقد كان أكثر شيء مخيف رأيته في حياتي. أغمضت عينيّ لاإراديًّا، لكنني بعدئذ ناديته لكي ينتظر.
قلت: «انتظر!»
توقف لحظة ثم قال: «هذا ما جنيته أنا! لقد فعلت به هذا؛ لقد انتزعت منه كل شيء أحبه. والآن رحل صانعي! آه يا فرانكنشتاين، أنا آسف بشدة. أنا آسف من أجل كل ما حدث.»
بكى المسخ متألمًا وقال: «الوداع يا فرانكنشتاين، الوداع! يمكنك أن تصدقني الآن: سأحفظ وعدي هذه المرة؛ سأترك عالم الأحياء إلى الأبد. لن أرى الشمس ولا النجوم بعد الآن، ولن أسبب لأسرتك أي ألم بعد الآن. آه يا صانعي الحبيب، أعلم أنك لا تستطيع أن تسامحني، لكنك تستطيع الآن على الأقل أن ترقد في سلام.»
كانت هذه آخر كلمات نطق بها المسخ قبل أن يقفز من نافذة الغرفة. ركضت وراءه فيما قفز للخارج وهبط على كتلة جليدية، وسرعان ما اختفى وسط الأمواج، وتوارى عن نظري وسط الظلام والفضاء. أخيرًا انتهى الأمر كما أراد فرانكنشتاين. لسوف أتذكره هو والمسخ وقصتهما المروعة ما حييت. وكما تمنى فرانكنشتاين وضعت أخطاءه نصب عينيّ واستدرت بسفينتي وعدت أدراجي إلى الوطن.