حرف الفاء
-
الفار: مقام في شارع درب الحصر لولي اسمه سيدي إبراهيم الفار، وكان له مولد من جنس
خاص، ذلك أن العامة تزعم أن من رزق ولدًا وأراد أن يعيش يحضر به في مولد الشيخ
الفار، ويركبه مع الخليفة «شيخ المقام»، ويجعل ركوبه عادة مستمرة كل سنة لأجل
أن يعيش الولد، ولذلك يبعث كثيرًا من الناس أولادهم إلى هناك، فيركب الخليفة
وحوله كثير من الأولاد وعلى أبدانهم الثياب الملونة، ويلبسون طراطير من الورق
بعضها أصفر، وبعضها الآخر أحمر، وبعضها أزرق وتزدحم الطرق، ويسير مع الخليفة
أرباب الأشاير والطبول والزمور، وبعض الأطفال يركب حمارًا، وبعضهم حصانًا،
وبعضهم يمشي على قدميه، وتسير أيضًا معه أرباب الصنايع من حدادين ونجارين، إلخ
كل يركب عربة تمثل عليها أنواع الصناعات، وقد شهدت هذا المنظر في صغري، فكان
منظرًا عجيبًا، ويكثر الناس للتفرج على ذلك سيما النساء، ويكون اليوم يومًا
مشهودًا.
والفار هو الحيوان المعروف؛ ومنه فار البيت، وفار الغيط، ويحكون قصصًا للحوار بين فار البيت وفار الغيط، مغزاها أن الحرية مع الفقر خير من عدمها مع الغنى، وفار الغيط أبيض سمين، حتى إن بعض الفلاحين يأكله، ويعتقدون أن البيت إذا كان فيه فيران كان فيه البركة، ودلت الفيران على كثرة الخير، وهذا طبيعي؛ لأن الفار لا يألف البيت إلا إذا كانت فيه الخيرات، ويحضر في الذهن كثيرًا القط مع الفار، ويقولون: «القط والفار»، ولهم في ذلك قصة مطبوعة، ويحكون قصة تدل على أن ما بالطبع لا يتخلف «اللي فيهش ما يخلهش»، مؤداها أن رجلًا علم قططه إمساك الشمع بين يديه حينما يأكل، فلما ظهر فار رمت القطط الشموع وجرت وراء الفار، ويحكون أيضًا أن رجلًا دعا الله أن يقلب قطته جارية حسناء، فاستجاب الله دعاءه، وكانت تجلس بجانبه تأكل أفخر الأكل فلما رأت فأرًا تركت أكلها وجرت وراءه، فقال الرجل: «اللي فيهش ما يخلهش»، ودعا الله أن يعيدها قطة فكانت كما كانت، ومن أمثالهم: «غاب القط، العب يا فار»، يقولونه في الناس غاب من يخوفهم فجروا على هواهم.
- فَال الله ولا فالك: تعبير يعني ما عند الله خير.
- فتح الكتاب: يقوم بهذه الحرفة في الغالب المغاربة والسودانيون، فيضعون كتابًا تحت إبطهم ويمرون في الشوارع والحارات ينادون «نفتح الكتاب» فإذا جاء إليهم أحد نادوه ففتح الكتاب حيثما اتفق، وقرأ منه ما يدل على تنبؤ بالمستقبل بناء على ترسمه في وجهه، كأن يقول له: «يظهر عليك أنك زعلان من قلة الدراهم وعدم الشغل، لكن الكتاب يقول: إن الضيق سينفرج والغمة ستزول، وإنه سيأتيك مال كثير» ونحو ذلك، وكلما كان الكتاب مخطوطًا وقديمًا كان الناس فيه أكثر اعتقادًا، وهو من قبيل الاستخارة وضرب الودع وضرب الرمل. (انظر هذه المواد).
- فتَّح كده في عنَيَّه: أي إن الغالب على من أتى عملًا إجراميًّا أن يخجل إذا نظر الإنسان في عينه، فيقول له فتح في عيني، ليعرف إن كان أتى بهذه الجريمة أو لا.
- فتكرنا القط، جا ينط.
-
الفتوة: الفُتوَّة لعبت دورًا هامًّا في حياة الجاهليين والمسلمين؛ وأجمل ما فيها
المعنى الإنساني الذي نلمحه.
ولقد نمت الفتوة في ظل الإسلام، وكان منها الكرم والنجدة والضيافة، وجاء الصوفية فاستحسنوا ما فيها من إيثار فزادوا فيه حتى العطف على الحيوان، ففلسفوا الفتوة وتعمقوا في تطبيقها، وأخذ مؤرخو التصوف يزيدون في كتبهم فصلًا عن الفتوة، ثم انتقلت الفتوة بالحروب الصليبية إلى نوعين: نوع من الفروسية بديع يظهرون فيه الاحترام للمرأة، وربما نظروا إلى جمالها على أنه تقديس لها وإعزاز لشأنها؛ ونوع ثان عماده الكرم من إيواء الضيوف وبناء مستشفيات وإنشاء الزوايا والوقف على الفقراء والمساكين إلى غير ذلك.
وعلى الجملة فقد كان في الفتوة معنى إنساني جميل، ولكن مع الأسف طغت المدنية الحديثة التي لا تعرف كرمًا ولا سماحة وقضت على عوامل الكرم والسماحة إلا في القليل النادر، والفتوة في عصرنا انتقلت من اسم معنى إلى اسم ذات، فالفتوة شاب يلبس جلبابًا ويتعمم بلاسة.
وقد يرأس شبان حيه في محاربة الحي الآخر، فيتواعد الطائفتان على الخروج إلى جبل الجيوشي مثلًا ويتحاربون بالحجارة والعصا طويلًا؛ ومن غلب منهم توعد بالغلبة في يوم آخر، ولا تخرج الزفة من حي إلا إذا حماها فتوة الحي خوفًا من تعدي فتوات حي آخر عليها، والفتوة عادة تكون له امرأة عشيقة يحميها، فلا يجسر أحد أن يتعرض لها، ولهم لغة خاصة مثل التلاموذ، والجبا، ونحو ذلك، وقد رأينا أن الشيخ حسن الكفراوي لما اضطهد بعد قتل صديقه الشيخ صامودا لجأ إلى فتوة الحسينية وتزوج ببنته ليحتمي به فحماه.
-
الفراسة: يعتمد المصريون كثيرًا في أعمالهم على الفراسة، فهم ينظرون إلى بعض الوجوه،
فيقولون هذا الوجه سمح يستبشرون به، وهذا الوجه عبوس يتشاءمون منه.
ولهم في ذلك ملكة عجيبة، فمثلًا يستدلون من الخجل وتورد الخدود على أن صاحبه لطيف الخلق، لطيف الشعور، وبروز الوجنة، وهو ما يسمونه كرسي الخد، يستدلون منه على شدة الطبع والدفاع عن النفس والأهل، والأنف الأشم دليل العظمة وعلو الهمة والإقدام؛ وهذا بعكس الأنف الأفطس، والشفة الغليظة البارزة الحمراء، دليل السخاء وكبر النفس، وأحيانًا تكون دليلًا على حدة الشهوة الجنسية والشفة الرقيقة دليل على الاستعداد للحب الشديد والذوبان فيه.
وقد كان لي كتبي جاء إليه رجل يطلب كتابًا فقال له: ليس عندي، ولمحت الكتاب أمامه على مكتبه، فقلت له: كيف تقول ذلك؟ فقال: إني أعرفه من فراستي فيه، فاستنكرت ذلك عليه، وقام يجري ونادى الرجل وما زال يساومه، وأخيرًا مضى ولم يشتر، فالتفت إليَّ، وقال: هل صدقت؟
ولبعض الناس مقدرة عجيبة على صدق الفراسة، فيتفرس في رجل أنه كريم أو بخيل، شجاع أو جبان، وربما كان تنبؤ كثير من العرافين مبنيًّا على صدق الفراسة.
-
فرجيَّة: هي جبَّة واسعة طويلة الأكمام، وهذه الأكمام غير مشقوقة، وهي عادة لباس رجال
الدين، وربما نسبت إلى السلطان فرج أحد سلاطين المماليك.
يلبسها العلماء عادة في الحفلات الرسمية كالمحمل، وقد تحلى بسلوك من الذهب تركب على يديها وظهرها، ويشترك أيضًا رجال الدين الأقباط في لبسها سوداء هي والعمامة.
-
الفرح: الفرح يطلق على معنين: فرح بمعنى السرور، وهو يؤثر في الشخص أثرًا كبيرًا حتى
قد ينقلب إلى بكاء؛ وفي ذلك المعنى تقول الشاعرة:
غلب السرور عليَّ حتى إنهمن فرط ما قد سرني أبكانيوقد يبلغ فيه حد التأثر لدرجة الإغماء، حكى لي شيخ أن رجلًا صحب أوروبيًّا جاء إلى مصر، ورغب الأوروبي في تعلم العربية فعلمه، وتلازما مدة طويلة ثم سافر الأوروبي إلى بلاده، وفي ذات يوم بعد عشرين سنة جاء رجل من بنك الكريدية ليونيه يسأل عن الشيخ١ فدلوه عليه، فأحضره هذا السائل إلى البنك، وأدخله على المدير وسأله اسمه وصنعته فأخبره، فقال له المدير: «أتعرف فلانًا؟» فقال: «نعم، إنه كان صاحبًا لي منذ عشرين سنة»، قال المدير: إنه قد أوصى لك بألف جنيه، فدهش الشيخ وامتلأ سرورًا وفرحًا، فلما عد له المدير مائة جنيه قال له الشيخ: دعها إلى الغد، ثم حضر تاني يوم فلما عد المدير خمسمائة قال له الشيخ: دعها إلى الغد؛ فلما حضر في الغد واستلمها وأراد أن يخرج قال له المدير: فسر لي هذه الحركات، قال له: إني عشت طول عمري لم أقبض أكثر من خمسة جنيهات، فلما عددت لي في أول مرة مائة، كاد يغمي عليَّ، فاستمهلتك، وهكذا.
وقال لي صديق آخر إنا كنا نعرف رجلًا فقيرًا يعيش من كسب امرأته، وهي تشتغل غسالة في البيوت، وقد مات قريب له وورث نحو الستمائة جنيه، ففصل عشر بدل له والبدلة عبارة عن جبة وقفطان، ولباس وصديري وقميص، ورمى ثوبه المهلهل وأخذ يدعو أصحابه ويقيمون الأفراح في غناء وخمر وحشيش، ثم دعا أصحابه وذهب إلى المحطة يزعم أنه سيحج، وليس الوقت وقت حج، وبعد غياب شهر أرسل إليهم تلغرافًا بأنه حج وعاد فاستقبلوه على المحطة بالزفة وأقاموا الأفراح والليالي الملاح، حتى نفدت نقوده، وتخلى عنه أصحابه، وعاد إلى ثيابه المهلهلة، وهذا من تأثير الفرح.
وتطلق بالمعنى الثاني على النصبة التي تنصب لإقامة الزواج ونحوها، فتدوم أكثر من ليلة، بعضها للمغنين وبعضها للتمثيل، إلخ … ويسمون ليلة الزفاف الليلة الكبيرة، ومن أقوالهم: جت الحزينة تفرح ملقيتش في القلب مطرح، وقولهم: فرحة ما تمت، تقال للخير لم يستكمل، كقول الشاعر:
ما أقبح الخير تؤتاه فتحرمهقد كنت أحسب أني قد ملأت يديوقولهم كل نومه وتمطيطه، أحسن من فرح طيطه تقال عندما يراد الانصراف عن الشيء والالتذاذ بالكسل.
- الفرح باين على عينه: تعبير يعني أن عينه تلمع لمعة الفرح.
- فرشت الملاية: تعبير يقال للمرأة الغجرية إذا ردحت، وقد يقال للناس المهزئين إذا ردح بعضهم لبعض.
- فرغ الهذار ما بقي إلا الجد: تعبير يعني ذهب وقت الهزل ولم يبق إلا الجد.
- الفرقة كانت على عينه: يقولون الشيء دا حصل، وكان على عيني؛ أي تألمت له وكان غصبًا عني.
-
الفروة: إذا كان الخروف طويل الشعر اعتنوا به عند ذبحه، فسلخوه ودبغوا جلده المسلوخ،
واستخرجوا من ذلك فروًا يطول شعرها أو يقصر حيثما اتفق، فإذا دبغت اتخذوها
فراشًا يجلس عليه المترفون، وكان الأغنياء من المجاورين يجلسون عليها بدل
الحصير.
والآن يتخذها بعض الأغنياء تحت أرجلهم في السيارات وكنا ونحن في الكتاب نسمع فيها لغة رمزية، فيقول الأب لسيدنا: إذا عمل الولد عملًا لا يرضي أباه: نفض له الفروة؛ أي اضربه علقة.
ويسمي العامة الثمر المعروف، ﺑ «بلوط شاه» أبا فروة.
- فزورة: هي بمعنى اللغز، وهي باب ظريف من أبواب السمر كالحواديت، فعندما يسمرون يتبادلون هذه الفوازير، وذلك مثل فزورة الكتابة: «قد السمسمة وتجيب الخيل ملجمة»، وألغازهم في البيضة بقولهم: طبق رخام عليه زغفران حلف ما يتاكل إلا بالكلام، وهو رمز لبياض البيضة وصفارها، وأنها لا تؤكل إلا بالملح، وعلى هذا القياس.
- الفستان ده شفتشي: تعبير يعني أنه رقيق يكاد يبين ما تحته.
- فسقية: حوض ينشأ في الحديقة، أو في الميادين العامة، أو في ساحة الدار، وربما كانوا ينشئونها في الأصل على شكل فستقة، ويسمونها الفستقية، فحرفها العامة إلى فسقية وإن كانت فيما بعد قد تكون مدورة.
-
الفسيخ: هو سمك يؤخذ ويصف راقات بعضه على بعضه، ويوضع على كل صف مقدار كبير من الملح،
وخيره ما كان من نوع سمك البوري، ثم يضعون من فوقه حجرًا فينزل منه ماؤه، ثم
يضمر ويصلحه الملح، ونوع آخر يسمونه الطوبار، وهو مشهور جدًّا عند أهل الأرياف؛
وكثيرًا ما تجد الفلاح وهو ماش في الطريق بيده اليسرى فسيخة، وبيده اليمنى
رغيف، يقطم من هذا قطعة ومن ذلك قطعة، وتحبه النساء كثيرًا، ونساء المدن يصلحنه
بوضع زيت وخل، أو زيت وليمون عليه، وهو يشحن إلى القاهرة في المراكب، واشتهر في
القاهرة الفسيخ النبراوي، نسبة إلى نبروه قرب شربين، ومن أمثالهم إذا رأوا
رجلًا يسلم على آخر فسلم عليه في ازدراء واحتقار «سلم عليه كسلام الماوردي على
بياع الفسيخ»، وهو يؤكل كثيرًا في يوم شم النسيم، وقد اعتاد المصريون أكله في
ذلك اليوم، ولذلك يستعد بائعو الفسيخ لهذا اليوم استعدادًا كبيرًا، وخير ما
يؤكل أن يؤكل معه البصل الأخضر، وكما يؤكل الفسيخ في شم النسيم يؤكل السمك
البكلاه في العيد الصغير، والسمك البكلاه هذا عبارة عن نوع من السمك الكبير شرح
وجفف.
