حرف الصاد
-
الصالونات: كان في مصر صالونات كثيرة يتحدث فيها في السياسة والأدب والاجتماع
ونحوها.
وهذه الصالونات بعضها كان صالونات أرستقراطية كالصالون الذي كانت تقيمه نازلي هانم فاضل وكان يحضره مثلًا الشيخ محمد عبده وسعد باشا زغلول، وإبراهيم بك الهلباوي، وكان في عابدين أمام باب باريس، وكانت موضوعاته الجدل في أدق المسائل السياسية والاجتماعية، وكان وسيلة للفت أنظار بعض الحاضرين واستفادتهم، وكصالون الآنسة مي وكان يحضره كثير من الأدباء، وأكثر حديثهم في الأدب وما إليه.
وهناك صالونات ديمقراطية كاجتماع بعض العلماء والأدباء في صالون حلاق أو في دكان سجاير، أو في دكان شربتلي فيتذاكرون الأدب ويتناشدون الأشعار، وقد يعرضون لأحاديث في النقد الأدبي، كذلك كان هناك صالونات هي عبارة عن المنادر، يجتمع فيها بعض أهل الحي ويتسامرون في الأدب وأحوال البلاد وشئونها، ومنها صالون لجنة التأليف والترجمة والنشر، ويقام مساء كل خمسين من كل أسبوع ويتباحث فيه في السياسة والأدب والاجتماع ويغشاه كثير من مثقفي القوم، مصريين وغير مصريين، وكان يقام في مركز اللجنة في عابدين، ثم انتقل إلى مركز اللجنة في شارع سعد زغلول، ومثله صالون الأستاذ كامل كيلاني، وهناك منتديات سياسية أخرى.
وقد تخرج من هذه الصالونات بقسميها عدد كبير من البارزين في السياسة والأدب ولو دونت محادثاتها لكانت سجلًا عظيمًا يصور الآراء الشائعة في زمانها، ويبين كيف تعرض الآراء المختلفة.
ولأصور للقارئ صورة من صالون ديموقراطي كان يعقد كل ليلة في مندرة بيت بجوارنا: كان يجتمع فيه أصدقاء صاحب البيت، فأحيانًا بعد العشاء يتسامرون، وأحيانًا يأتون بفقيه ذي صوت حسن يقرأ لهم القرآن الكريم، وأحيانًا يتحفهم ساكن البيت بجوقته؛ إذ كان هو نفسه يضرب على الدف، وأحيانًا تُقص القصص اللطيفة، وتسمع بعدها ضحكات من مكان بعيد.
وهكذا كان في كل حارة مندرة كهذه أو أكثر، ثم غزت هذه الصالونات القهاوي المختلفة، وحل اللعب بالنرد والشطرنج محل هذه المسامرات، ويروي لنا التاريخ الحديث أن كثيرًا من الأدباء كعبد الله نديم وحافظ إبراهيم كانوا من خريجي هذه الصالونات، سواء في شعرهم أو ثقافتهم؛ وقد قلت عادة هذه الزيارات وإنشاء المنادر بسكن الشقق في العمارات حيث لا تتسع لمثل ذلك.
ومن خير الصالونات التي شاهدتها صالون المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق بعابدين بجانب سراي نازلي هانم، فكان هذا الصالون مثالًا للبيوت القديمة؛ فكان يجتمع معه المرحوم حسن باشا عبد الرازق الكبير والشيخ محمد عبده، وحسن باشا عاصم وغيرهم، وكان يجتمع مع ابنيه المرحومين حسن باشا عبد الرازق ومحمود باشا عبد الرازق رجال السياسة يتناقشون في المسائل السياسية، وكان يجتمع مع المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق وعلي باشا عبد الرازق رجال العلم؛ إذ كانا عالمين من الأزهر، فكان يغشى مجلسهما رجال العلم في الأزهر، والمثقفون العصريون وبعض السيدات الإفرنجيات، فيتكلمون في العلم وفي الاجتماع، وأحيانًا قليلة في السياسة، فكان مجلسًا ظريفًا، وقد اعتاد هذا البيت أن تقام فيه موائد عامة للغداء والعشاء يدعى إليها من حضر، ثم تنصب حلقات الحديث والمناقشة وقد تستمر إلى ما بعد منتصف الليل، ويستمع فيها أعتق الآراء وأحدثها، فكانت بذلك مثار جدال شديد ثم مبعث تقريب بين هذه الآراء.
وتكاد كل صحيفة كبيرة اليوم وكل هيئة يكون لها ناد ينصب من حين لآخر، فيجتمع فيه خيار المثقفين ويتبادلون الآراء وقد تلقى إذ ذاك بعض المحاضرات.
- صباحك فل: يهتم المصريون كثيرًا بمن يرونه في الصباح.
- صباعه مدوحس: تعبير يعني ضرب فيه (المدة).
- صبح جلدة على عضمة: تعبير يعني صار نحيفًا جدًّا.
- صبح منيل: تعبير يعني غير منشرح النفس، ومثله صبح مدخن.
- صبح ندامة: تعبير يعني ساء حاله، مثله صبح عدم.
- الصداع: داء معروف، وإنما سقناه هنا؛ لأن كثيرًا من الدجالين يعالجونه بعلاجات خرافية؛ من ذلك قطع الشريان الصدغي الفكي، ويسمونه ضرب العرق، فإذا نزل الدم زعموا أنه يزيل الصداع، وقد يعالجونه بخرافة أخرى، وهي رسم صليب بالريق على صدغ المصدوع، ومن طرق العلاج أيضًا عزيمة يتلوها المعزّم فيكون فيها الشفاء حسب زعمهم.
- صَحْ تعمل العمل ده: تعبير يعني لا تعمله وليكن عقلك صاحيًا فلا تأت به.
- صحن كنافة وجنبه آفة: يقولونها للشيء الجميل بجانبه شيء رديء كشجرة الورد فيها الشوك، والبنت الجميلة تكون فقيرة.
-
الصعايدة: هم سكان الوجه القبلي، وقد عرفوا بالصبر على العمل واحتمال شدائده؛ وهم كثيرو
الرحلة إلى المدن كالقاهرة والإسكندرية، ولشدة أعمال البناء بنيت البيوت
والعمارات الكبيرة على أكتافهم، وأكثر الباعة المتجولين منهم كتجار الفاكهة
وغيرهم، وهم شديدو الغيرة على نسائهم، وكثيرو التعصب على غيرهم, ويظهر ذلك أشد
الظهور في مجاوري الأزهر، فإذا تعدى بحراوي على صعيدي تعصب هؤلاء لصاحبهم،
وهؤلاء لصاحبهم.
وشهروا كذلك بالكرم أكثر من البحاروة، فإذا نزل عندهم ضيف أكرموه غاية الإكرام، كما شهروا بالشدة في المعاملة، ولذلك يخافهم الناس، وقد يثور بعض الصعايدة على بعض، وقد تحدث من مضارباتهم ومؤامراتهم بعض المجازر، وربما كان عدد الأقباط فيهم أكبر نسبة مما هو عند البحاروة، وربما كان الدم المصري فيهم أوضح منه في البحارة، وذلك لقلة اختلاطهم بغيرهم، واشتهر منهم علماء وسياسيون كثيرون كان لهم يد في الحركات السياسية والاجتماعية، كرفاعة رافع الطهطاوي، ومحمد باشا محمود، وحسن باشا عاصم، والدكتور علي باشا إبراهيم وغيرهم، وهم كثيرًا ما ينزحون من بلادهم يبيعون الفاكهة أو الأشياء الصغيرة كأمواس الحلاقة، ثم يعودون إلى بلادهم في مواسم الزراعة، وقد يتزوجون وينسلون ويتركون زوجاتهم وأولادهم في بلادهم، ثم يبيعون ما يبيعونه في المدن الكبيرة، ويعيشون وحدهم من غير عائلاتهم.
وقد اشتهروا بأغان خاصة بهم كالواوات، واشتهر من زجاليهم الشيخ عبد الله لهلوبة، والشيخ القوصي، وكانت لهما أزجال ظريفة، كما اشتهر من شعرائهم في العصر الحديث الشيخ محمد عبد المطلب، ولهم أغان يستظرفها القاهريون ويغنونها مثل: يا أم شال أحمر قطيفة، يام شال.
سلم عليّ … ومثل: يا وابور يا مقبل على الصعيد … إلخ.
ويكثر في أغانيهم كلمة (يا بوي)، وهم يفضلون الأخذ بالثأر بيدهم على الشكوى إلى الحكومة، وقد تمر سنون طويلة وهم يكمنون في أنفسهم المطالبة بالثأر حتى يتمكنوا، وتجري في ذلك حوادث فظيعة في منتهى الوحشية، وأكثر أسبابها الغيرة على النساء والتعدي على الزرع والحيوان، وتعد أسيوط عاصمة الصعيد، ولذلك عقدوا فيها المؤتمر القبطي، ولهم لهجة خاصة بهم يستعملون فيها الجيم المصرية بدل القاف، مثل: جال في (قال)، وجلنا في (قلنا)، كما أن لهم كلمات خاصة بهم واستعمالات وأساليب لا يشاركهم فيها غيرهم، وقد تغمض لغتهم وخصوصًا فيما هو أعلى من أسيوط حتى ليصعب على القاهريين فهمها.
كما أن لعامتهم ملابس خاصة، فإذا رأيت من يلبس جلبابًا أسود ويتحزم عليه ويتلفع بشال على رأسه استدللت من ذلك على أنه صعيدي صميم، ويسكن على أطراف بلادهم كثير من البدو وقد تخلقوا بأخلاق الصعايدة، وتخلق الصعايدة ببعض أخلاقهم، وكثيرًا ما أتعب هؤلاء البدو سكان الحضر بسلبهم وغزوهم ونهبهم.
وهم مشهورون بنوع من السمك يخللونه ويملحونه (ويسمى الملوحة) كما أنهم مشهورون بنوع من الخبز من العيش الشمسسي والبتاو المرحرح.
-
الصفا: كان شعر النساء قبل الموضة الجديدة لا يقص، ولكن يجدل ضفائر.
وقد اعتدن أن يضفرن شعرهن ضفائر بعدد فردي: إحدى عشرة ضفيرة أو ثلاثة عشرة، وكل ضفيرة تربط بثلاثة خيوط من الحرير الأسود، تعلق بها قطعة ذهبية أو شيء يشبه الذهب رقيق كالورق يسمى الصفا، ويقص الشعر فوق الجبهة، فتتدلي منه خصلتان على الصدغين.
وكنت ترى في سوق المغربلين صفا يتلاعب بها الهواء يباع للنساء من أجل هذا، ويكثر استعماله في أيام الأفراح.
-
الصناعة المصرية: في مصر صناعة وصناعون، ولكن صناعتهم كانت بدائية، وقطعت في الأيام الأخيرة
خطوات واسعة، فالسائحون في عهد محمد علي كانوا يقولون إنه إذا خربت ساعتهم لم
يجدوا من يصلحها لهم إلا إذا كان أجنبيًّا، واشتهر الأطباء الأجانب وزاحموا
الأطباء الوطنيين، وكان الكبراء إذا أرادوا صناعة شيء استجلبوه من الخارج،
وكانت الصناعات المصرية حقيرة، تشتغل في المهن الغذائية كعجن الدقيق وخبزه،
وذبح البهائم وجزارتها، ومعامل الدجاج وتربية البيض، وتحضير الفول المدمس،
والفطاطرية، وكانوا أيضًا يحضرون الملابس تحضيرًا بدائيًّا فيغزلون باليد القطن
والحرير ويصبغون الملابس ويفصلونها ويخيطونها ونحو ذلك.
وشهر في القاهرة سوق تُسمى سوق العقادين، كانت تباع فيها شلات الخيط والزراير ونحوها، وكذلك يعملون في تشييد المساكن من بناء ونجارة وتبليط ونحو ذلك.
ولما جاءت الحرب الكبرى الأولى وامتنع ورود البضائع من الخارج اتجه بعض الناس إلى ترقية الصناعة الداخلية فربحوا كثيرًا، وكان من نتائج ربحهم تشجيع همة بعضهم للرقي بالصناعة، فأصبحت تجد من الصناعة المصرية موبليات فاخرة وجلودًا عظيمة، لا يفرق بينها وبين الصناعة الأجنبية إلا حسن الصقل.
وقد اشتهرت بلاد مصرية بصناعات مختلفة كالغزل في المحلة، والقلل القناوي في قنا، والقدور الإسكندرانية؛ ودمياط بالجلد والموبليات؛ وأسيوط بالكراسي، ونحو ذلك.
ولا يزال المدى فسيحًا في الصناعات المصرية حتى توازن الصناعة الأجنبية، وقد حارب الإنجليزي الصناعة المصرية كثيرًا، وفرض اللورد كرومر على المنتجات المصرية ضرائب كثيرة شلت حركتها، وأوهموا المصريين أنهم أهل زراعة لا صناعة، ثم أثبتت الأيام فيما بعد أنهم صالحون للصناعة أيضًا.
ولكن مع الأسف شأنهم شأن غيرهم من العلماء، صناعتهم صناعة تقليد لا ابتكار، وهو مرض عام شامل فإذا ابتكر هؤلاء ابتكر هؤلاء، فهم إذا رأوا عربة سكة حديد، استطاعوا أن يقلدوها ولكن لم يستطيعوا أن ينشئوها على نمط جديد.
- صَهْين عليه: تعبير يعني اسكت عنه.
- الصوان: في الغالب إذا أقيم مأتم لميت أو كان هناك استعداد لجنازة أو فرح كبير أقيم صوان على قدر صاحبه في الكبر والصغر، فنصبت الخيام الملونة بالأبيض والأحمر من الداخل، وسقفت بخيام أيضًا إذا كان الوقت شتاء، ويقام على عروق من الخشب الطويلة، وأضيء بالكلبات أو الأنوار الكهربائية الحديثة، وفرش بالسجاجيد، وصفت الكراسي على الجوانب، وإذا كان فرحًا أقيمت الرايات، وزيد في الكلبات أو الأنوار الكهربائية، والذي ألجأ إلى ذلك عدم اتساع البيوت العصرية وعدم احتمالها لهؤلاء المشيعين أو المعزين أو المهنئين، وربما كانت الأسرة فقيرة لا تحتمل نفقات هذا الصوان، ولكنهم يرونه ضروريًّا على كل حال، وقد كانت العادة أن يستمر هذا الصوان ثلاثة أيام أو أكثر مما يضلع أهله، ولكن الأغلب اليوم في عصرنا الاكتفاء بليلة واحدة، ويكثر عمل الصواوين في الموالد، مثل مولد النبي، وكان في عهدنا تقام صواوين صغيرة متنقلة للقراجوز والرقص، ثم زالت هذه بدور السينما ودور المسرح المشيدة، وتنشأ في بعض المديريات صوانات عامة للمناسبات، كقراءة القرآن في رمضان، وإذا مات ميت في مكان بعيد نصب له أهله صوانًا في وسط البلد شفقة على المشيعين.