خطاب وتعليق
جاءني هذا الخطاب من الأستاذ أحمد محمد حسين هيكل المحامي ونجل أستاذنا المغفور له الدكتور هيكل وإني أنشر الخطاب وأعلق عليه.
«أخي ثروت، لعلك بمقالك اليوم عن زينب المزعومة، عبَّرت عما كان يجيش بصدري وصدر كل الذين شاهدوا هذا التزييف الذي تعرَّضَتْ له أول قصة في الأدب المصري الحديث، وأقول التزييف؛ لأنه ما من شخصية من شخصياتها تمتُّ بصلة حقيقية لأصلها في الرواية الأم كما سميتها، وما من معنًى من المعاني التي عبرَت عنها تلك الشخصيات المزيفة تمتُّ إلى المعاني التي عبرت عنها شخصيات الرواية الحقيقية بصلة أو سبب، وإذا كان مثل ذلك يحدث في شأن زينب وهي القصة التي قرأها الملايين في أصلها المكتوب وشاهدَتها ملايين أخرى على شاشة السينما، واحتلَّت مما كتب النقاد والدارسون آلاف الصفحات، فما بالك بما يمكن أن يحدث لروايات لم تُتَح لها مثل هذه المكانة، يا حسرة على ما يصنعه التليفزيون بأدبنا كله!»
وما أظن صاحب زينب الحقيقية ليرضى عن هذا الذي يفعله التليفزيون بالأعمال الأدبية وما أظن أننا — وقد تحملنا أمانة حفظ تراثه، وسنحمل هذه الأمانة إلى النهاية — لنقبل أن نبقى مكتوفي الأيدي تجاه هذا العبث. ولو أن التليفزيون يريد — كدأبه — إرضاءَ ميول جمهور المشاهدين فلعله خانه التوفيق هذه المرة كما خانه من قبل في أعمال أخرى، رغم النقد الكثير الذي وُجِّه إليه حينئذ. وما إخراج التليفزيون لحياة العقاد ببعيد، ولكن أحدًا لا يتعلم الدرس ولا يعيه. على أن الذي لا يمكن القبول به تحت أيِّ ظرف من الظروف هو أن يتمَّ ذلك على حساب خير ما في فكرنا وأدبنا الحديث من أعمال كبرى نعتزُّ بها ويفخر بها الوطن.
ومسئوليتنا الأدبية والوطنية تقتضينا أن نحُولَ دون أن يشوِّه العابثون تراثَنا. ومن هنا فإني أُناشدك عرْضَ الأمر بصفة عاجلة على مجلس إدارة اتحاد الكتَّاب ليرى في الأمر رأيه، وليصلَ من ذلك إلى ما يكفل حماية أعمالنا الأدبية الرفيعة من عبثِ العابثين. هذا هو الجانب العام في الموضوع، أما عن مسئوليتي الخاصة فأودُّ أن أُبلغَك أن هذا الذي حدث لم نأذن به ولا جرَى اتفاقٌ بشأنه مع التليفزيون، وسيكون له حديث آخر بيننا وبينه بالطريق الذي رسمه القانون، ودُمتَ لأخيك.
أنا أعرف يا أخي أحمد مقدارَ الألم الذي تعرضتَ له وأنت تشاهد رواية أبيك الخالدة تتحول إلى رواية أخرى لا صلة لها بها، وأعرف أيضًا الأسى الذي تعرض له إخوتك وإخوتي وهم يشاهدون رائعة أبيهم يُمَثَّل بها بدلًا من أن تمثل، ونحمد الله أنه أكرم المؤلف العظيم ولم يشهده، ولكن قد يهون الأمر عليك وعلى إخوتك إذا قُدِّر لك أن تشاهد سائر البرامج في التليفزيون فسترى يا أخي المد الشيوعي وقد طغى طغيانًا مريعًا على هذه البرامج، وسترى أنك رددتَ بجهد الشيوعيين إلى تليفزيون الستينيات. وأنت تعلم يا أخي كما أعلم أنا أن هؤلاء الشيوعيين مهما يفعلوا فلن يصلوا إلى قلوب الشعب أو مشاعره، فإنهم سيجدون دون سمومهم لا إله إلا الله محمد رسول الله تردُّهم فاشلين خائبين، وسيجدون الإيمان بالله عند إخواننا المسيحيين يقصف أقلامهم ويحطم إلحادهم مدحورًا مهانًا …
ولكن الخطر مع ذلك داهمٌ وبيل؛ فها أنت ذا ترى الموجة التي جرفت الرقباء — وهم معذورون — لا يسمحون إلا بالروايات التي تهاجم كلَّ ذي لقب أو ذي مكانة أو ذي كرامة، وماذا بيدهم أن يفعلوا وهم يرون الشيوعيين يملئون الدنيا بصُراخهم، أن الشرف لا يجتمع مع الكرامة وأن الخلق لا يكون لمن يحترم نفسه.
وماذا بيدهم أن يفعلوا وهم يرون الشيوعيين يرفضون أن يكون الإنسان إنسانًا إلا إذا كان معدمًا، أما العاملون الكادحون على مكاتبهم أو بجهدهم أو بفكرهم أو بإشرافهم فسُحقًا لهم وبُعدًا.
فالطبيب والمهندس والمحامي والمحاسب والكاتب والمعلم كل هؤلاء طبقة برجوازية ذات تطلعات.
والرقباء ليسوا شيوعيين، ولكنهم يرون وجه الإعلام قد استولى عليه الشيوعيون، فهم يصرخون في جميع الصحف، وهم يطلون عليك في أغلب البرامج.
والأمر يا أخي أحمد ليس مجردَ إعلام أو مقالات أو برامج، إنما الأمر أخطر من ذلك وأجلُّ شأنًا.
إن الحرية الاقتصادية تتعرَّف وجه الدولة من إعلامها، فإذا طغى هذا اللون الأحمر على صوت الدولة فهيهات هيهات أن يطمئنَّ أصحابُ رءوس الأموال المصريون أن يدخلوا بأموالهم إلى ميدان التصنيع، وإذا كان المصريون يخافون فالخوف أعمق وأشد في نفوس رءوس الأموال الأجنبية سواء أكانت لدول أم لأفراد.
ونحن، كما تعلم، يا أخي دولة أملُها الوحيد في الازدهار الاقتصادي، والازدهار الاقتصادي يعتمد على الاستقرار وحرية رأس المال واطمئنانه، والشيوعيون، كما تعلم، أملُهم في الوصول إلى الحكم معتمدين على تخريب الاقتصاد المصري وزلزلة الثقة فيه عند العالم أجمع دولًا وأفرادًا.
وهكذا ترى يا أخي أحمد أن زينب جرى عليها ما يجري لكل الأعمال الفنية الرفيعة في فترتنا هذه …
ولكن هوِّن عليك يا أخي؛ فوالدنا الدكتور هيكل خالد مهما تعبث بروايته موجاتٌ عارضة لا بد لها أن تزول، فمحمد حسين هيكل هرمٌ ضخم هيهات أن يؤثر فيه شيء، وقد انتهت كارثة هذه الرواية التليفزيونية وما خلفت في نفوس عارفي أبيك إلا بعض الحسرة ما تلبث أن تزول، والكتاب من بعد ومن قبل هو الخالد. أما هذا الزبد فأنت تعلم أنه جفاء زائل لا قيمة له، ودائمًا يا أخي أحمد لن يصحَّ إلا الصحيح.