ومن الفسيخ نوع يوضع في مش ويخزن في بلاص مدة طويلة، وقد اشتهرت به أسيوط وما حولها، ولكن يسمونه (الملوحة) لا (الفسيخ)، وهو مؤذ في الصيف على الخصوص؛ لأنه يحوج أكله إلى شرب الماء الكثير، ولذلك كان في الشتاء أسهل منه في الصيف، ومن أمثالهم أيضًا «يعمل من الفسيخ شربات» يقال للماهر يستخرج الشيء من ضده، وقد يهدد أحدهم آخر بقوله: «أفسخك».
- فش غليله: محرفة عن شفى غليله.
- فص لمُونة: يسمون كل جزء من الليمونة أو من البرتقالة فص لمونة أو فص برتقال.
- فص ملح وداب: يستعملونها في الدلالة على أنه اختفى كما يختفي فص ملح يذوب؛ أي اختفى فجأة!
- فِضِلت أهري وانكُتْ لما جه: تعبير يعني بقيت في حالة قلق إلى أن جاء.
- فِضِل يبستفه لما قال بَسْ: تعبير يعني أفرط في تقريعه.
- فِضِل يحتيه لما كل مخه: يحتيه: أي يدحلب عليه، ويحتيه من الحاتي، وأصل الحاتي عائلة مصرية اشتهرت بصنع الكباب والكفتة، فسموا كل صانع لهذا الصنف بالحاتي ثم اشتقوا منه حتى ويحتي.
- فِضِل يزْغر وينفخ: تعبير يعني نظر إليه شذرًا، ونفخ نفخ الغضب.
- فضل يصفح ويصلَّح: أصلها من استعمال المراكبية، والصفح والتصليح مجاراة الريح في سير المراكب، فلا يسير مستقيمًا إذ يعاكسه الريح فيميل بالمركب ميلة تبع الهواء، ثم يميل بها مرة أخرى ليستطيع السير، ثم استعملت في الأمر المعقد يحاور فيه ويداور حتى يحل.
- فضَّها سيرة: تعبير يعني لا تذكر هذا الشيء، ولا تستمر في الحكاية عنه.
- الفقر حشمة والعز بَهدلة: تعبير يعني أن الفقر يَحشِم صاحبه، فلا يجعله يختال أو يتبهرج، أما العز أو الغنى فيجعل صاحبه يغالي في بهرجته وزينته.
- فقعت بالصوت: تعبير يعني صوتت.
- الفقي: ينطونها بالهمزة وكسر الفاء، وقد كان الفقي في عهدنا يقوم بأعمال كثيرة؛ فهو يقرأ كل يوم صباحًا جزءًا من القرآن، في البيوت، ثم قام بدورهم هذا «الراديو»، وهم يدعون أيضًا لقراءة جزء من القرآن، على القبور، وهم يعلمون أيضًا الأطفال القراءة والكتابة في الكتاتيب، وهم لا يحسنون شيئًا إلا حفظ القرآن، وكثيرًا ما يكونون من العميان، وهم يدعون للقراءة عادة بالليل على الميت حتى يدفن، وإلى قراءة عدية يس والختمة ونحو ذلك من الشئون الدينية ومنهم من يحترف أيضًا كتابة الأحجبة والتعاويذ السحرية، ومنهم من شدا شيئًا من الفقه فيكون (مأذونًا) يعقد عقد الزواج ويحرر ورقة الطلاق، ويقولون لمن تزمت وتشدد وكان ثقيل الروح: «فقي» و«بلاش فقهنة.»
-
الفكاهة: اشتهر المصريون بالفكاهة الحلوة والنوادر المضحكة، وخصوصًا أهل القاهرة وأهل
رشيد، ولهم طابع خاص في نكتهم، وهذا الطابع يعتمد على الألفاظ واللعب بها
والتورية أكثر من الذكاء.
