أم لأمر فيك تجديد
يطيب لي ونحن في أعقاب العيد أن أتذاكر هذه الأبيات لإيليا أبو ماضي في قصيدته هدايا العيد:
وفي القصيدة أبيات أخرى اكتفيت منها بهذه الأبيات. وشعر إيليا بطبيعته لا يحتاج إلى تعليق فهو مع إشراقة الديباجة فيه وسلاستها وعذوبتها واضح بيِّن؛ حتى إنني أحسب أن أي شرح له أو تعليق عليه يفسد جماله، ويغض من سموقه. فالشاعر المهجري العظيم قادرٌ دائمًا على أن يقدم إليك المعنى كاملًا عميقًا في غير حاجة إلى مزيد من تبيان وفي غير حاجة أيضًا إلى تعميق.
ولو كان الشاعر الكبير حيًّا يضنُّ بصبره يقدمه إلى الأدباء والشعراء، وحاول أن يقدمه إلى أُسود أفغانستان، وهي تحارب في إصرار وجبروت ثاني قوة كبرى في العالم والتاريخ. والدولة الغازية التي يدَّعي أشياعها أنهم يبحثون عن السلام للإنسان وعن الابتسامة يقدمونها إلى شِفاه الأطفال تنقض انقضاض الظلم المؤبد بالمال والسلاح على أفغانستان التي لا تملك شيئًا إلا الإيمان بالله الواحد الأحد لا ترتدُّ عن إيمانها إلا بالشهادة عالمة أن في هذه الشهادة أسمى ما يتمناه المؤمنون، وتسوخ أقدام العدوان في بحار من دماء، والضحايا منهم بيدِ المؤمنين أكثر من الضحايا في الشعب المؤمن الذين يقتلهم العدوان بآخر ما وصل إليه العصر البغيض من آلات سفك الدماء، والقضاء على أرواح الأبرياء.
والظلم بقدر ما هو واقع على أفغانستان المؤمنة الشامخة بإيمانها، واقع أيضًا على أفراد الجيش الغازي فهم مساقون إلى هذه الحرب لا يدرون أين يحاربون، ولا لماذا، ولا يدرون لماذا يقتلون هذا الشعب ولا لماذا يقتلهم هذا الشعب، فجميع أفراد الجيش الغازي ينطبق عليه بيت شوقي أمير الشعراء:
ولو كان إيليا أبو ماضي حيًّا لأهدى بعض العقل إلى إيران التي تُصرُّ على الحرب مع دولة مسلمة تريد أن تكفَّ عن الحرب، وتُقدِّم في كل يوم عروضًا للصلح، ولكن إيران المسلمة التي يحكمها لأول مرة في تاريخها عالمٌ مسلم ترفض السلام والصلح وكلَّ ما يُعرض عليه، ومهما تكن العراق هي البادئة بالحرب أفلا يكفي الزعيم الإيراني العالم المسلم أن يكون العراق نفسها هي البادئة بالسلام، أين الإسلام إذن وليس بين أسماء الأديان اسم يحوي من حروف السلام ما يحويه اسمُ الإسلام، ولكن الإسلام عندهم اسمٌ على غير مسمًّى، وكلام بغير عمل وشقشقة ولا تنفيذ.
ولو كان إيليا حيًّا لأهدى بعض الحياء لذلك السادر المخبول في الجماهيرية وهو يتقافز فعل القردة في كل ميدان حرب، أو شقاق، أو حتى معركة أيدٍ وعِصي.
ولو كان إيليا أبو ماضي حيًّا لأهدى سوريا بعضَ الرحمة تخفف بها الوطء على شعبها، أو على شعب لبنان الذي قاسى من البلاء سنواتٍ طوالًا عجافًا حمراء داكنًا لونها قطعَت أوصاله، وأوهنَت قواه فأصبح وهو يوشك أن يكون بلا كيان ليس يدري أيواجه الانقسامات والصراعات في داخله، أم يواجه العدو الصهيوني الذي يريد أن يحطم كلَّ العرب، أم يواجه الأخ الشقيق من سوريا وهو يحتل أرضه ويرفض له السلام، ويأبى أن يجلوَ عن لبنان التي دخلها بدعوى حمايتها؛ فأصبحت وهي أشد ما تكون حاجة إلى مَن يحميها من حاميها، ويرد عنها عدوان شقيقتها سوريا التي أمسَت شرًّا عليه من صهيون ودولة إسرائيل، وأذكر البيت العربي الشهير:
رحمك الله إيليا أبو ماضي وقد فعل وأكرمك أن ترى هذا البلاء الذي نُعانيه فنصيح جميعًا مع المتنبي: