مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
«لقد كان همِّي دومًا البحث عن وحدة التجرِبة الروحية للإنسان عبر التاريخ، بصرف النظر عن مصدر الخبرة الدينية، وهل هي من أصلٍ ما وراثي أم نتاج تجرِبة إنسانية وكدح روحي.»
على الرغم من دَحض التفكير العلمي لقيمة الأسطورة في القرن الثامن عشر، فإن الثورة الفنية والجمالية خلال القرن التاسع عشر أعادت إليها رونقها باعتبارها أصلًا للفن والدين والتاريخ، ثم اتجهَت العلوم الإنسانية للبحث، خلف الشكل الظاهر لها، عن رموزٍ كامنة ومعانٍ عميقة لفهم الإنسان وسلوكه وحياته الروحية والنفسية؛ ومن ثَمَّ راح المُفكر «فِرَاس السوَّاح» يُقدِّم دراسةً ميثولوجيةً لأساطير الشرق الأدنى القديم، وبالأخص الأساطير السورية والبابلية، للوقوف على الدلالات والرمزيات النفسية والتاريخية والاقتصادية التي تحملها الأسطورة، موضِّحًا أنها ليست خرافةً أو حكايةً شعبية، وإنما هي المحاولات الأولى للعقل البشري لفهم ماهيته، ولفهم نشأة الكون، وما يُقدِّمه من ظواهر كونية عجز عن تفسيرها ومواجهتها، فلجأ إلى الأسطورة التي تَشكَّلت في سياقٍ تاريخي ونفسي وثقافي، عكست خياله ومخاوفه وطموحاته، وشكَّلت معتقداته الدينية.