مثال ذلك أن الشيخ علي الليثي كان إمام الخديو، وكان شاعره ومضحكه، وكانت له حجرة في القصر خاصة به، فداعبه رجل يسمى أحمد خيري باشا مهردار؛ أي حامل الخاتم لإسماعيل باشا، بأن كتب على باب حجرة الشيخ علي الليثي: «إنما نطعمكم لوجه الله»، فأدرك مغزاها الشيخ علي الليثي فقال فيه هذا الزجل:
كان لي طاحونة جو الدارتدور وتطحن ليل نهاردورت فيها التور عصيعلقت فيها المهرداروقد كان محمد بك عثمان جلال زجالًا كبيرًا ملأ الناس بالفكاهات اللطيفة في عصره، مثل قوله لرياض باشا:
الخير عم الناس وفاضما حد إلا واستكفىإلا أنا يا سيدي رياضوقعت من قعر القفةوكقول بعض الظرفاء:
كل شيء في مصر يوجدإلا قهوة سي خليلالكيوف فيها نضيفةوالحشيش مالهوش مثيلوكانت قهوة خليل بشبرا يقصدها ذوو الكيوف ومنهم بعض الذوات.
وقد اشتهر جماعة من القاهريين بالنكت حتى لقد هممت أن أضع فيهم كتابًا مسلسلًا لهم، ذاكرًا لهم أشهر نكتهم، من أولهم ابن دانيال وهو صاحب كتاب «خيال الظل» وقد ترجمنا له، ويليه ابن سودون، وله كتاب مطبوع على الحجر مملوء بالنكت اللطيفة، اسمه «نزهة النفوس ومضحك العبوس»، ثم الشيخ الشربيني مؤلف كتاب «هز القحوف، في شرح قصيدة أبي شادوف»، ثم الشيخ حسن الآلاتي مؤلف كتاب مضحك العبوس، وقد أخذ الاسم من ابن سودون.
وقد كانت له قهوة في حي السيدة سكينة سماها (المضحكخانة) يقصدها الناس من كل فج، ثم توفيق صاحب «حمارة منيتي»، ثم أحمد فؤاد صاحب الصاعقة، ثم المحدثون المعاصرون فما أجدرهم بالتاريخ.
وفكاهات المصريين أنواع، منها التندر على الفلاحين، والسخرة بالنحو، وقد اشتهر بها الشيخ الشربيني، ومنها المفارقات وقد اشتهر بها الشيخ حسن الآلاتي، وهكذا … وقد كان في القاهرة شابان أرادا أن يتضاحكا على أدباء عصرهما بتلقيب كل منهم لقبًا مضحكًا، فسميا الساعاتي الأديب «ديك الجن»؛ لأنه كان دقيق الرقبة، ولقبا أديبًا ذا لحية مدبة بابن مكانس، مع أن الأصل ضم الميم، وسميا الشيخ إبراهيم الدسوقي وكان ضخمًا عالي الصوت في الضحك «مهيار الديملي»، ولقبا أديبًا كان ينطق بالصاد نطقا عجيبًا فيه صفير، فقالا: إنه خير من نطق بالصاد، وأخيرًا سمى أحدهما الآخر «الشاب الظريف». (انظر ذوق).
