شمول ناموس الجاذبية
(١) تجاذب الكتل
أشرنا فيما سبق إلى أن ناموس الجاذبية الذي ذكرناه لنيوتن ليس إلا إجمالًا للناموس، فهو غير كامل كما ضبطه نيوتن، وقد أشرنا إلى ذلك في [الناموس أو القانون] من الفصل السابق، وقد ضبطه نيوتن هكذا:
«كل ذرة من كل جِرْم تجذب كل ذرة من ذرات الجِرْم الآخر بنسبة مربع البُعْد بينهما بالقلب.» يعني أن الأرض والشمس تتجاذبان بحاصل ضرب عدد ذرات كل منهما بعدد ذرَّات الآخر بنسبة مربع البُعْد بينهما هكذا:
الجاذبية = (الأرض × بالشمس)/مربع المسافة بينهما، وبعبارة رمزية:
وستتضح هذه المعادلة البسيطة جيدًا في الملحق الثالث قسم ثانٍ في آخر الكتاب.
إن تجاذب الأجرام هو بالحقيقة تجاذب ذراتها من جِرْم إلى جِرْم بنسبة مربع البُعْد بينهما، ولا يخفى عليك أن الثقل هو عبارة مرادفة للجذب، وبالتالي هو مقدار الجذب نفسه، فثقل القنطار مثلًا على الأرض هو مقدار جذب ذرات الأرض لذرَّات القنطار بنسبة بُعْد مركز الأرض، وإذا روعيت كتلة كلٍّ من القمر والأرض ونصف قطر كل منهما كان القنطار على سطح القمر يزن ٦ قناطير على الأرض.
ومن حيث البُعْد عن المركز ترى أن الجسم يزن بالميزان الحلزوني على قمة الجبل أقل مما يزن على شاطئ البحر؛ لأن هذا أقرب من ذاك إلى مركز الأرض.
(٢) توازن الأجرام حول المركز
وهو معلوم في علم الطبيعيات أن الجسم مهما اختلف شكله الهندسي واختلفت كثافة كتلته ولطافتها، فلا بد من أن يكون له مركز تتوازن جميع أجزائه من حوله، ويسمى هذا المركز «مركز الثقل»، مثال ذلك: إذا كان عندك علبة مستطيلة من خشب، وقد طوَّقت بعض حدودها بالحديد ووضعت في جانب منها رصاصًا وملأت باقي فراغها بالورق والقطن، فلا بد أن تكون في ناحية منها نقطة تتوازن من حولها جميع أجزائها ومحتوياتها حتى إذا علقت بحبل في تلك النقطة المركزية كانت متوازنة فلا تميل إلى جانب دون آخر، هذه النقطة المذكورة هي مركز الثقل.
والقمر والأرض باعتبار أنهما جِرْمان متلازمان كجِرْم واحد ومتجاذبان، فمركز الأرض يختلف باختلاف موقع القمر من الأرض، ويكون دائمًا أقرب إلى ناحية القمر وأبعد عن المركز الأصلي؛ لأنه هو المركز المشترك بينهما.
كذلك المركز المشترك للشمس وسياراتها يتغير كل دقيقة بحسب تغير مواقع السيارات من حولها؛ لأنها وسياراتها تعتبر كجِرْم واحد وتشترك جميعًا بمركز ثقل واحد.
وإذا اتفق في دهر من الأدهار أن جميع السيارات كانت في خط واحد من ناحية واحدة من نواحي الشمس، أصبح مركز الثقل في الشمس أبعد عن مركزها الأصلي عدة أميال، ثم يعود فيقترب إلى المركز الأصلي تدريجيًّا كلما تشتتت السيارات من حول الشمس، وفي نفس ذلك الوقت تتغير مراكز السيارات أنفسها أيضًا حسب نسبة مواقعها بعضها إلى بعض وإلى الشمس.
(٣) تفاعل القوى الجاذبة
وتقارُب السيارات بعضها من بعض يقوِّي التجاذب بينها، وقد يقاوم جاذبية الشمس مقاومة زهيدة، فتتغيَّر سرعتها بسبب هذا التجاذب كما لاحظ الفلكيون ذلك جيدًا.
ولهذا السبب كان السيَّار أورانوس في بعض الأزمان يختلف ميقاته وتختلف أيضًا سعة فلكه (أي مداره) وموضعه، فدرس هذا الاختلاف بعض الفلكيين وبينهم ليمونيه درسًا دقيقًا طويلًا إلى أن قرَّر هذا أن هناك سيَّارًا آخر يؤثر عليه فضلًا عن تأثير زُحَل جاره، وما لبثت المراصد أن اكتشفت السيَّار نبتون بحسب نبوءات ليمونيه وزملائه.
وبمثل هذا السبب وهذه الملاحظات الرصدية حُكِم بوجود السيَّار بلوتو الأخير، ثم اكتُشِف كما تُنُبِّئ به، وكان المتنبئون يعوِّلون في تنبؤاتهم على تأثير الجاذبية في الأجرام المتقاربة والمتباعدة، وحساباتهم الدقيقة كانت تكشف ليس عن مواقع السيَّار المتنبَّأ به فقط، بل عن بعض خواصه أيضًا كمقدار كتلته وحجمه وكثافته … إلخ.
وحاصل القول: أن اكتشاف نيوتن لناموس الجاذبية مهَّد الطريق لاكتشافات علمية عديدة فلكية وغير فلكية، وأثبت أن كل حركة في الكون إنما هي تتجه بقوة الجاذبية.
الجاذبية قوة القوى، القوة القصوى.