-
الفلاح: هو ذلك الرجل من أهل الريف، يفلح الأرض ويزرعها، ويقول صاحب «هز القحوف»، في
شرح قصيدة أبي شادوف: «إن أهل الريف طبعهم كثيف، وأخلاقهم رذيلة، وذواتهم
هبيلة، ونساؤهم مزعجات، وذلك من كثرة معاشرتهم للبهائم، وملازمتهم لشيل الطين،
وعدم اختلاطهم بأهل اللطافة، وامتزاجم بأهل الكثافة، كأنهم خلقوا من طينة
البهائم كما قال الشاعر:
لا تصحب الفلاح لو أنهنافجة أرباحها صاعدةثيرانهم قد أخبرت عنهمبأنهم من طينة واحدة
فهم ملازمون للمحراث، دائرون حول الزرع، غاطسون في الجلة والطين، غير مكترثين بالصلاة والدين، لا يعرف الواحد منهم غير الساقية والفارقلة، وشيل الطين والجلة، والعياط والغارة، والطبلة والزمارة إذا أقاموا أفراحًا، لا تكون إلا بالعياط والصياح، وشاهدنا كثيرًا من أفراحهم، وما يقع فيها من عدم نجاحهم:
إن حصل منهم الكرم بالاضطراريكون العدس والبيسارووردهم عند الأسحارالتفكر في الغنم والأبقاروتسبيحهم في الظلامهات النبوت والخزاموحط العلفهات الكلفقال الشاعر:
أهل الفلاحة لا تكرمهم أبدًافإن إكرامهم في عقبه ندميبدوا الصياح بلا ضرب ولا ألمسود الوجوه إذا لم يظلموا ظلموالهم أسماء كأسماء العفاريت: كبرغوث، وزعيط، ومعيط والعفش، ومن عادتهم أن يسموا بالاسم الذي ينطق عند ولادة الولد فإذا سمعوا أعمش سموه عموش، وإذا سمعوا هات الزبل سموه زبيلة، وسموا أيضًا أبو ريالة وأبو زعيزع وأبو قدح وأبو حشيشة وأبو كنون، وسموا بربور.
ومن أسماء نسائهم: (زعرة) و(بعرة) و(بروة)، ويكنون بأم جعيص، وأم دواهي، وأم بعيص، وترى أولادهم غارقين في الجلة، ينامون في المدود، ويشربون من المترد، عمره في دناسة، وأمه في نجاسه، وإذا درج في الحارة لا يعرف غير الطبلة والزمارة، لعبه حول العجلة، وأكله بجوار الجلة. إلى آخر ما قال. وقد تغير كل ذلك الحال.
وربما يكون متحاملًا عليهم؛ لأن كتابه كله من هذا القبيل، وقد يكون غرضه نبيل بأن أراد أن يصف بؤس الفلاح «وفقره» والظلم الواقع عليه في أسلوب فكه، كمن يتحامل عليه، ولم يكن في زمنه من يصف سوء معاملتهم في صراحة؛ والحق أن عيشتهم بائسة، ولم يستطيعوا أن يعيشوا ما يعيشون إلا لأنهم ألفوا هذه العيشة واعتادوها من صغرهم، ولو اعتادوا أول الأمر عيشة فيها شيء من السعادة لما استطاعوا أن يحيوا هذه الحياة.
- فنار: منار فيه مصباح لهداية المراكب عند دخولها الميناء، وربما أخذوها عن الإيطالية؛ لأنها عندهم فانور.
- الفل: زهر أبيض طيب الرائحة، يحبه المصريون كثيرًا، ويشبهون به المرأة البيضاء فيقولون: بيضاء وزي الفل، والرجل العامي يغازل المرأة بقوله: «يا فل يا فل»، ومن أقوالهم المشهورة: يا فل يا فل يا غايظ الكل، ومن أغانيهم الحديثة «آدي الورد وآدي الفل»، ويتخذ منه دهن عطري، وأحيانًا يتجملون به فيصنعه البائعون على شكل عقد تتجمل به المرأة ويزاحمه في ذلك الياسمين، وإذا كان الخبز «أبيض نادوا عليه بأنه أبيض زي الفل» ويرمزون به للصفاء في الحب.
- فنجان القهوة: يدعون أن ما بقي من القهوة في الفنجان بعد شرب ما فيه يدل على المستقبل، فتمعن من تقرأ الفنجان في الفنجان، ثم تخبر الطالب بأشياء في المستقبل، كأن تقول إنك ستسافر وستنال خيرًا في سفرك، وهكذا.
-
الفول: من أكثر الأطعمة المصرية، وهو يقوم عند الفقراء مقام اللحم، ومع ذلك يشارك
فيه الأغنياء الفقراء، وهم يتفنون فيه وفي صنعه تفننًا كبيرًا على أشكال
مختلفة: أشهرها الفول المدمس، وطريقة صنعه: أن يوضع الفول الناشف في «قدرة»
ويوضع معه الماء بمقدار مناسب، وذلك بعد أن ينقى من الحصا، ويترك على نار هادئة
طول الليل تقريبًا، ثم يأخذه البقالون ليبيعوا منه بقرش أو نصف قرش، ومن يشتريه
يضع عليه الزيت والليمون أو المسلي أو الزبدة، وأحيانًا توضع عليه القشطة
والمترفون يقشرونه قبل أن يأكلوه، وهو الفطور المعتاد لأهل مصر تقريبًا مع
اللبن، والإقبال عليه في الشتاء وفي رمضان أكثر.
ومن أمثالهم: «هو كالفول البارد البائت من غير ملح ولا سمن» وقد قالوا فيه مواويل ظريفة منها:
قالوا تحب المدمسقلت بالزيت حاروالعيش لابيض تحبهقلت والكشكارقالوا تحب المطبققلت بالقنطارقالوا اش تقول في الخضاريقلت عقلي طارفرد عليه الآخر يقول:
قالوا تحب المدمسقلت بالمسليوالبيض مشوي تحبهقلت والمقليوقد شرحها بعض القوم شرحًا صوفيًّا ولا داعي للإطالة.
ويستعملون من الفول الطعمية وطريقة صنعها أن يبل الفول طول الليل ثم يدق في مدق معروف، ثم تضاف عليه التحابيش، وهي عادة بقدونس ونعناع ناشف وبصل وثوم، وقد يضيفون الكرات أيضًا بعد خرطه، ويعجنون ذلك كله عجنًا جيدًا ويدقونه، ثم يقطعونه قطعًا ويقلونه في الزيت، والأغنياء منهم يحشونها لحمًا مفرومًا، ويقلونها في السمن.
ومن الفول أيضًا تصنع البصارة، وطريقة صنعها نقع الفول كما في الطعمية، ثم وضعه على النار في قليل من الماء، بعد إضافة ملوخية ناشفة وقليل من النعناع والثوم، فإذا نضجت غرفت في أطباق ثم قلي البصل مخرط في السمن حتى يجف، ثم يوضع قليل من هذا البصل على وجه طبق البصارة والشبان المصريون المترفون لا يعرفونها، وقد رأى بعض أولادي طبقًا منها فسألتهم عنها فقالوا: «كشك أخضر.»
ومن أنواع الفول: الفول النابت وطريقة صنعه أن ينقع الفول حتى ينبت، ثم يؤخذ ويسلق، ثم يوضع على مرقته قليل من الملح، وبعضهم يقشره ويطبخه في القوطة ويسمونه فولية، وبعضهم يضع عليه السلق بعد أن يحمر في السمن يجفف ويدهك!
فترى من هذا كثرة استعمال المصريين للفول … ومن أمثالهم: «كل فولة مسوسة لها كيال أعور» دلالة على أن الشيء وإن قبح له من يطلبه، وإذا أرادوا أن يعبروا عن حيلة انكشفت قال الواحد منهم: فهمت الفولة
ويقولون: «لا تفول عليه»؛ أي لا تكن نذير سوء، ومن أنواعه الفول المقيلي يباع مع الترمس، والفول الحراتي وهو فول أخضر.
- في المشمش: كلمة يستعملونها في الشيء لا يتوقع حصوله، فإذا قال رجل سأفعل كذا، قال له الآخر إذا اعتقد أنه لا يمكنه ذلك: «في المشمش»، أو الكلام ده في المشمش، وأصلها على ما يقال أن جحا كان يأكل عنبًا، وكان يأكل كل أربع حبات في مرة واحدة، فقيل له كل واحدة واحدة، فقال الكلام ده في المشمش؛ أي إن حبة المشمش كبيرة يمكن أكل واحدة واحدة، أما العنب فصغير، لا يمكن أكل واحدة وحدها؛ فصارت مثلًا.
- في الوش مراية، وفي القفا سلاية: تعبير يعني أنه يتظاهر لك بالحب والموافقة، ويتكلم في غيابك بما تكرهه، والسلاية هي الإبرة الكبيرة.